الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في نقاش جدلي بين أحد الإداريين المؤثرين في شركة، قائلاً لي المحاسب/المراجع الخارجي السعودي لن ينجح ولن يتطور مهما وُضعت من اللوائح والأنظمة، فأحببت أن أفهم السبب والدافع لهذه النتيجة العامة فقال: “لم يولدوا فقراء!” إن أزمة كورونا والتعقيدات الاقتصادية أدت للكثير بفقدان الوظائف أو تقليلها، مما زاد من نسبة التحديات والبحث عن الوظائف لكن بقدر ما فيها من صعوبة وأرق إلا أنها ستُخرج معادن الناس وتُشعل فتيل العمل الإضافي لتغطية ما نقص.
إن المحفزات البشرية تختلف بين الأشخاص باختلاف احتياجاتهم وأهدافهم فمنهم يتحرك ويعمل إذا شعر بألم الفقر، والآخر بسبب البحث الذات، وآخر لإشغال وقته بشيء نافع. من نشأ في بيئة فقيرة يميل إلى أن يبحث ويسعى ويحاول ويحارب لأجل الوصول لمستوى البقاء وأن يظل حيّاً ، إن المحن والتحديات تصنع شخصاً عنيداً قوياً لكنها لا تكفي للشخص بأن يتقدم في مجالات الحياة الأخرى. العلم والتشوق المعرفي أحد أهم ركائز الاستمرارية في الإنتاج والتميز. القوة العلمية تكمن في القدرة الذهنية على تجميع المعلومة وتحليلها وبنفس الوقت مراعاة متطلبات الحياة.
شابٌ ينشأ فقيراً أفضل من مائة شاب نشأ في بيئة تراعي احتياجاته ومتطلباته اليومية بشكل مترف. فلن يعرف قيمة العشرة ريالات من يهدرها، ولا يعرف قيمة العمل من لم يعاني! ولا يعرف قيمة المكتب من لم يطرق الأبواب. إن الفقر يشجعك لأن تعمل بأقل الوظائف حتى تتعلم التفاصيل ودقائق الأمور وخفايها. لذلك الفقير الحريص الفطن لو سنحت له فرصة لأصبح علامة استثنائية.
الموظف السعودي في أي مجال يعمل فإنه تذوق مرارات الفقر ولو لفترة من عمره. التحدي وحده والشعور بالحاجة من ينقلان العقل البشري من عقلية الدعة والراحة إلى عقلية النضال والكفاح. من ينشأ في بيئة غير علمية وغير فقيرة في خطر كبير بتصوره سهولة الحياة كما يعيشها. التعب والشقاء والكبد خلقه الله في عروق البشرية (لقد خلقنا الإنسان في كبد) سواءً عمل أو لم يعمل، تعلم أو جهل، اغتنى أو فقر. إن الفقر بئس الضجيع وبئس الصاحب لكنه من أهم شرارات الانطلاق.
دعونا نعمل بعقلية فذة تبحث عن إثبات الذات وتحقيق التقدم للجميع فأغلب بيئاتنا ولله الحمد في صحة ورغد عيش وتوفر الخيرات، فحتى لا نغرق في الترف “والدلع” والشكليات لنتجه إلى العمل لتسريع عجلة الاقتصاد والتطور في هذا البلد المبارك، لنجعل كل مغترب في هذا البلد يرى شرارة النجاح والتفوق والجدية بدلاً من أن نكون همزة يتفكه بها الناس وينتظروا فشلنا. قد لا تكون عقلية النجاة حافز لنا في التجارة والعمل، لكن البصمة الجميلة ورفع مستوى جودة الحياة والأثر الحسن يبقيان إلى أمد طويل.
هذه الفكرة تنطوي على مبدأ تقسيم الناس من حيث العِقد الذي وُلدوا فيه كجيل. هذه الأجيال تختلف في طريقة تحليل الأمور وتفسير المواقف بل حتى في فلسفة الحياة والعمل. تجد أن جيل من وُلد ماقبل 1980 ميلادياً يختلف عمن ولد بعدها من حيث الحافزية للعمل، الدافع للإنجاز، وماهية النجاح. أقترح الاطلاع على مصطلح Generation Z Characteristics ففيه كثير من التفسيرات للواقع المحلي لأن المجتمع السعودي مجتمع فتي وشاب يشكل ما يقارب 60% من السكان. فمهما وصلنا لتقسميات وتقييمات يبقى أن العمل الجاد والدؤوب يثمر حتى لو اختلف كثير من الناس بذلك. ولاشك بأن الألم البوابة الرئيسة للتغيير، فالجسم والعقل يكره التغيير، ما لم تضعه تحت ضغط.
في الختام، كما في الأثر النبوي الصحيح ( اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن والعجز والكسل) تقولها في كل صباح ومساء ليحيي فيك روح المثابرة والعمل. يربط بين أحد أكبر أسباب الهمّ وضيقة الصدر بأنك تعيش عاجزاً كسولاً. عجلة الحياة لا تسير ولا تتحرك إلا بسواعد قوية وعقول نشطة. وشبابنا وبناتنا الآن في أفضل مراحلهم وأكثرها فرصاً لمن يعمل.
ودمتم بسعادة وعافية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال