الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تَحتوي إدارة الشركة المساهمة على عددٍ كبيرٍ من التخصُّصات الفرعية؛ مثل المحاسبة المالية، وإدارة المخاطر، ودراسة الجدوى، ومتابعة الالتزام، ودراسة تعارض المصالح، وغيرها الكثير وفق نشاط كلِّ شركةٍ على حدة.
لذلك، يستحيل على مجلس الإدارة أن يُديرَ عمل كلِّ هذه التخصُّصات، حتى أنَّ المدير التنفيذي في الشركة لا يمكن يُحيطَ بكافَّة هذه الدوائر الإدارية التي تصل إلى حدِّ التخصُّص العلمي.
الأمر الذي يُجبرُ إدارة الشركة على تشكيل لجانٍ إداريةٍ مُتخصِّصةٍ بكلِّ شأنٍ من النشاطات الفرعية، بحيث تتكوَّن اللجنة من أشخاصٍ ذوي خبرةٍ وتخصُّصٍ.
إلاَّ أنَّ المشكلة الكبرى تَظهرُ عند مراجعة كافَّة الأعمال الإدارية في الشركة، فهنا كيف يمكن للشركة أن تتأكَّد من سير العمل بشكلٍ مثاليٍّ داخل فروعٍ إداريةٍ عديدةٍ؟ هل يمكن للشركة أن ترتقي بمعايير الحوكمة إذا كانت أمورها الداخلية تسير دون مراجعةٍ فعليةٍ تخصُّيصيةٍ؟
بناءً عليه، نشأت فكرة: “لجنة المراجعة الداخلية” في الشركة حتى تقوم بمهمَّة إعادة النظر في جميع شؤون الشركة، من المحاسبة إلى المصالح إلى مراجعة القرارات.
وقد ألزم نظام الشركات الحالي جميع الشركات المساهمة بتشكيل لجنةٍ مراجعةٍ بقرارٍ من الجمعية العامة العادية، واشترط النظام ألاَّ يكون أعضاؤها من أعضاء مجلس الإدارة القائمين بمهامٍ تنفيذيةٍ في الشركة؛ خشيةً من تعارض المصالح (م/101 نظام الشركات 1437 ه)، كما أضافت لائحة الحوكمة وفق هيئة السوق المالية شرطاً آخر؛ هو أن يكون رئيس لجنة المراجعة شخصاً مستقلاًّ تماماً عن أيِّ منصبٍ إداريٍّ أو منصبٍ تنفيذيٍّ في الشركة (م/54-ب من اللائحة).
لكن إشكالية عمل لجنة المراجعة الداخلية هذه تظهر في أنَّ الجمعية العامة للشركة هي التي تقوم بإصدار ضوابط وإجراءات عمل اللجنة (م/54-ج من اللائحة)، فإذا استطاع أصحاب المصالح السيطرة على تصويت الجمعية العامة للشركة، فإنَّهم قد يستطيعون تقييد أعمالها وحرف مسار نشاطها حتى تتحوَّل إلى لجنة رقابةٍ روتينيةٍ غير مؤثَّرةٍ.
في نفس الوقت، فقد أكَّدت معايير الحوكمة الصادرة عن مجموعة العشرين على ضرورة الإفصاح عن صلاحيات وتشكيل وإجراءات العمل Working Procedures الخاصَّة بلجنة المراجعة (القاعدة VI-2، صـ52)؛ الأمر الذي يوحي بأهمية نظام لجنة المراجعة الذي يجب أن يكون للنظام أو لوائح الهيئة دوراً في تحديد العناصر الأساسية فيه على الأقل.
والإشكالية الكبرى في لجنة المراجعة الداخلية، هي أنَّ نطاق عمل هذه اللجنة غيرُ محدودٍ بتخصُّصٍ معيَّنٍ، حيث اعتبرت معايير مجموعة العشرين أيضاً أنَّ من أهم اللجان التي تدعم عمل مجلس الإدارة بأكمله هي اللجان المتخصِّصةSpecialized Committees ، وبشكلٍ خاصٍّ لجنة المراجعة (نفس القاعدة السابقة).
فهنا كيف سيستطيع عضو اللجنة مراجعة الحسابات والمصالح والأنظمة والالتزام؟ فالمسألة مرتبطة بالمؤهِّلات والإمكانيات والخبرة بالدرجة الأولى.
لذلك، وإن كان عضو اللجنة غير المؤهَّل مستقلاًّ ونزيهاً، فإنَّ المخالفات ستمرُّ من بين يديه دون أن يُلاحظها، حتى لو أعاد مراجعة هذه الملفَّات لأكثر من مرَّة.
بناءً عليه، يبدو أنَّ على مشروع نظام الشركات مهمَّةً تشريعيةً واسعةً إزاء لجنة المراجعة الداخلية؛ فلا يبدو من الصواب تنظيم هذه اللجنة المحورية عبر أنظمة الشركة الداخلية فقط بل يجب وضع الأسس التخصصية لها في النظام واللوائح.
كما يجب أن يتمَّ فرض تواجد مجموعةً من التخصُّصات في أعضاء لجنة المراجعة الداخلية حتى يَصِحَّ ترشيحهم لعضويتها، وإذا لم تتوفَّر هذه التخصَّصات ضمن الأشخاص المتاحين لعضوية اللجنة، فيجب أن تنتدب الشركة خبراءً مُتخصِّصين.أما إذا بَقيتْ لجنة المراجعة مُجرَّد لجنةٍ روتينيةٍ في الشركة تقوم بعملٍ سطحيٍّ تقليديٍّ دون البحث فيما وراء الأنشطة الإدارية وما بين سطور القرارات التنفيذية، فإنَّ وجود لجنة مراجعةٍ داخليةٍ في الشركة سيبقى وجوداً اعتبارياً غير واقعيٍّ ولا مؤثِّرٍ في ارتقاء الشركة بمعايير الحوكمة، سواءً أكان السبب هو أنظمة الشركة أو عدم تأهيل أعضاء اللجنة.
======
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال