الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
دعونا نعترف أولا أن التستر التجاري في السعودية أو دول الخليج هو زواج غير شرعي بين مستثمر اجنبي ومستفيد سعودي، والمشروع التجاري هو الابن الغير شرعي لهذه العلاقة ، اذا راينا لهذه العلاقة سنجد من زاوية أخرى أنها اكتسبت الشرعية من كافة جوانبها، فالمحل التجاري أو المشروع تم استئجاره من المالك مباشرة أو مكتب تأجير وحصل المالك على حقوقه كمؤجر، وهذا المحل حصل على ترخيص، ودفعت الرسوم للبلدية أو الجهة الحكومية التي تمنح الترخيص، وبناء عليه تم استخراج سجل تجاري وسجلت المؤسسة أو النشاط التجاري في كل الدوائر الحكومية من تأمينات اجتماعية وزكاة وبموجب الأوراق الرسمية تم استخراج التأشيرات وفق الأنظمة والتعليمات ودفعت رسوم التأشيرات، وعند قدوم العمالة تستحصل الجوازات رسوم الإقامة، وعند السفر والمغادرة، تحصل أيضا هذه الجهات الرسوم وتستكمل الإجراءات نظاما، منذ أن كان المشروع في ذهن المستثمر الوافد وحتى رأى النور سنرى أن كافة الإجراءات كانت سليمة، وليس هناك أي شبهة.
أين حصلت المشكلة؟ وهو أن هذا المستثمر الوافد يحصل على كامل الغلة في نظري وهذا من حقه طالما دفع كل المبالغ والرسوم والإجراءات، هو لا يعرف طريقا للإدارات الحكومية، السعودي الذي يقف في الواجهة هو من يقوم بهذه المهام، ومقابل ذلك يحصل على مبلغ مقطوع شهريا أو حسب الاتفاق إن كان له نسبه من الأرباح أو راس المال.
الأمر الأخر، هو ان بعض هذه المشروعات تنجح وتتوسع حينما يكون الشريكين متفقين على صيغة التعاون. وحتى تعطي هذه المشروعات صبغة قانونية، تلتزم بنسبة السعودة وأهمية منح فرص لأبنائنا وبناتنا، وتشارك في بعض المبادرات الاجتماعية، حسنا أين المشكلة؟
أحدهم قال لي انها تدخل ضمن اقتصادات الظل أو الخفي، فقلت له لا ليس صحيحا، الاقتصاد الخفي الذي ينشأ بدون أوراق رسمية ولا يدفع الضرائب ويعمل بالخفاء والعاملين فيه ليسوا نظاميين، وهي أما سلع مغشوشة أو منتهية الصلاحية، أو تحويل أموال بطرق غير مشروعة وغيرها من الأنشطة التجارية التي تتم بدون علم الجهات المسؤولة، أما التستر التجاري، فهو مشروع كل أوراقه سليمه ورسوم الحكومة مستوفاة، أعود وأسال من جديد أين المشكلة؟
الحكومات الخليجية منذ 4 عقود حينما بدأت ولادة العلاقة الغير مشروعة بين المستثمر الأجنبي والمواطن الخليجي، وهي تحاول أن تعالج المشكلة، وأصدرت العديد من القوانين والتشريعات ووضعت مكافآت لمن يبلغ عن مشروع تجاري متستر بسعودي أو خليجي، ولعل آخرها التي أصدرتها وزارة التجارة السعودية نظام مكافحة التستر التجاري، وقالت وزارة التجارة أن حجم التستر التجاري في السعودية يتراوح حسب التقديرات بين 300 الى 400 مليار ريال، طبعا المقصود بهذا الرقم هو قيمة المشروعات الموجودة في السعودية ومداخيلها، هل يمكنكم تقدير عدد السعوديين والأجانب الذين يعملون في هذا النشاط؟ وحينما يتم القبض أو اكتشاف حالات تستر، بموجب النظام يرحل الوافد، وتجمد نشاط السعودي ويشطب سجله التجاري، وكلما قبضنا على عدد اكبر يعني انخفاض حجم المشروعات التجارية، ربما نفرح من اكتشاف حالات التستر، إنما نساعد في إهدار أو ضياع سيولة ومشروع تجاري بكل سهولة أو بيعه لمستثمر آخر بسعر بخس، اسأل هل بهذه الطريقة نكون حلينا المشكلة؟
لا أقول للأسف، وإنما دائما الجهات الحكومية كانت تفكر في أفق ضيق ومحدود، وما حاولت أن تعالج المشكلة، ليس بالقبض أو السجن أو شطب السجل التجاري، طالما لدينا مستثمر اجنبي أو وافد أمواله لدينا في السوق وتستفيد منه الإدارات الحكومية من رسوم ومبالغ، فلماذا لم تغريه، وأعطته مزايا وسهلت له الفرصة بحيث يتحول الى مستثمر رسمي ونظامي، وتبعد السعودي المتستر، وتأخذ هي مكانه، مع تعديل في بعض الإجراءات بحيث نحفظ له حقه، وتأخذ الدولة حقها بالنظام؟
أنا متأكد غدا لو أعلنت السطات الاقتصادية أو التجارية أن كل المحلات التجارية التي تعمل بنظام التستر، سوف تسمح لهم تسجيل أنشطتهم التجارية بأنفسهم وباسمهم، ونزيل العوائق التي تشترط أن بعض الأنشطة لا يمكن للمستثمر الوافد أن يعمل بها، وتحصل على نسبة من الأرباح أو رسوم سنوية يتم الاتفاق عليها، مثلما كان المتستر يعمل، أولا هذه المبالغ ستدخل خزينة الدولة، ويتم الحفاظ على السيولة الموجودة في البلاد، وتوظيفها في مجالات عديدة من تأهيل وتدريب، بدلا من هدرها بقوانين غير مجدية، وربما تدفع السعودي المتستر الى المزيد من الاحتياط والحرص على نفسه، ونحن نعيش رؤية 2030 ومبادراتها، وأيضا التطورات الكبيرة في المراقبة المالية والحسابات المصرفية، وغيرها من التشريعات التي انطلقت وساهمت جائحة كورونا في تطوير التقنية المالية وربط كافة إدارات المراقبة مع بعضها البعض.
من الأفضل أن تفكر السلطات الاقتصادية الى طريقة أخرى، تتمكن من إغراء المستثمر الوافد، وتجعله من تلقاء نفسه يطلب الطلاق من السعودي المتستر، ويتجه الى الجهات الحكومية ليضمن حقوقه، ولا تقولوا لي الإقامة الذهبية أو غيرها، مشروع التستر التجاري ومكافحته يحتاج الى عقلية أو تفكير خارج الصندوق الذي اعتدنا عليه، ولا يمكن أن تفرط في حجم سوق يصل الى 400 مليار ريال، بهذه السهولة، والا فإن مكافحة التستر سيكون مشروع لم ينجح في الحفاظ على السيولة المالية وتحسين بيئة العمل التجاري، وبهذه الطريقة سنظل نشتكي من التستر سنوات، لان الطريقة غير محفزة، والسعودي والوافد اليوم اكثر يقظة في اخذ الحيطة والحذر، وحينما تتعدل صحة المشروعات التجارية، وتخرج من عباءة الكفيل السعودي المتستر، وتذهب تحت كفالة الجهات الحكومية وأنظمتها، صدقوني وقتها سنتخلص من التحويلات الغير مشروعة، والتوظيف الوهمي وكل ما كان يتم في الخفاء والتي ما كان السعودي يعلم عنها، وربما نكون قد عالجنا مشكلة عانينا منها لعقود.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال