الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ما يميز الدول المتقدمة عن غيرها أنها تؤمن وتعشق الأرقام، وانعكس هذا الشغف على عملية قياس أداء كل شيء، بما فيها تصنيف المنظومات، كمنظومة التعليم الجامعي – على سبيل المثال – وكما نراه في الولايات المتحدة التي ابتدعت تقييم أداء جامعاتها ووضعها في قوائم تميزية، مما جعل العالم كله يتنافس في تقديم تقييمات لجامعاتها، وأصبح بناء قوائم تقييم الجامعات توجه يفرض نفسه اليوم عالميا.
لم تكتفي الولايات المتحدة بوضع قوائم تقييم جامعاتها بعد أن قلدها العالم، بل شملت المدارس الثانوية في كل ولاياتها لقوائم تصنيف خاصة بها. فعلى سبيل المثال، يتضمن تصنيف US News لما مجموعه 18000 مدرسة ثانوية، فُرزت من ضمن 24000 مدرسة ثانوية عامة في 50 ولاية ومقاطعة كولومبيا، بيانات تقييم تعتبر ستة عوامل أداء رئيسة بما فيها مدى جودة إعداد الطلاب للكليات المتخصصة.
هذا التصنيف يساعد الطلاب أن يختاروا المدرسة الثانوية التي تؤهلهم بحسب الكلية أو الجامعة التي يودّون الالتحاق بها مستقبلا.
التعليم عن بعد – الذي فعّله “كورونا” – جعل الكثير من الجامعات في العالم تتبناه كأسلوب من ضمن أساليب التعليم فيها، وربما يصبح هو أسلوب التعليم الأول في كثير من التخصصات في المستقبل المنظور.
هذا يعني، أن المدارس الثانوية ستتنافس على جذب طلاب من كل أنحاء العالم حسب قدرتها في تهيئتهم للالتحاق بجامعات معينة وتخصصات محددة، وغالبا سيرى العالم كله قوائم تصنيف للمدارس الثانوية، خاصة أنه لا حاجة للتواجد الفعلي للإلتحاق بهذه المدارس لأن التعليم عن بعد هو سيد الموقف.
استصغار الكثير من الدول النامية لأثر المستجدات خاصة في أساليب التعليم مثل التعليم عن بعد، والذي نشأ فعليا في العالم قبل عقدين من الزمن، أثبتت جائحة كورونا أنه كان اعتقاد ميت منذ لحظة ولادته. وبسبب استمرار الموقف الهامد للبيروقراطية تجاه المستجدات – خاصة مع كون جل جامعات هذه الدول من الجيل الأول والثاني بينما الجامعات في العالم المتقدم تصنف في غالبيتها من ضمن الجيلين الثالث والرابع – ستدفع هذه الدول فاتورة ذات تكلفة عالية اقتصاديا واجتماعيا لإصلاح الضرر الذي حصل في منظوماتها التعليمية.
المستقبل مليء بالتحديات، وفي حال لم تأخذ الدول النامية الأمور على محمل الجد والتفاعل مع هذه التحديات في وقت مبكر سيكون من الصعب أن تنجح عملية التعليم الوطنية فيها مستقبلا، وإذا كانت جامعاتها على الساحة العالمية في مواقع متواضعة جدا، فعليها أن تلحق على مدارسها الثانوية من الآن، لأن المدارس الثانوية التقليدية فيها ستدخل نفق الحرج قريبا جدا، فإما أن تتطور وتتهيأ من الآن للمنافسة ضمن القوائم العالمية للمدارس الثانوية – القادمة قريبا وبقوة – أو ستخرج من مشهد التعليم تماما.
لذلك، لا مفر أمام الدول النامية إلا أن تفكر بشكل مختلف وتنجز بشكل مختلف لكي تضمن تواجد منظوماتها التعليمية في عالم الغد، لتخدم خططها وتطلعاتها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال