الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
شركات عالمية عديدة تأسست من القرن التاسع عشر و مازالت تعمل لحد الأن مثل كوكاكولا و جنرال إلكتريك و بوينج و نيكون و ناستيلا و كيلوغ. مثل هذه الشركات عملت أكثر من عقد من الزمان تخللته حروب عالمية و كسادات إقتصادية و تفشي أوبئة و كوارث طبيعية. هذه الشركات تعتبر مثل مبين على أن الأعمال القائمة على نظام حكيم لإدارة أزمات لا تتوقف و لا تغلق أبوابها مع متغيرات الظروف. باحثون أكاديميون ( ألباسلان و جرين و ميتروف) نشروا مقال عام 2009 في مجلة متخصصة بإدارة الأزمات والطوارئ. المقال يوصي الشركات بضرورة إضافة وحدة إدارة أزمات في الحوكمة الإدارية من إجل إحتواء فعال للأزمات المختلفة الناتجة عن تغيرات بيئية أو مالية أو إجتماعية. وحدة إدارة الأزمات في الحوكمة الإدارية تستطيع إنقاذ الشركة من الأزمة عندما تُكّمل عمل أدوار وحدات الحوكمة الأربع الأخرى : إدارة الإستراتيجية و المراقبة و التحكيم و الإرشاد. هذا المقال سيناقش أربعة أدوار أساسية للوحدة الحوكمية لإدارة الأزمات و هي (1) استراتيجية احتواء الأزمة، و (2) خطة استمرارية العمل ، و (3) منهج إسترداد العمل في النكبات ، و (4) خطة التعاقب الوظيفي.
أولا: إستراتيجية احتواء الأزمة
إستراتيجية احتواء الأزمة الناجحة هي التي لا تبدأ في الإحتواء بل تبدأ من التحضير الوقائي قبل نشوب الأزمة. المرحلة التحضيرية للأزمات تنقسم إلى ثلاث طبقات. الطبقة التحضيرية العليا و هي تحضيرات بعيدة المدى بتطوير قيادات الأزمات و بناء خطة التعاقب الوظيفي في الشركة. الطبقة التحضيرية المتوسطة وهي تحضيرات متوسطة المدى بتأسيس و تطوير وتحديث خطة استمرارية العمل. الطبقة التحضيرية الدنيا و هي تحضيرات قصيرة المدى بالتدريب على اختبار وصيانة وتنفيذ منهج إسترداد العمل في النكبات. سيأتي شرح كل هذه التحضيرات في المقاطع التالية في هذا المقال. إلا أن يجدر الاشارة الى أن الوقاية الإستراتيجية من الأزمة تكون من خلال تصميم خريطة طريق واضحة و تنضيج بطاقة القياس المتوازن و تفعيل بطاقة امتثال معايري. هذه الأدوات تمكن الشركة من التنبؤ الوقائي بحدوث أزمة ووضع تصورات تحضيرية لإحتوائها كما بين خبير إدارة الأزمات (خوسيه ساريجي) في مؤتمر مستقبل الأمن عام 2012.
الدكتور توماس كريستنسن في أطروحة دكتوراة قدمها عام 2009 في جامعة كابيلا الأمريكية يقول أن قيادات الأزمات يجب أن تعمل لثلاثة أهداف هي تقليص الخسائر المادية و البشرية، و تهدأت الفوضى العاطفية، و منع الفضائح العامة. إستراتيجية الإحتواء الناجحة يجب عليها أولا غلق التفاعل مع كل قناة إتصالات تكون مصدر للتهويل أو كشف الأسرار للعامة بدون حوكمة على نقل المعلومات. قيادات الأزمة يختارون قنوات الإتصالات التي تنقل المعلومات وفقا لسياسة الشفافية و الإفصاح في الحوكمة الإدارية. ثانيا، قيادات الأزمة تعمل على حصر مسببات الازمة في الأماكن والشخوص و الآلات و الأزمنة. الأزمة بطبيعتها يلازمها هاجس عاطفي فوضوي و خوف مطلق من خسائر دائمة للأرواح أو الأموال أو الأعمال يتجه فيها العقل الجمعي لأما التوقف عن العمل أو إنكار كاذب للأزمة و كلاهما ضررهم كبير. قيادات الأزمة يجب أن تتجنب الانجرار وراء الفوضى العاطفية. إدارة الأزمة عليها استقراء واضح للمسببات لحصرها بدون توقف الأعمال. الغموض لبعض الأزمات قد يجر الشركات لتوقف العمل مثل انتشار مفاجئ لوباء فيروسي جديد. إلا أن التوقف عن العمل يجب أن يكون محدود جدا و أن يقوم قائد الأزمة بتفعيل ومنهج لإسترداد العمل و خطة لاستمرارية العمل وسط إجراءات الحصر لمسببات الأزمة.
الدكتور كريستنسن في أطروحة درس أزمة شركة بوش ولومب المتخصصة في منتجات طب العيون و التي تأسست عام 1853 في كندا. الشركة حسب التقارير الصحفية تعرضت لأزمة عام 2006 لاتهامها بإنتاج عدسات لاصقة كانت سبب في وباء فيروسي يسبب مرض القرنية الوذمة. الشركة واجهة 600 دعوة قضائية لإغلاقها على أثر إنتاج عدسات موبؤة. إلا أن الشركة أنكرت إعلاميا هناك علاقة بين منتجها و الوباء لمنع تحول الأزمة لفضيحة عامة تؤدي لغلق الشركة، ثم قامت بسحب المنتج من الأسواق و أعلنت أنها ستقوم بدراسة مصدر الوباء و ستقوم بتسديد تعويضات كبيرة للمتضررين إذا ما أثبتت الدراسات أن هناك علاقة بين الوباء و منتجها. شركة بوش ولومب قامت فعلا بتمويل المنظمات العالمية للقيام بالدراسة. الدراسات كشفت أنه حقا لا علاقة بين المنتج و الوباء و أن مصدره كان فطريات تسمى فيوزاريوم تنبت في الغابات الإستوائية في شرق أسيا و أن انتشار الوباء بدأ من هونج كونج. قامت الشركة بعد ذلك بتدشين سياسة المعالجة للازمة. سياسة المعالجة بدأت بتحول الشركة من شركة مساهمة عامة إلى شركة مساهمة مغلقة، ثم شرعت الشركة بتسوية الدعاوى القضائية. المعالجة أيضا شملت إعادة تصنيع العدسات اللاصقة مع تصنيع عقار وقائي من مرض القرنية الوذمة. سياسة المعالجة نجحت في إعادة الثقة بمنتجات بوش و لومب التي مازالت تعمل رغم مرور 167 سنة على تأسيسها و تحقق حاليا إيرادات تفوق 5 مليار دولار.
إستراتيجية الاحتواء يجب أن تتبعها سياسة معالجة لتخلص من تبعات الأزمة. فإستراتيجية الشركة قبل الأزمة ليست استراتيجيتها لما بعد الأزمة. حياة الأعمال شاهدها على أمثلة من الشركات التي بدأت بإنتاج بضاعة لتنتهي بإنتاج بضاعة في مجال آخر. مثلا، شركة إل جي المعروفة في مجال الإلكترونيات. الشركة تحت شعار الحياة حلوه “لايف جود” بدأت بإنتاج منتجات التعقيم و التنظيف و طرأت عليها أزمات مالية و تسويقية متعددة غيرتها إلى شركة إلكترونيات تدريجيا. مثال أخر، شركة زيروكس بدأت بإنتاج أوراق التصوير و نتيجة أزمة سببها تغير تقنيات آلات التصوير دفعت الشركة لابتكار آلة نسخ المطبوعات لتتصدر الأسواق في هذا المجال. خبير إدارة الأزمات (خوسيه ساريجي) في مؤتمر مستقبل الأمن عام 2012 قدم ورقة بين فيها أن بطاقة القياس المتوازن لإستراتيجية الشركة يجب أن لا تكون ثابتة بل أنها يجب أن تتغير بعد كل أزمة تعصف بالشركة لتستطيع معالجة تداعيات الازمة وتستمر في بقائها. فإن الشركة إذا وقعت في أزمة ستسبب لها خسائر شديدة ستمنعها من الإستمرار حتى بإحتواء الأزمة. فالإستمرار يتطلب تغييرات جوهرية في الإستراتيجية قد تصل لتغيير المنتجات و الأسواق و القيادات.
فالشركة بعد الأزمة عليها أن تنقل إستراتيجيها المالية من التفكير في الربح السريع إلى الإستثمارات في التنمية المستدامة و تحول إستراتيجية التسويق من المنافسة إلى إقتحام أسواق أو قطاعات جديدة. إستراتيجية التشغيل في مرحلة ما بعد الأزمة تتبدل من التركيز على إمتياز الإنتاج إلى إبتكار منتج أو خدمة جديدة تعزز وجود الشركة في الأسواق الجديدة. تنظيميا، الشركة بعد الأزمة عليها تعزيز حوكمتها الإدارية لتكون مهيأة أكثر لتصدي لأزمات أخرى متوقعة أو غير متوقعة.
ثانيا: خطة استمرارية العمل
خطة استمرارية العمل هي تحضيرات متوسطة المدى تعدها وحدة إدارة الأزمات في حوكمة الشركة. الخبير جريج ليفينجستون أصدر كتاب إرشادي لتخطيط إستمرار العمل وقت الأزمات و الكوارث وفقا للمعايير العالمية. التخطيط لاستمرارية العمل يجب أن يكون مرتكز على تقييم المخاطر في الشركة. المخاطر قد تكون تفشي وباء او حرائق أو كارثة طبيعية أو إنغلاق الطرقات أو فقدان التيار الكهربائي أو إعتداء إجرامي أو إضراب العمال. تُقيم المخاطر بحسب مقدار خطورة و إحتمالية هذه الأخطار على الشركة و تُصنف الأخطار إلى 4 درجات بحسب مقدار خطورتها على الشركة. بعد ذلك، التخطيط لاستمرارية العمل يعقد تحليلات لتأثير المخاطر على العمل. تحليل التأثيرات يحسب الفترة الزمنية القصوى المسموح بها لإنقطاع الكلي عن العمل أو الإنقطاع جزئي لبعض أقسام أو وحدات أو أجهزت العمل. هذه الفترة تكون هي الفترة المسموح بها بالإنقطاع بلا تأثير على أداء الشركة. أما إذا تعدتها فيعتبر الوقت الزائد هو وقت إرتباك و إتلاف للنظام العام في الشركة. عملية التخطيط أيضا تحسب أوجز فترة زمنية لقدرة الحالية للشركة على إستئناف العمل المنقطع لكل قسم و وحدة و جهاز في الشركة. كل وحدة عمل ستكون فيها فترة إستئناف العمل أطول من الفترة الزمنية القصوى لانقطاع العمل ستعتبر من الوحدات الحرجة في الشركة و التي يجب أن يتم إعادة عملية نظام العمل فيها. مرحلة الخيارات الاستراتيجية هى المرحلة الثالثة في التخطيط لاستمرارية العمل. الخيارات الإستراتيجية ضد المخاطر هي أربع. أولا، خيار قبول العمل وسط الخطر ذو الإضرار المنخفض. ثانيا، خيار ترحيل مسؤولية العمل في الأخطار النادرة على جهات تأمينية أخرى أما لتأدية العمل أو لكفالة المالية للعمل أو لتعويض الخسائر. ثالثا، خيار الإيقاف للعمل في المخاطر التي لا تؤثر على النظام العام لأداء الشركة أو على سمعة الشركة. رابعا، التغيير لنظام العمل في الوحدات عندما يقع خطر كبير ذو إحتمالية إضرار عالية. التغيير قد يشمل عمال احتياطيون و مباني العمل عن بعد وتقنيات العمل البديلة و طريقة تحصيل المعلومات و موردين الأزمة ، بالاضافة إلى تحديد دور عمل الشركة مع الدفاع المدني في حال كانت الأزمات عامة. تطبيقات الخيارات الإستراتيجية تكون ضمن منهج إسترداد العمل في النكبات الذي سنشرحه في المقطع القادم من هذا المقال.
رئيس معهد استمرارية الأعمال (ستيف ميليش) فاز بجائز أفضل مستشار لتخطيط استمرارية العمل في عام 2018. سبب فوزه بالجائزة يعود بشكل أساسي لتنفيذه نظام استمرارية العمل في شركة سينسبري البريطانية لما كان يعمل فيها كرئيس إدارة استمرارية الأعمال. التقرير السنوي لشركة سينسبري يظهر أن الشركة تمتلك 608 أسواق تجارية و 310 مخازن للأغذية و البضائع بالإضافة إلى مصرف تجاري كبير. الصحفي بيل جودوين نشر مقال عام 2005 في مدونة كمبيوتر ويكلي الإلكترونية يقول أن شركة سينسبري تتعامل مع 2500 مورد للأغذية و البضائع و تملك شبكة معلوماتية متقدمة لإدارة جلب الموارد بدون إنقطاع للمؤونة لجميع الاسواق و المخازن. ميليش صرح في هذا المقال إن شركة سينسبري أسست نظام استمرارية العمل في حالة تفشي أوبئة أو هجوم إرهابي أو فيضان الأنهار أو تعطل الطرقات أو فقدان مصادر الطاقة. سينسبري تملك مركزين لاسترداد العمل تتسع إلى 500 موظف يعملون فيها وقت النكبات و الطوارئ. نظام استمرارية العمل في سينسبري تم إختبار نجاحه في عدة حالات طوارئ مثل الإعتداء الإرهابي في مترو لندن عام 2005. أما أهم الأزمات التي برز فيها نظام استمرارية عمل سينسبري هي أزمة تفشي وباء (القدم و الفم) عام 2001. هذا الوباء تفشي في الانعام و الدواجن بالمملكة المتحدة مما أدى لوفاة 6 مليون بقرة و خروف. الوحدة الحوكمية لإدارة الأزمات في سينسبري أقامت وكالة تمثيلية لأطراف الأزمة من منظمات الشأن العام و موردين اللحوم و الإعلاميين و الخدمات البيطرية بالإضافة لمدراء الأسواق والمخازن في سينسبري. الوحد فعلت نظام استمرارية العمل مع الوكالة التمثيلية لاستقراء المعلومات عن مناطق انتشار الوباء و توفر اللحوم . كانت الوكالة التمثيلية تجتمع يوميا اجتماعين (صباحي و مسائي) و تقوم بالتحديثات المطلوبة. كانت الإتصالات بين مدراء الأسواق و المخازن مع 2500 مورد للحوم قائمة في التبليغ عن مواقع نقص اللحوم و مواقع توريد اللحوم مما ساهم في إدارة منظمة في معادلة توفر اللحوم بين المخازن و معدل نقل اللحوم للأسواق بحجم الإحتياج للمنطقة التي يغطيها كل سوق تجاري. رغم أن الوباء أستمر 9 أشهر , إلا أن سينسبري نجحت باستمرارية بيع اللحوم في الأسواق و عدم تأثر حاجة الزبائن اليومية للحوم الطازجة.
ثالثا: منهج إسترداد العمل في النكبات
منهج إسترداد العمل في النكبات هي تحضيرات قصيرة المدى و التي يتم تنفيذها وقت النكبة لكن المنهج يخضع لصيانة و أختبارات دورية لتأكد من جاهزيته. منهج إسترداد العمل يركز على أربع تطبيقات. أولا، حصد المعلومات وقت النكبة. الأعمال الحالية أغلبها تعتمد على قواعد بيانات حاسوبية على شبكة المعلومات الإلكترونية. الحواسيب وشبكة المعلومات معرضة للإنقطاع و على الشركة وضع خطة عمل للمحافظة على جمع المعلومات بشريا أثناء الإنقطاع. الخطة يجب أن تحدد الوقت الأقصى لاسترداد الشبكة وتحديث قواعد البيانات. ثانيا، العمل من بعد. بعض النكبات مثل الحرائق أو الإنفجارات أو الأوبئة أو الكوارث الطبيعية قد تفرض العمل عن بعد في ما يخص إدارة نظم المعلومات في الشركة. الشركة يجب أن يكون لها عدد من مراكز إسترداد عمل في مواقع مختلفة عن موقع العمل الأصلي. مركز إسترداد العمل يجب أن يكون مجهز بشبكة إلكترونية و قواعد بيانات رديفة . الشبكة الرديفة يجب أن تعمل وفق خطة تحديث زمنية تسمى بنقطة الإنتعاش و يُقصد بها فترات التحديث للقواعد البيانات الرديفة من القواعد البيانات الأصلية. فترة التحديث يحددها مقدار حساسية المعلومات فقد يكون التحديث متزامن و قد يكون تحديث يومي أو أسبوعي أو شهري أو سنوي. بعض مراكز الإسترداد تكون مجهزة كمواقع بديلة لخدمات الزبائن و بعضها يكون أكثر تعقيدا و يحتوي على خط إنتاج إحتياطي. ثالثا، العمل تحت نظام خاص. إشتداد الأزمة ممكن يحتم العمل قرب قذائف الصواريخ أو وسط أنتشار الوباء أو أثناء هبوب عاصفة.
العمل بنظام خاص سيحتم العمل بارتداء ملابس السلامة الخاصة الواقية من مسبب الأزمة. النظام الخاص قد يخضع لإجرائات داخلية صارمة وإجراءات وطنية حازمة بالتعاون مع الدفاع المدني و الجيش الوطني. رابعا، العمل بالقوة البشرية المحضة. قد يشتد وطيس بعض الأزمات بفقدان مصادر الطاقة و تعطل الأجهزة تلقائية العمل وتضطر الشركة لإستخدام قوة البشر في تدوير الآلات اليدوية و إستمرار الإنتاج يدويا. هذه التطبيق هو أعقد الحالات في الأزمة و تحتاج تحضيرات بإعداد كوادر إحتياطية و كوادر تطوعية لاستمرار الأعمال الضرورية للإحتياج البشري. خبيرة تقنيات المعلومات (مارجريت روس) ذكرت في مدونة ” ريسيرتش ديساستر ريكفري” الإلكترونية أن تطبيقات إسترداد الأعمال ليست رخيصة بل مكلفة. لذلك منهج تطبيقات إسترداد الأعمال يجب أن يرتكز على خطة لإستمرارية الأعمال في الشركة حيث سينبثق منها دراسة دقيقة للمخاطر و لأثرها على إنقطاع العمل و تتحدد بها تطبيقات الاسترداد الضرورية و كلفتها.
البرفسورة الهندية في التجارة الإجتماعية ( الدكتورة سيسيريكا) قامت ببحث في عام 2013 منشور في مدونة ريسيرش جيت الإلكترونية. البحث يحلل متطلبات خطة إسترارد العمل في مصنع انتجرال كوتش الهندي و المتخصص في تصنيع قاطرات متنوعة. البحث توصل أن تصميم نظام إسترداد العمل يكلف 60 ألف دولار إلا أن غيابه كلف الشركة أضعاف مضاعفة من هذا المبلغ. الشركة تعرضت في تاريخها إلى التوقف الكلي في 29 مرة: 9 مرات بسبب إنفجارات كهربائية و 8 مرات بسبب حرائق في المصنع و 5 مرات بسبب الأعاصير و 3 مرات بسبب الهزات الأرضية و 4 مرات بسبب سرقة المعدات. الدكتورة سيسيريكا تقول أن مصنع انتجرال كوتش هو مجرد نموذج يشابه ألاف الشركات في المنطقة و التي تعمل بدون منهج إسترداد للعمل في النكبات مما يعرض الإقتصاد الوطني للتأرجح مع كل كارثة طبيعية أو قلاقل إجتماعية. الدكتورة سيسيريكا تضيف أن من الضروري جدا أن يكون لكل شركة منهج إسترداد العمل في النكبات لنضمن استمرار الأعمال رغم الأزمات المتعددة. منهج إسترداد العمل يجب أن يرتكز على ثلاث تذابير. اولا، تدبير وقائي يحفظ الشركات من وقوع السرقات و الإنفجارات الكهربائية. ثانيا، تذبير كشفي يُنبأ باقتراب حدوث الزلازل و الأعاصير و الحراق و عطب الآلات. ثالثا، تدبير تصحيحي يقوم بإرجاع النظام للعمل مثل خازن المعلومات الرديف و مولد الكهرباء الاحتياطي و خط إنتاج يدوي بديل.
رابعا: خطة التعاقب الوظيفي
خطة التعاقب الوظيفي هي تحضيرات بعيدة المدى لضمان استمرارية العمل وقت الأزمات. الصحفية دوري ميانيرت نشرت عام 2018 لقاء صحفي في مدونة إتش أر إم الإلكترونية لرؤساء تنفيذين لدور إستشارية مثل إمي روبينسون و كيلي رينز. هؤلاء الخبراء يؤكدون أن خطة التعاقب الوظيفي كانت وسيلة فعالة في ضمان استمرارية العمل في شركات كبيرة عديدة و لولا خطة التعاقب لقررت تلك الشركات الأغلاق بسبب بعض النكبات أو الأزمات الخطيرة التي واجهتها. ميندي برايس نشر عرض عام لمنهج خطة التعاقب في مؤسسة ميلووكي الكبير. برايس بين أن أفضل تخطيط للتعاقب الذي يضمن استمرارية العمل وقت الأزمات أن يتكون من ثلاث أصناف. الصنف الأول هي خطة التعاقب القيادي ، و الصنف الثاني هي خطة التعاقب التنفيذي, و الصنف الثالث هي خطة التعاقب الطاريء.
خطة التعاقب في جميع الأصناف مبدأها هو تقسيم المرشحين للمنصب إلى 3 فئات. الفئة الأولى هم الكوادر الذي تم تأهيلهم للمنصب و تلقى كلا منهم التدريبات واجتاز الاختبارات و أكتسب المهارات و أمتلك خبرة ملائمة لتولي المنصب. الفئة الثانية هم المرشحين للمنصب على المدى المتوسط و يكون هناك برنامج تطويري و تدريبي لهم على مدى 3 إلى 5 سنوات و لا ينتقل المرشح من الفئة الثانية إلى الفئة الأولى إلا بعد إكماله لجميع متطلبات البرنامج التطويري. الفئة الثالثة هم المستجدين التي ترغب الشركة بإعدادهم للمنصب على المدى الطويل و يكون هناك برنامج تمهيدي لهم على مدى 5 إلى 10 سنوات يكتسب فيه مهارات مهنية و مهارات إدارية و مهارات فردية. تطور المهارات للفئة الثالثة هو الذي يحدد قرار انتقالهم إلى الفئة الثانية.
خطة التعاقب القيادي تهتم بتطوير قيادات الشركات و الإدارات و الأزمات. الدكتور توماس كريستنسن في أطروحته يقول أن قيادات الأزمات يجب أن تكون فيهم 5 صفات هي القدوة الحسنة و الكفاءة الإدارية و الشجاعة بالمواقف و الحسم الحكيم و الشخصية الرزينة. سلوك قيادة الأزمات يرتكز على ثلاث أمور. أولا، تنوير العاملين برؤية واضحة للأزمة و المخرج منها. ثانيا، قائد الأزمة يمتلك إتصالات إستراتيجية محوكمة مع الشخصيات الموثوق بها في نقل المعلومات و التقارير الدقيقة و حسن التعامل في تناقلها و نشرها. ثالثا، قائد الأزمة يمارس رعاية إدارية خاصة بعاملين بالازمة في حسن التعامل و التحفيز و صنع القرارات و وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. الجدير بالذكر، رئيس التنفيذي في الشركة ليس بالضرورة أن يكون قائد الأزمة. قائد الأزمة قد يكون أحد المدراء التنفيذين أو رؤوساء الأقسام في الشركة. الذي يحدد قائد الأزمة هو نوع الأزمة و متطلبات حلها و نوعية سلوك وصفات المرشح لقيادتها. إذا ما تغافلت شركة ما في تطوير و إعداد قائد لأزمة ما فإن عليها اللجوء لتوظيف قائد وقت نشوب الأزمة وفقا لخبرته و سلوكه و صفاته. إلا أن هذا الخيار خيار صعب و مكلف و غير مضمون النتائج. الحل الأنجع هو إعداد خطة تعاقب قيادي.
خطة التعاقب التنفيذي تهتم بتطوير مرشحين لكل وظيفة في الهيكل التنظيمي لشركة و يكون الترشيح وفق نظام الفئات الثلاث الذي تم شرحه مسبقا. خطة التعاقب التنفيذي تكون من أجل الوقاية من النكبات المتعلقة بإستقالة أو وفاة أو تقاعد موظفين أو خبراء أساسيين في الشركة. التقارير تشهد أن خطة التعاقب التنفيذي هو أحد أسرار قوة و نمو شركات عالمية مثل مايكروسوفت و جنرال إلكتريك و هانيويل و بيبيسي و إي بي أم. أما خطة التعاقب المطلوبة وقت نشوب الأزمة فهي خطة التعاقب الطاريء. عرض برايس يوحي أن الشركة قد تتعرض لفقدان أعداد كبيرة من الموظفين وقت الأزمة بسبب إضراب جماعي أو إنتشار مرض أو غلق الطرقات. الشركة في خطة التعاقب الطاريء تقوم بإعداد جيش من المتطوعين من الموظفين المتقاعدين و طلاب الجامعات. الشركة تقوم أيضا بتعاقد مع شركات الإستقطاب لتأمين موظفين مؤقتين وقت الحالات الطارئة. خطة التعاقب الطاريء يكون فيها إتفاقيات مع الدفاع المدني و الجيش الوطني في تحديد دور هذه الجهات في العمل مع الشركة وقت نشوب الأزمات الوطنية الكبيرة مثل الحروب و الكوارث الطبيعية. الخطة التعاقب الطاريء ايضا توفر برامج تدريبية و تأهيلية وفقا للفئات الثلاث في الخطة حتى وإن كانوا لا ينتمون كليا للشركة.
الخاتمة
الأزمات هي جزء لا يتجزأ من حياة البشرية، و عمل الإنسان هو ركيزة أساسية لتأمين مصدر رزقه. لذلك يجب أن لا تكون الأزمة مهما أختلف نوعها و أشتد وطيسها سبب لانقطاع العمل والإنتاج. الشركات يجب أن يكون فيها وحدة إدارة أزمات تعمل بشكل دائم ضمن حوكمة الشركة لأنها الضمانة الأولى لاستمرارية العمل أثناء النكبات والأزمات. الشركات يجب أن يطبقوا المناهج المعيارية الدولية مثل أيسو 22301 لتطبيق منهج و خطة استمرارية الأعمال بمعياره الدولي. و هذه هي أول خطوة لنضمن بها إستمرارية أعمال الشركات و المؤسسات في النكبات و حتى لو كانت وسط تفشي الأوبئة أو وطيس الحروب أو خطر الكوارث الطبيعية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال