الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تحتاج المنظمات إلى الإستراتيجيات لترسم لها طريق الوصول للأهداف، كما أنه في ظل تسارع التغيرات وندرة الموارد، وزيادة المنافسة على الوفورات،حتى الدول والحكومات تسعى لوضع الإستراتيجيات التي تحقق لها توظيف السلطة وتسخير المعارف والعلوم لتحقيق الصالح العام، حيث تعكس إستراتيجات الدول استثمار الحكومة للموارد العامة والإمكانات على نحو منظم لتحقيق أهداف طموحة لتحسين حياة المجتمع ككل. يساهم ذلك في تشكيل الهيئات والمؤسسات والقوانين والخدمات والسفارات والجيوش، حيث توجه الجهود نحو هدف واضح ومحدد يحقق المنفعة العامة. وبالطبع تتفاوت الدول في تنفيذ إستراتيجياتها، منها مثلاً ألمانيا التي اتبعت استراتيجية جعلت منها دولة صناعية قوية، وسنغافورة التي أصبحت قوة إقتصادية رائدة، والصين التي تجاوزت كل الأرقام القياسية في النمو الاقتصادي خلال الأعوام الماضية، والدنمارك التي أصبحت تحتل مركزاً عالمياً مرموقاً في الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات التوظيف والخدمات الإجتماعية والبيئية بعد أن اتبعت استراتيجية رسمت الطريق. اكتشفت هذه الدول أن التكنولوجيا وحدها لا تقدم حلولاً ولا تحقق أهداف كل الاسترايتجيات، وأن تفادي الفشل يحتاج إلى وزنية محددة لبوصلة إعداد الإستراتيجية وأيضاً تنفيذها، سأتحدث في هذا المقال عن مفاصل الإستراتيجة التي تحقق تلك الوزنية وتساهم في توجيه تنفيذها نحو الهدف.
غياب هذه البوصلة ينتج عنه “سوء الفهم” أي عدم القدرة على التفكير بعقول الآخرين وخصوصاً الخصوم، وعدم فهم تأثير السياسات الحالية وبالتالي عدم الإحتياط لردود فعل الغاضبين أو المتضررين من السياسات لتبنيه ومعالجته في سبيل تحقيق الصالح العام. ينتج عن غياب البوصلة أيضا “قوائم الأماني المفرطة” التي تضع أهدافاً لا يتماشى الوصول إليها مع واقع أصحاب المصلحة وقدراتهم، ويفترض بقاء الظروف المحيطة على نفس النسق، فلا يُخضع الإستراتيجية لسيناريوهات مختلفة سيئة وجيدة ويختبر طرق الوصول ضمن ظروف متقلبة وغير متوقعة. وجود بوصلة موزونة للإستراتيجية يبين التنافر، ويحدد المشروع أو السياسة التي نشزت عن الطرق وخالفت الإتجاه السليم ، ويصنع قرار إيقاف امدادها بالموارد أو توجيه الجهود.
في حال اتفقنا أن الدور الرئيس للإستراتيجية هو تحديد الأولويات، ورسم طريق الوصول للأهداف، وإسناد المهمات والتكاليف للمتخصصين (مسؤوليات وصلاحيات) وتحديد خطوات التنفيذ من خلال خطط زمنية واضحة، فإن وجود البوصلة الموزونة يحقق للإستراتيجية “تحديد سليم للمراحل الوسيطة” فلا مراحل إضافية ولا القفز من مرحلة بدون المرور بسابقة أساسية. وجود البوصلة يوضح المسؤوليات ويوصفها بطريقة تقلل هوامش المراوغة والمماطلة. يحدد أيضاً على ماذا ستفرض العقوبات وعلى ماذا ستمنح المكافآت في كل حلقة من حلقات سلسلة المراحل المتتالية، وجود البوصلة الموزونة أيضاً يقوّم عملية المراقبة والمتابعة لضبط السير في خط زمني متواصل يتوافق مع كل مرحلة ويحدد المتأخرين من المتقدمين والمتوافقين مع الخطط التنفيذية الموضوعة.
واذا علمنا أن وزنية أي بوصلة تعتمد على ثلاث أجزاء أساسية في تكوينها هي : القاعدة المغناطيسية والإبرة والاتجاهات التي تتحرك الإبرة نحوها. فإن وزنية بوصلة الإستراتيجية تعمد على ثلاث مفاصل أساسية في صناعتها هي : التواصل السليم والذي يشكل القاعدة المغناطيسية، والسياسات التي تصنعها الإستراتيجية وتشكل الإبرة في البوصلة، وأخيراً دائرة المعارف والخبرات المحيطة والتي تعكس الاتجاهات الموضوعة والمبينة لإتجاه الإبرة. توضع الاتجاهات وفق حصيلة معارف عالية وخبرات متراكمة من المعنيين بالإستراتيجية تتضمن بيانات إحصائية ومعلومات وأراء متمرسين وخبراء وفنيين ومحترفين في مجالاتهم وتجارب سابقة وتجارب موازية وأفضل الممارسات محلياً ودولياً. تم تصنع القاعدة المغناطيسية للبوصلة بشكل صحيح من خلال “التواصل السليم والشامل” والذي يكون ضمن مراحل ما قبل الإستراتيجية وأثناء تصميمها وخلال تنفيذها وأيضاً بعد الحصول على النتائج وتقييمها، كما أن الوزنية السليمة للتواصل يجب ان تغطي كافة أصحاب العلاقة من خبراء ومحايدين و عموم ومنفذين ومستفيدين. وأخيراً تكون إبرة البوصلة هي السياسات التي تُصنع والتي توجه سير الجهود نحو الأهداف وهنا لابد أن تراعي كل سياسة تأثيرات التوجه الحالية والمتوقعة، وتعمل على وكز nudge المتأثرين نحو السلوك المطلوب، قد يكون ذلك من خلال تصميم مكافآت مجزية أو فرض عقوبات أو من خلال دراسة إجراءات التطبيق بحيث تؤثر على السلوك وتوجهه نحو الهدف.
خلاصة القول، المعرفة الشاملة والتواصل السليم والسياسة المتوافقة هي مفاصل أي إستراتيجية والتي تحكم جودة كل مفصل منها وزنية بوصلة هذه الإستراتيجة وتوجهها نحو اتجاهات الوصول الصحيح، وتنبه صانعي القرارات أن الموارد والجهود قد اتجهت في اتجاه مختلف وأنه لابد من تقويمها، أو أنها فعلا نحو الاهداف ولابد من التركيز عليها. لذا نقول أن بوصلة بدون خطة وصول يساوي تماماً خطة وصول ببوصلة غير موزونة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال