الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يتمُّ تأسيس الشركات على أساس مفهوم المشاركة في اقتسام الربح والخسارة، وحيث إنَّ المخاطرة تدخل ضمن مفهوم عمل الشركة، فإنَّ مسؤولية الشركاء عن الخسائر تكون -من حيث المبدأ- شاملةً لأموالهم كلها، وليس فقط حصصهم.
هذا النوع من الشركات يُسمَّى “شركات الأشخاص”، حيث يكون الشريك بشخصه وبذمَّته المالية كاملةً مسؤولاً عن خسائر الشركة.
استثناءً من هذا المبدأ، يمكن للشركاء تأسيس شركة ذات مسؤولية محدودة، بحيث تكون موجودات الشركة وحصصهم فيها هي الوحيدة المسؤولة عن خسائرها.
عندها لا يجوز الرجوع على أموال الشركاء الشخصية في هذا النوع من الشركات، فهي من “شركات الأموال” التي تنحصر مسؤولية الشركاء فيها ضمن نطاق ميزانية الشركة ذاتها حصراً.
ونظراً لخطورة وقوع الشركة محدودة المسؤولية في الخسائر، فقد حظر نظام الشركات تأسيس شركة محدودة بغرض القيام بأعمال البنوك أو التمويل أو الادخار أو التأمين أو استثمار الأموال لحساب الغير، وحظر عليها أيضاً إصدار صكوك قابلة للتداول (مادة 153).
كما أنَّ نظام الشركات قد شدَّد من قواعد مسؤولية مدير الشركة المحدودة خوفاً من استخدامها بغرض التحايل على الناس، فلا يحق لأصحاب الحقوق الرجوع على الشركاء في أموالهم الشخصية.
ومن هنا، نصَّ النظام بخصوص مدراء الشركة محدودة المسؤولية:
“يكون المديرون مسؤولين -بالتضامن- عن تعويض الضرر الذي يُصيب الشركة أو الشركاء أو الغير …، وكل شرط يقضي بغير ذلك يعد كأن لم يكنْ”(المادة 165-2).
وهكذا، سيجد الدائنون شخصاً يرجعون عليه في حال لم تكفِ موجودات الشركة بالوفاء بالتزاماتها بعد تصفيتها، ذلك بشرط قيام مدير الشركة محدودة المسؤولية بأحد ما يلي (نفس المادة):
*مخالفة أحكام نظام الشركات، أو
*مخالفة أحكام عقد تأسيس الشركة، أو
*بسبب ما يصدر منه من أخطاء في أداء عمله.
ومن جهة أخرى، في حال وصول خسائر الشركة المحدودة إلى ما قيمته أكثر من نصف رأس مال، ينشأ هنا التزام على مدير الشركة المحدودة، كما يلي:
“إذا بلغت خسائر الشركة ذات المسؤولية المحدودة نصف رأس مالها، وجب على مدير الشركة تسجيل هذه الواقعة في السجل التجاري ودعوة الشركاء للاجتماع خلال مدة لا تزيد على تسعين يوماً من تاريخ علمهم ببلوغ الخسارة هذا المقدار؛ للنظر في استمرار الشركة أو حلها” (المادة 181).
وبالتالي، في حال انتهاك مدير الشركة المحدودة لهذا الالتزام عند خسارة الشركة لما يتجاوز نصف رأس مالها، فإنَّ هذا المدير سيكون مسؤولاً بشكلٍ شخصيٍّ تجاه الشركاء أو الغير عن أية التزامات تقع على الشركة.
وفي قضية واقعية نظرت فيها الدائرة 4 من المحكمة التجارية بمكة المكرمة تحت الرقم 751/1440هـ، حصلت وقائع مشابهة.
حيث كان المدعي في هذه القضية دائناً لشركة محدودة المسؤولية بمبلغ يزيد عن 123 ألف ريال بموجب حكم قضائي، وقد أصدرت محكمة التنفيذ أمراً بوقف أعمال الشركة إلاَّ أن الشركة لم تكنْ موجودة على أرض الواقع في ذلك الوقت، كما تبيَّن أنه لا يوجد للشركة من أموال سوى حساب بنكي فيه قرابة 11 ألف ريال، في حين أنَّ عليها من الديون ما يزيد عن 500 ألف ريال.
فهنا نظرت المحكمة في نسبة رأس مال الشركة الذي كان يبلغ 100 ألف ريال إلى مجموع الديون (500 ألف ريال)، فوجدت أن ديون الشركة قد بلغت حوالي 5 أضعاف رأس مالها.
بناءً عليه، سألت المحكمة المدعي عن رغبته في الادعاء على مدير الشركة وليس الشركاء فقط، فوافق المدعي، وتمَّ الحكم على المدير بدفع مبلغ الدين كاملاً (123 ألف ريال).
ذلك استناداً على أنَّ المدير قد خالف قواعد نظام الشركات عندما ترك ديون الشركة تبلغ 5 أضعاف رأس مالها دون اتَّخاذ الإجراءات المطلوبة لاستمرار الشركة أو حلها.
بالإضافة إلى أنَّ هذا الحكم يُعتبر مُنصِفَاً للدائن، الذي كان حقَّه سيضيع بسبب كون الشركاء غير مسؤولين في أموالهم عن ديون الشركة، فيمكن اعتبار هذا الحكم سابقة للأسباب التالية:
* المبلغ المحكوم به هو “دين” على الشركة وليس “خسارة” لها، والفرق بينهما محاسبيٌّ نظريٌّ صرفٌ، لأنَّه لا يُعتبرُ قيد الدين في حسابات الشركة خسارة حتى يصدر تقرير المحاسب القانوني بهذا الشأن، فقد تستطيع الشركة خلال عملها تعويض الفرق بين الديون والواردات، وبالتالي قد لا يتشكَّل للشركة أية خسائر من الناحية النظرية.
* بناءً عليه، فإنَّ المدير يمكن أن يُسأل إذا بلغت خسائر الشركة أكثر من نصف رأسمالها ثم امتنع عن تبليغ الشركاء، أمَّا وفق الوقائع المذكورة في القضية فإنَّ الشركة لم تصدر أية بيانات محاسبية ولم يتم تصفيتها بشكل رسمي.
* وطالما أنَّه لا يوجد أية إشارة إلى بيانات محاسبية رسمية تقر بوقوع الخسائر وإنما ديون، فإنَّ اعتبار مدير الشركة مخالفاً لنظام الشركات جاء مبكراً لأوانه، ولذلك يُعتبر هذا الحكم سابقة قضائية.
على أية حال، فإنَّ حيثيات الواقع بالنسبة لهذه القضية من بلوغ الخسائر مبلغ 5 أضعاف رأس المال، وعدم وجود الشركة في وقت المطالبات، كل هذه الحيثيات الواقعية الخطيرة دفعت المحكمة إلى عدم انتظار صدور بيانات مالية من الشركة أو تصفيتها بشكل رسمي للتأكُّد من الخسارة بشكلٍ محاسبيٍّ نظريٍّ.
لذلك، فقد أصدرت المحكمة التجارية في مكة المكرمة سابقة قضائية يمكن تبريرها بالإسراع في مساءلة مدير الشركة المحدودة خوفاً على حقوق المتعاملين معها من الضياع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال