الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مع انتخاب بايدن حديثا لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية سيتعاظم الحديث عن إنفاذ سياسات التغير المناخي والوصول الى الحياد الكربوني بحلول عام 2050. حتى ما قبل الانتخابات الامريكية، أعلنت كثير من الشركات الكبرى متعددة الجنسيات كشركة جوجل ومايكروسوفت وبعض المدن المبادرة كفانكوفر الكندية وبعض الدول كدول الاتحاد الأوروبي واليابان والصين عن نيتها للوصول للحياد الكربوني كجهد ذاتي، باتخاذ جملة من السياسات والإجراءات المنفردة.
يعزز هذا التوجه مفهوما متطورا لمواجهة التغير المناخي من الاسهام الشعبي والاجتماعي من خلال ما يستطيعه الفرد والمؤسسة والمدينة والدولة للوصول اليه من خلال إسهامات جزئية، حيث يطمح الساعون اليها الى حفز الآخرين بالمثل لتبني ممارسات مماثلة والوصول بالمجموع الكلي الى الحياد الكربوني مع منتصف هذا القرن. لذلك، فأنه من المتوقع أن يصبح التوجه الاجتماعي نحو تبني الحياد الكربوني اداة أكثر فاعلية وملازمة لسياسات التغير المناخي. فهل سيؤدي هذا النهج المتجدد الى توجيه سياسات تحول الطاقة وبالتالي التأثير على مستقبل الطلب على النفط؟
مع صعوبة اتخاد قرارات جمعية عند تقلص الربح المادي عند تطبيق الافراد والمؤسسات نماذج اعمال مستدامة، تتخذ بعض الحكومات والمؤسسات الاجتماعية الناشطة منحى التحفيز والتأثير الاجتماعي. ففي قضية إدخال الحياد الكربوني في نموذج الأعمال، تتقلص الأرباح حتما مع زيادة تكلفة نماذج الأعمال ذات الانبعاثات المنخفضة. ففي هذا الإطار، يبرز مفهوم الحياد الكربوني كتوجه نحو المسؤولية الاجتماعية. فالعامل الحاسم لإمكانية انتشار تطبيق الحياد الكربوني هو القبول الاجتماعي للضغط على المؤسسات والمدن والحكومات ومسؤولية الفرد نحو المجتمع.
يستخدم مصطلح الحياد الكربوني لتقييم قدرة الفرد أو المؤسسة أو المدينة أو الدولة على أن يكون حصيلة انبعاث الغازات الدفيئة مساو لقدرتهم على امتصاص الغازات من خلال المغاطس الطبيعة المستحدثة أو التكنولوجيات التي تلتقط وتحتجز أو تستغل الغازات في تطبيقات لا تؤدي الى إطلاقها مجددا. لا تكمن المشكلة في تعريف الحياد الكربوني ولكنها تظهر في رسم السياسات التي تحدد معدل تطبيقه وشموله وعمقه. يتلازم مفهوم الحياد الكربوني مع مفهوم مؤشر البصمة الكربونية.
فقياس جملة انبعاثات الغازات الدفيئة الداخلة في سلاسل التوريد لاستهلاك منتج ما، أو أداء خدمة معينة سوف يشمل كيفية استهلاك النفط في هذه السلاسل من عملية الإنتاج الى المواصلات وحتى التخلص منها كنفايات.
يتم تشكيل وتمكين وتقييد تحول الطاقة من خلال التحول الاستراتيجي نحو منظومات الطاقة كمنظومة الطاقة الخضراء حتى مع اختلاف أنظمة الطاقة الوطنية، واعتمادها المتباين على الموارد الطبيعية، أو على خيارات سياسة الطاقة القائمة، أو التقاليد التنظيمية. حيث سيفضي تحول الطاقة حتما الى اشتداد المنافسة على الحصة السوقية بين منظومة الوقود الهيدروكربوني الحالية ومنظومة الوقود الأخضر المتمثلة في تكنولوجيات طاقة الرياح والألواح الشمسية والبطارية الكهربائية وفي المستقبل مع الهيدروجين الأخضر.
لتضافر الجهود للوصول للحياد الكربوني والتحول السريع للطاقة منخفضة الانبعاثات آثار عميقة على الطلب المستقبلي على النفط. فمع سعي العالم لتحقيق الحياد الكربوني بما يتماشى مع اتفاقية باريس للتغير المناخي، من المتوقع أن يتقلص الطلب العالمي على النفط بشكل تدريجي، حيث ستوجه جهود الحياد الكربوني مسار تحول الطاقة مع مرور الوقت. حيث ستسعى المجموعات المتبنية للحياد الكربوني الى تقليل استهلاكها للنفط تدريجيا، والاستعاضة عنه بجملة سياسات ككهربة قطاع النقل، والتنقل الجماعي، والتنقل المشترك، والامتلاك الجمعي لوسائل النقل، وبالتالي التخلي تدريجيا عن امتلاك الافراد للسيارات لتمهيد الطريق لقطاع نقل ذو حياد كربوني.
ستكون هناك منافسة متزايدة بين موردي النفط الحاليين لتأمين حصتهم من الإمداد المتبقي، ولمنع أصولهم من أن تصبح عالقة وغير مجدية للاستخراج في المستقبل والذي سيؤدي إلى المنافسة السعرية بين المنتجين وانخفاض أسعار النفط الخام. من جهة أخرى، سينعكس ذلك سلبا على الاستكشافات الجديدة للنفط، وتطوير تكنولوجيات الاستخراج، وكذلك التوسع في الاستثمار في المكامن ذات الجدوى الحدية. سيؤثر اتجاه ما بعد الذروة على مصدري النفط بدرجات متفاوتة، من حيث انخفاض الحصص السوقية وانخفاض الأسعار، حيث سيتنافسون على أسواق تتقلص مع مرور الوقت. في المحصلة، تهديد الحياد الكربوني سيؤسس ضغطا سعريا سلبيا في اسواق النفط. قد يتحدى سعر النفط الأرخص تكلفة منظومة الطاقة الخضراء على المدى القصير، لكنه سيكون دافعا لمواصلة تخفيض تكاليفها وشيوعها على المدى البعيد.
على المديين القريب والمتوسط، لا بد من تقليل بصمة الكربون في نواحي الاقتصاد المختلفة كزيادة كفاءة محركات الاحتراق الداخلي، وتبني الاقتصاد الدائري للكربون بشكل تدريجي من خلال تكنولوجيات التقاط الكربون وحجزه أو استغلاله في معامل التكرير والبتروكيماويات. على المدى البعيد، لا بد من ربط مستقبل الطلب على النفط بالاقتصاد الدائري للكربون بشكل تام والذي يعد بتقليل البصمة الكربونية بتدوير غاز ثاني أكسيد الكربون في الاقتصاد، من خلال الابتكار التكنولوجي. ومن ذلك توأمة حجز الكربون واستغلاله مع اقتصاد الهيدروجين. سيكون للنجاح أو الفشل في تحقيق هذه التكنولوجيات تأثير عميق على الطلب على النفط.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال