الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل عدة سنوات وفي مقاعد الجامعة قال لنا استاذ الاقتصاد ان التحول غالبا في الدورات الاقتصادية سببه الرئيس الحروب وان اي انتعاش اقتصادي يأتي بعد حرب معللاً ذلك بالأزمات الاقتصادية التاريخية التي ضربت العالم سابقاً بمعنى ان درجة الاستجابة المطلوبة للتغيير الى الانتعاش تأتي في ظل الأزمات الناجمة عن أي كارثة هذا حسب رأيه لكن اعتقد ان قياس المتغير بحالات التاريخ العسكري ليس من الضرورة ان تكون واقعا ثابتا في التحليل الاقتصادي فقد شهدنا اليوم حالات ولادة عديدة للنمو والانتعاش لأسباب لا علاقة لها بالحروب كالتوسع الإنتاجي والصناعي وتطور التقنية والتخطيط الاقتصادي الاستراتيجي وغيرها من الثوابت الاقتصادية.
اخفق الاقتصاديون حتى قبل ازمة كورونا من التأسيس للازمات الاقتصادية الناجمة عن تفشي الاوبئة بفكر وادوات اقتصادية مختلفة، ربما ان هذا الاخفاق لعلمهم انه لا يوجد ازمات اقتصادية عالمية سببتها الامراض فيما مضى!، كان اليقين لديهم ان الانسان استطاع التغلب على الامراض بالعلوم الطبية الحديثة ولم يدر بخلدهم ان العالم اصبح قرية واحدة وان تفشي الامراض سيكون اسرع عن ذي قبل عطفاً على صدمة كورونا التي كانت بمثابتة الاختبار الحقيقي للنظام الاقتصادي الرأسمالي، من هنا وحتى هذه اللحظة بقي الاقتصاد العالمي رهين ازمة كورونا في سابقة تاريخية، هذا الدرس الكبير سيضع المفكرين الاقتصاديين امام مسؤولية علمية كبيرة بالتأسيس لفكر اقتصادي جديد اجزم ان مخرجاته ستؤهل صاحبه حتماً لجائزة نوبل في قادم الايام.
حتى قبل ازمة كورونا لم يخطر في بال اي اقتصادي ان يتحرك الخط المستقيم للازمات الاقتصادية على نحو مختلف عن التوقعات في المتغيرات الناتجة عن سياق التاريخ الاقتصادي فيما مضى بيد ان عالمنا الاقتصادي اليوم بات ارضا خصبة لأي توقع اقتصادي مأزوم وفي اي وقت وفي اي مكان شمولياً وليس جزئياً! هنا يأتي دور الاستجابة المتوقعة التي تُخرج اي اقتصاد من مغبة الانزلاق الصادم.
في أربعة أجزاء سأحاول تسليط الضوء على اكبر الازمات الاقتصادية تعقيدا حيث تُشكل الازمات الاقتصادية العالمية منعطفا مهما في الفكر الاقتصادي وكذلك في حياتنا الاقتصادية، هي في الواقع بمثابة دروس نتعلم منها تفاصيل التشخيص الدقيقة ثم الأداة العلاجية المناسبة لتلاشي النتائج الآنية والمستقبلية، بدأت قصص الازمات الاقتصادية منذ الازل وكان نتاجها التاريخي آنذاك غير موثق ومحدود جغرافياً لكن المؤكد انها حدثت بشكل او بآخر أبان الحروب والهجرة والاوبئة وهذه ابرز الازمات الاقتصادية الحديثة:
اولاً .. أزمة الائتمان 1772:
بداية القصة .. بدأت هذه الأزمة في لندن وانتشرت في ارجاء أوروبا وكانت ذلك نتيجة للتوسع الغير متوازن في التسهيلات الائتمانية السريعة التي قدمتها البنوك البريطانية في يونيو 1772. داخل القصة ..
شاعت اخبار عن هروب شركاء البنوك لعدم قدرتهم على السداد، فانتشرت حالة من الهلع الاقتصادي، اصطفت طوابير الدائنون امام البنوك للقيام بعمليات السحب النقدي، اما الودائع التي سبق ان مُنحت كتسهيلات للمستثمرين والافراد فقد عجزت البنوك عن الوفاء بطلبها، ثم ما لبث الامر ان أعلنت 22 مؤسسة مصرفية إفلاسها ومنها من أوقف عمليات الدفع للعملاء لتعاني إثر ذلك العديد من المؤسسات من ضائقات مالية مما رفع من عدد حالات الإفلاس، حيث بلغ المتوسط في لندن 310 حالة في الفترة بين 1764 إلى 1771، إلا أن الرقم ارتفع إلى 484 حالة في 1772 وإلى حالة 556 في 1773 امتدت الازمة الى الولايات المتحدة الامريكية ونتج عنها تدهور كبير في النموذج الائتماني الرابط بين كل من الدائن والمدين خاصة في الجنوب الأمريكي.
نهاية القصة .. عولجت هذه الازمة عن طريق تحسين أدوات الأوراق المالية ومعالجة القروض المستحقة وطرق سدادها ثم ما لبث الامر ان صدرت وثيقة إنشاء بنك أميركا وتشكيل «لجنة الصندوق الغارق» حيث كلفت بحل الأزمة المالية وأقرت مجموعة من المعايير لإعادة التوازن الطبيعي لسوق الأوراق المالية، ثم عاد تدريجيا الاستقرار المالي. ويرى المؤرخون ان أليكساندرهاميلتون وهو مؤسس النظام المالي في الولايات المتحدة واحد اهم المنظرين الرئيسين للسياسات الاقتصادية في إدارة الرئيس جورج واشنطن وأول وزير للخزينة ومؤسس بنك أمريكا استطاع ان يدير الازمة والذعر بكفاءة عالية بعد إن انتقلت الازمة الى أمريكا نتيجة لتداعيات احتكار تجارة الشاي.
يتبع الأسبوع القادم ..
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال