الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الجنقا لعبة منزلية بسيطة تتكون من مجموعة من “مرابيع” صغيرة خشبية، ترتب على شكل مبنى، ويتنافس اللاعبون على سحب احدى تلك المرابيع من دون أن ينهار المبنى. يتطلب الفوز في هذه اللعبة خفة يد وقدرة على قراءة تأثير سحب المرابيع على القدرة الهيكلية للمبنى. تذكرني هذه اللعبة كثيرا بتحديات سن الأنظمة و اتخاذ القرارات الاقتصادية خلال الوقت الحالي. فقد اختلطت العولمة مع تغيرات اقتصادية وسياسية عنيفة بسبب وباء كورونا، جعلت القدرة على تقييم التأثير الكلي والمستقبلي للأنظمة والقرارات الاقتصادية صعبا للغاية.
استحضرت صعوبة سن الأنظمة واتخاذ القرارات الاقتصادية في عالم مترابط ومتغير لدى مشاهدتي تقريرا منذ بضعه أيام عن صناعة النقل البحري، وخصوصا سوق سفن الكروز السياحية. تحدث هذا التقرير بداية عن أن ميناء في بنجلاديش يعمل في تحويل سفن الكروز السياحي و الناقلات البحرية الى سكراب حديد (عن طريق تقطيعها الى أجزاء صغيرة واعادة صهرها لتتحول الى حديد خام) اصبح لا يستقبل طلبات جديدة لتحويل السفن الى سكراب بسبب الضغط الكبير عليه وتراكم السفن لديه. وهناك سببين لذلك، وتحكمهما ظروف العرض والطلب.
من جهة العرض، فمن المعروف أن من أكثر الأسواق تأثرا بأزمة كورونا هو سوق النقل البحري بشكل عام وسوق سفن الكروز السياحي بشكل خاص. فلن يعود الطلب على النقل البحري والكروز السياحي الى مستويات ما قبل كورونا الا بعد فترة طويلة قد تمتد الى سنوات. فأصبحت الشركات المالكة لهذه السفن امام قرار صعب، انتظار رجوع الطلب وتحمل التكاليف العالية للمحافظة على هذه السفن لحين حدوث ذلك، أو تحويل السفن الى سكراب وبيعها.
هذا القرار اصبح اسهل كثيرا (من حيث المبدأ) بسبب تغير في ظروف الطلب على الحديد الصلب. تكون هذا الطلب نتيجة ما حدث خلال الأشهر الماضية من أن كثيرا من الدول حول العالم اطلقت حزما من الدعم لأسواقها لمواجهة تداعيات ازمة كورونا على اقتصاداتها. تعددت أشكال هذا الدعم، فمن الدول ما قدم سيولة مباشرة للأفراد او المؤسسات، او قدم تسهيلات ائتمانية، أو غيرها من أشكال الدعم.
أما الصين، فقد اتخذت طريقا مختلفا في دعم اقتصادها المحلي، فقد أطلقت عددا كبيرا من مشاريع البنية التحتية لتحفيز قطاع المقاولات لديها (و هو قطاع ضخم للغاية). ونسبة كبيرة من مشاريع البنية التحتية تلك جاءت في قطاع النقل وخصوصا بناء جسور ومعابر، وهي مشاريع تتطلب كميات كبيرة من الحديد الصلب، ومن هنا جاء ارتفاع الطلب على الحديد الصلب، والذي أدى الى ارتفاع أسعاره خلال الفترة الماضية عالميا. مثل هذا التداخل العالمي بين صناعات مختلفة ودول متعددة هو ما يخلق التحدي في سن الأنظمة والقرارات الاقتصادية.
وقد بدء العديد من المشرعين الاقتصاديين ومتخذي القرارات الاقتصادية بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي في بناء نماذج اقتصادية مستقبلية لمساعدتهم في تقليل نسبة الخطأ في انظمتهم وقراراتهم. وقد يكون المزج بين مخرجات هذه النماذج الاقتصادية المستقبلية والكثير من الخبرة والحدس الوسيلة المثلى للوصول الى أنظمة وقرارات اقتصادية تقود الى مستقبل اقتصادي مزدهر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال