الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تحدثنا في المقال السابق عن اقتصاديات الإعلام الجديد ومساحة الحرية التي تمنحها لمستخدميها حول كافة أنحاء العالم، وتطرقنا بالحديث إلى عملية انكماش حجم جمهور وسائل الإعلام نتيجة لتفتته في ظل تنامي المنافذ الإعلامية المتاحة أمامه، وهو ما دعا كثيرًا من المؤسسات الإعلامية إلى الإستعانة بخطة 360 درجة.
فلك أن تعلم -قارئي العزيز- أن خطة 360 درجة في منظومة الإعلام الجديد تتمثل- من وجهة نظري التي اتفقق فيها مع كثير من الباحثين والخبراء- في مفهوم الدولة الكاملة، بحيث تقوم المؤسسة الإعلامية على الإنتشار والوجود من خلال كل ما متاح، وما هو ممكن من وسائل وآليات للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور.
فصارت الصحيفة الورقية مثلاً توجد ورقيًا وإلكترونيًا بتحديث دائم على مدار الساعة، وتتصل بقرائها ومتابعيها عبر الشبكات الإجتماعية، وتسعى للإستفادة من الوسائل المتعددة من خلال عرض كثير من التفاصيل بالصورة والفيديو، كما توجد – أيضًا – عن طريق الجوال وما إلى ذلك، وهي إحدى الخطط الناجحة والجادة من الوسائل التقليدية للوصول إلى الجيل الشبكي(جمهور المستخدمين)عبر إدراك خصائصهم وخريطة الإتصال الخاصة بهم والمفضلة لديهم.
ونشير هنا إلى أن الهيمنة على التقنيات التي أضحت تقود العالم إلى أشكال جديدة من التبعية، هي من نصيب الدول الرأسمالية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة بحكم سيطرتها على قطاعات ثلاثة هي: الثقافة والكمبيوتر والإنترنت، من خلال هيمنة الشركات العملاقة والمسيطرة.
وبجانب ذلك ورغم الزخم الذي يكتنف اقتصاديات الإعلام الجديد، فإن هناك من يلاحظ محدودية الربح واقتصاره على عدد قليل من مقدمي المحتوى، فغالبية الناس يترددون في دفع مبالغ إضافية لمحتويات الإنترنت الأخرى، فإذا لم يصبح توفير المحتوى مربحًا، فإن الأمر يتطلب بعض الوقت والمال لجاذبية الجماهير المفتتة على كل النوافذ الإعلامية إلى المواقع والوسائط الإعلامية على شبكة الإنترنت.
وهذا الأمر لم ينفصل عن حدود الحرية في إنتاج المعرفة عبر وسائل الإعلام الجديد؛ فقد برز توجه جديد نحو إنتاج المواد الإعلامية منخفضة التكلفة، مما يعني ارتباط تعظيم الأرباح بالتأثير على جودة المادة الإعلامية؛ نظرًا لارتباط العائد عليها بالعائد الإعلاني الذي يتأثر بدرجة مباشرة بنسبة المشاهدات لتلك المادة الإعلامية.
ومع استمرار تغييب المعرفة التكنولوجية في المجتمعات التابعة لمثيلاتها المسيطرة لم يكن أمامها إلا اللجوء إلى خطة 360 درجة بعد الإنتساب إلي مجتمع المعرفة العالمي من موقع ضعف مؤقت، والانصياع لشروط أقويائه، تلك التي تؤدي بشكلها الراهن إلي خدمة الأقوى في هذا المجال، وبالتالي زيادة أسباب التراجع عنه لمن لا تتوافر لهم أسباب القوة في العالم القديم الجديد – إن جاز هذا التعبيرـــ ، فهو قديم بمنطق الصراع البشري بين هاتين القوتين، وجديد بأسباب القوة وسبل حسم الصراع على اقتناء تكنولوجيا المعرفة ومقومات صناعة الإعلام الجديد.
فإذا أردنا في مجتمعاتنا العربية معرفة راقية في شتي مجالات اقتصاديات الإبداع الإعلامي فالحرية لازمة وباتت مطلب ملح في الفترة الأخيرة، وهي التي تبني عليها أبعاد ومحددات خطة 360 درجة.
إن التنمية الإنسانية والتقدم التكنولوجي في مجتمعاتنا، لن يتحقق إلا من خلال اكتساب المعرفة الإقتصادية للقضاء على سطوة الكبار وسيطرتها على اقتصاديات الإعلام الجديد، ومن ثم فلا غني عن الحرية، لأن المعرفة والخبرة هي المحددات الجوهرية للإنتاجية والتنافسية في منظومة الإعلام الجديد اليوم والغد، ولا سيما في مجتمعاتنا التي باتت لإقتصاديات المعرفة والإعلام الجديد دوراً حاسماً ومتعاظماً، في تشكيل بناها المجتمعية، وأدائها في مجالات الإقتصاد والإعلام.
وبلغة الإقتصاد فإن خطة 360 درجة تعني إقامة مجتمع إعلامي معرفي شامل ومتكامل، تتعدد فيه المؤسسات الإعلامية وتتنوع أنشطتها وخدماتها وممارساتها الإعلامية نشراً وانتاجاً، وتتناغم فيما بينها لتضمن سياقاً مجتمعياً مواتياً لنشاط منظومة الإعلام الحديثة، والتي باتت الحاجة فيها إلى ضوابط تسيطر على تلك المنظومة وتقنن تطوراتها وتفرض وسائل فاعلة للرقابة عليها، وهو ما ضاعف الحاجة للتمسك بأخلاقيات العمل الإعلامي ووضع أمامنا تحديات أخلاقية ومهنية جديدة لاقتصاديات الإعلام الجديد..وهذا ما سنتعرف عليه في المقال القادم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال