الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ظهر تعبير غسيل الاموال في العشرينات من القرن الماضي حينما حاولت بعض العصابات البحث عن غطاء مشروع لعائداتها الاجرامية من التجارة غير المشروعة التي قد تم غسلها كما يتم غسيل الملابس غير النظيفة لتصبح صالحة للاستخدام فان الاموال ذات المصدر الاجرامي تغسل وتصبح نظيفة وصالحة للتداول المالي دون عائق. من هنا اشتق لفظ غسيل الاموال، فهي من الجرائم الاقتصادية التي تحاول اضفاء شرعية قانونية على اموال محرمة لغرض حيازتها او التصرف فيها او الابدال في قيمتها إذا كانت متحصلة من جرائم مثل زراعة وتصنيع النباتات المخدرة او جرائم الاتجار بالسلاح وجرائم الارهاب وغيرها. لذا نجد ان غسيل الاموال من أخطر الجرائم التي تهدد الاقتصاد القومي لأي بلد لما تشكله من تهديد مباشر على اصحاب الاعمال المشروعة، فما هو تأثير غسيل الأموال على الأسواق المالية؟ ام ان هناك فائدة ذات جدوى اقتصادية للدول؟
ان عملية غسيل الأموال اصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على الدول وأصبح ينظر إليها على أنها من المحظورات القانونية والاقتصادية التي يتوجب ملاحقتها ومنعها، خصوصاً في ضوء صعوبة تقدير الكمية الحقيقية للأموال المغسولة، فعلى الرغم من وجود تنسيق متزايد بين أجهزة المكافحة بين دول العالم، إلا أن تلك الأجهزة لا تملك طريقة كاملة عن حركة الأموال المغسولة والذي يعتقد أنها تشكل ارقاماً خيالية وتشكل أكثر من ثلث الناتج القومي لدول العالم(طلال، 2003م، ص 17)، وتعد من أخطر جرائم عصر الاقتصاد الرقمي وتمثل التحدي الحقيقي أمام مؤسسات المال والأعمال، وهي أيضاً امتحان لقدرة القواعد القانونية على تحقيق فعالية مواجهة الأنشطة الإجرامية ومكافحة أنماطها المستجدة، وغسيل الأموال جريمة كغيرها من الجرائم الاقتصادية التي ترتكب من محترفي الجرائم الذين لا تختلف سماتهم مع السمات الإجرامية التي حددتها نظريات علم الإجرام والعقاب التقليدية فهي جريمة لاحقة لأنشطة اجرامية حققت عوائد مالية غير مشروعة، فكان لزاماً اعطائها المشروعية على العائدات غير مشروعة المصدر أو ما يعرف بالأموال القذرة، ليتاح استخدامها بيسر وسهولة ولهذا تعد جريمة غسيل الأموال مخرجاً لمأزق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائم خاصة تلك التي تدر أموالاً باهظة، كتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة والرقيق وأنشطة الفساد المالي ومتحصلات الاختلاسات وغيره(مصطفي، 2004م، ص 78).
ان المال المحول نتيجة عمل غير مشروع يؤثر سلبا على اصحاب الاعمال المشروعة في المجتمع، ولا سيما ان خروج الاموال غير المشروعة بطريق مشروع الى خارج البلاد يؤدي الى حرمانها من الفوائد الايجابية التي يمكن ان يحصل عليها المجتمع، والتي تتمثل في القيمة المضافة الى الدخل القومي، وما يرتبط بذلك من علاج مشاكل البطالة، وتوفير جانب من المعروض السلعي واستقرار في الاسعار المحلية. فعمليات غسل الاموال في واقع الامر مقتطعة من الدخل القومي، ومن مصادر مشروعة ليتم تهريبها بعد ذلك الى خارج البلاد، او غسلها داخل الوطن (احمد، 2000م، ص 153) والذي يعمل على زيادة الفجوة بين الدخل القومي الرسمي والدخل القومي الحقيقي مما يجعل مهمة السلطات المختصة بالتخطيط القومي في وضع خطط وبرامج فعالة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في غاية الصعوبة وخاصة في ظل تضارب البيانات بين الهيئات الحكومية وذلك لوجود ارتباط بين الاقتصاد الخفي وعمليات غسيل الاموال.
تؤدي عمليات غسل الاموال ايضاً الى تدهور قيمة العملة الوطنية، حيث ان ثمة ارتباط وثيق بين عمليات غسل الاموال وتهريب الاموال الى الخارج، وما يستتبع ذلك من زيادة الطلب على العملات الاجنبية، التي يتم تحويل الاموال المهربة اليها بقصد الايداع او الاستثمار، ويفضي ذلك الى نتيجة حتمية هي انخفاض العملة الوطنية مقابل العملات الاجنبية المطلوبة (زهير، 2005م، ص 45).
بالرغم من السوء الذي تجلبها عمليات غسل الاموال للدول الا ان هنالك فريق و اتجاه برز في الاوساط السياسية والتشريعية والاقتصادية في بعض البلدان يدعو الى عدم تجريم عمليات غسل الاموال، وعدم النظر في اصلها الاجرامي، ووجوب التريث في اصدار قانون مكافحة غسل الأموال والسبب هو بدعوى انه بالإمكان الاستفادة من هذه الاموال في تمويل خطط التنمية معللين ذلك بحاجة البلدان لرؤوس الاموال اللازمة للتنمية ، وانه لا ضرر قد يلحق اقتصاد البلاد من غسل الاموال ما دامت الجريمة الاولية ارتكبت في الخارج، وايضا تعارض اجراءات غسل الاموال مع متطلبات التحرير الاقتصادي حيث ان اجراءات المكافحة تضع المزيد من القيود التنظيمية والتشريعية على القطاع المالي وهو ما يتعارض مع الاتجاه العالمي المتزايد نحو تحرير الاقتصاد وتدويل الاسواق، وحرية المعاملات المالية، وازالة كافة العوائق امام حركة راس المال، (اروي، 2002م، ص 70) فالرغم من هذه المزاعم الا ان هنالك خطأ واضح بها فان ما تطلبه من تشريعات ادارية وجنائية و مالية مع التحرير الاقتصادي المنشود، بل ان اجراءات المكافحة شرط لا غنى عنه لفتح الاسواق وتحرير الاقتصاد وفقا لأسس و قواعد سليمة فان اجراءات المكافحة لا تؤثر على حرية المعاملات المالية المشروعة، ولا تقتضي الالغاء التام للثوابت المصرفية، باستثناء بعض الحالات المشتبه فيها و التي تتطلب مواجهتها بحسم، وهذا ليس بالجديد في العمل المصرفي، فقد اجازت القوانين خدش سرية العمل المصرفي في حالة ارتكاب جريمة ما، وثانياً ان اكثر الدول تشددا في مجال غسل الاموال هي دول الاتحاد الاوربي، لم يؤثر ذلك على توجهاتها الاقتصادية المتمثلة في حرية السوق، و تدويل الاقتصاد(اروي، 2002م، ص 71)، بالعكس نجد انه قد اثبتت العديد من الدراسات على وجود علاقة ارتباط بين معدلات الجريمة ومستويات النشاط الاقتصادي، وقرارات تخصيص نفقات الامن العام للحد من تلك الجرائم.
واخيراً نجد ان الاموال المتولدة عن جريمة غسيل الأموال في دولة معينة والتي يجري غسلها في دول اخرى الى حرمان الدول المحول منها من امكانية الاستفادة من هذه الدول في تحريك عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها، وان الاموال غير المشروعة والتي يجري تحويلها بأشكال مختلفة عبر الحدود الدولية بغرض غسلها تؤثر سلباً على اسعار الصرف وتجعلها تتسم بعدم الاستقرار ويضعف من ثقة المتعاملين فيها خاصة وان عصابات الجريمة تسعى لاختراق الاجهزة المصرفية، لذا يجب الاهتمام بالتحديث المستمر لآليات الدولة واجهزتها الامنية من ناحية وهو ما شكل ارهاق لميزانيات بعض الدول وبصفة خاصة تلك التي توصف بالدول النامية، لان هذه الاجراءات تكون على حساب اولويات اخرى تتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وضرورة تفعيل التعاون الدولي فيما يتعلق بمكافحة عمليات غسيل الاموال، خاصة بعد ان اصبحت تلك الجريمة البيضاء ذات طبيعة عالمية ويجب ان يكون التعاون الدولي من خلال تنسيق الجهود والاجراءات والتشريعات التي تحقق لمختلف الدول مزايا تعقب الجريمة والمجرمين.
ولا ننسى ان المملكة العربية السعودية تكافح غسيل الأموال والإرهاب وذلك من خلال عملها الرئيسي مع مجموعة مجلس التعاون وكذلك العضو الدائم في مجموعة العمل المالي FATF وهي هيئة حكومية دولية متعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح محليا ودوليا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال