الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نعلم أن السوق المالي السعودي يلعب دوراً مهماً ورئيسياً في النظام الإقتصادي والمالي في المملكة العربية السعودية، حيثُ إن السوق المالي سوقاً ناشئاً، وهو المكان الأبرز لتوجيه الأموال من وحدات الفائض المالي إلى وحدات العجز المالي، وذلك عن طريق الذين يعرضون رؤوس الأموال والطالبون لرؤوس الأموال والوسطاء الماليون وأيضا المراقبون، السوق المالي السعودي يواجه تحديات من ناحية مستوى الخدمات المقدمة للمتعاملين فيها من وسطاء ومنظمين وشركات ومستثمرين.
هُناك تحديات تواجه الأسواق المالية ككل، ومن ضمنها الأسواق القوية الثلاث وهي الأسواق الأمريكية وأسواق آسيا والباسيفيك والأسواق الأوروبية.
اللاعب الأساسي في الأسواق المالية هم الأفراد بجانب المؤسسات حيثُ إن الميول والتحيزات العاطفية والتفكير يلعب دوراً رئيسياً في إتخاذ القرار لدى المستثمر الفرد، من الممكن تشبيه المستثمرين الأفراد في السوق المالي باللاعبين في لعبة كرة القدم حيث إن اللاعبين هم أساس اللعبة والفيفا تمثل هيئة سوق المال وإتحاد الكورة السعودي يمثل تداول.
من أعقد الأشياء والتي من الصعب فهمها هي التحيزات لدى المستثمرين الأفراد في السوق المالي، حيثُ من الصعب تحديد عوامل معينه لدى جميع المستثمرين عند القيام بالبيع أو الشراء في السوق المالي، لإن إتجاهات وعواطف الأفراد تختلف عن بعضهم البعض. في واقع الأمر إرتفاع سوق الأسهم أو غيره يعتمد على عدة أمور منها: أنماط إتخاذ القرار في سوق الأوراق المالية والعوامل النفسية وعواطف المستثمرين وتجاربهم السابقة، حيثُ هذه القرارات الإستثمارية ليست شرطاً أن تكون صحيحة وقد تكون سلبيه وتنعكس على أدائهم الإستثماري وتؤدي تقلبات وعدم كفاءة السوق المالي. لا ننسى أن السوق المالي السعودي هو سوق ناشئ وهو أحد الأسواق المهمة في المنطقة حيثُ إن المستثمرين يختلفون عن غيرهم من المستثمرين في الأسواق المتقدمة والبورصات من ناحية إختلاف ثقافات وسلوكيات الأفراد من بلد إلى آخر وكذلك الأمور السياسية والدينية والإجتماعية والتي تعكس على إتجاهات وتفضيلات المستثمر.
مدى تأثير هذه العواطف والتحيزات على سلوك المستثمرين الأفراد وهل يؤثر على السوق المالي السعودي؟
علم النفس (دور الإدراك والعاطفة والثقة) وصنع القرار المالي وجهان مكملان لبعضهما البعض، حيث يعتمدان على عدة عوامل لدى المستثمر سواءً هذا المستثمر صغيراً او كبيراً، من هذه العوامل هي درجة ثقافة المستثمر نفسه أي ما هي قدراته على التعامل مع المعلومات المتوفرة وتحليلها ومن ثم أخذ القرار بناء على هذه المعلومات. بطبيعة الحال فإن الثقافة المالية والمهنية لدى الأفراد تختلف عن المؤسسات المالية لإن المستثمرين الكبار(مؤسسات\أفراد) بطبيعة حالهم يكونون مستثمرين محترفين ولديهم إستشاريين محترفين وخبرة وثقافة ماليه أكبر وقدرة أعلى على تحليل وجمع المعلومات وجميع هذه العوامل سوف تساعدهم على إتخاذ قرارات إستثمار أكبر وبالمقابل فإن الأخطاء التي يرتكبونها بطبيعة الحال تكون أكبر مقارنةً بصغار المستثمرين، أيضاً كبار المستثمرين لديهم نضج إستثماري مالي وتخصص وبذلك من الممكن أن تساعدهم على الإستقلالية بالقرار وتحقيق معدلات ربح أعلى في السوق المالي.
السلوك المالي لدى المستثمر الصغير يختلف عن المستثمر الكبير (مؤسسات\أفراد) من ناحية تأثير العواطف حيث تكون معنويات المستثمرين في وقت إتخاذ القرار متغيرة مما يؤدي إلى إنخفاض\ إرتفاع سعر السهم، طبعاً الوضع الراهن في زمن كورونا تكون من حالات الشذوذ والتي لاتحدث كل يوم حيث أن المستثمرين لا يستخدمون القرارات المنطقية والعقلانية.
في السابق كان الإعتماد على المعلومات قليله وشحيحه بخصوص السوق المالي أو الإقتصاد ككل لكن الآن الوضع أختلف كلياً ومع رؤية 2030م حيث من السهولة الوصول إلى المعلومات عن السوق ككل أو أخبار الشركات بالخصوص وبالتفصيل وعملها ومستقبل أعمالها ومشاريعها وأيضاً سهولة الوصول إلى خطط التنمية والإقتصاد بالبلد حيث يدرك المستثمر في السوق المالي السعودي أن هناك خطط ثابته وتطبق فعلياً على أرض الواقع. المعلومات تصنف إلى 3 مجموعات كما صنفها فاما Fama 1970 هي المعلومات التاريخية، والمعلومات الجديدة (الوقت الراهن)، والمعلومات الخاصة حيثُ من السهل الوصول إلى المعلومات التاريخية والجديدة لأي قطاع ولأي شركة في السوق المالي السعودي.
السوق المالي السعودي في نمو وتطور بشكل يجعله مهم وجاذب بالنسبة للمستثمرين المحليين أو الأجانب حيث يسعى إلى مواكبة أي تطور في عالم الأسواق المالية وتحول بإتجاه إقتصاد السوق وأيضاً سعياً للوصول لإندماج مع أكبر الأسواق المالية الدولية حيثُ أنضم لمؤشرات دوليه مثل مؤشر مورقان ستانلي ومؤشر فوتسي راسل FTSE . هذا الإنضمام يدل على مدى تطبيق الشفافية والحوكمة والمراقبة ورفع المستوى القانوني للسوق ورفع مستوى كفاءة السوق والعمل على تقليل التحديات وهذا يساعد المستثمرين بناء قرارات ومحافظ على أساس معلومات صحيحة ومتساوية ومتوفرة للجميع ورفع الثقة لدى المستثمر. السوق المالي السعودي ومن خلال رؤية المملكة 2030م سوف ينمو ويكبر ويتطور ويجعل السوق المالي السعودي من ضمن الأسواق الناشئة الأكثر تقدماً وكذلك ليصل إلى سوق متقدم لان العمل المستمر والرؤية الواضحة تجعل السوق يتقدم من مرحلة إلى أخرى وهذا طبيعي في عالم المال أن تكون سوق مالي ناشئ ومثال على ذلك السوق المالي الياباني كان ناشئاً في الستينات والسبعينات والسوق المالي الأمريكي كان ناشئ للمستثمر البريطاني.
يوجد هُناك نوعان من التحيزات المؤثرة على المستثمرين الأفراد في السوق المالي السعودي وهما التحيزات الإدراكية والتحيزات العاطفية، إذ تتبعت سلوك المستثمرين الأفراد بغض النظر عن الجنس أو العمر وخاصةً السعوديين والمتعاملين بالسوق المالي السعودي سوف تلاحظ أن سلوكهم محاط بالتحيزات العاطفية والإدراكية بشكل متكرر.
التحيزات الإدراكية مثل الوقت، الإدراك، والتوقع، وسهولة التذكر وهذه العوامل تضغط على العقل على إختيار معلومات معينة من بين عدة معلومات لدى المستثمر وتساعده في سرعة إتخاذ القرار، ومثال آخر ومنتشر بين الناس وهي الشائعات حيث تكون مصاغة بطريقة إحترافيه وبلغة بسيطة وسهلة التذكر ومتقبله لدى المستثمر العادي الفرد ومؤثر بشكل فعال ليدركها ويتأثر بها وينحاز لها حيث من الصعب على المستثمر الفرد أن يقوم بفهم وتحليل التقارير والنشرات والمعلومات المالية الصادرة بصفة رسمية ومن جهة رسمية.
التحيزات العاطفية مثل خداع النفس والثقة المبالغ فيها وإعادة ترتيب الموقف الإستثماري وتجنب الخسارة والخوف من المجهول وسلوك القطيع والتقارب السلوكي والتعلم الإجتماعي وإستخدام المعلومات السائدة. المشكلة هُنا أن المستثمرين الأفراد قد يقعون في واحده من هذه التحيزات العاطفية سواءً بقصد أو من غير قصد من المستثمر نفسه ولنستعرض هذه التحيزات العاطفية على السريع ونأخذ فكره مدى تأثيرها على المستثمر والسوق المالي السعودي ككل.
التفاؤل والزيادة في الثقة عاملان مهمان ومرتبطان مع بعضهما البعض حيثُ أن التفاؤل قد يؤدي إلى زيادة الثقة عند المُستثمر ومن ثم يؤدي إلى إتخاذ قراراً مبالغاً فيه أو التحول من نمط الإستثمار إلى المضاربة بمبالغ كبيرة، وهناك فرصه أن يخسر جميع المبالغ التي تم الإستثمار بها. من ضمن التحيزات أيضا هو خداع النفس حيث يعتبر بعض المستثمرين أنهُ الأفضل في السوق من حيثُ التحليل وإختيار وتحليل القرارات الإستثمارية وهذا يؤدي إلى الثقة السلبية التي تؤثر على المستثمر سلباً وكذلك التأثير بطريقة مباشره أو غير مباشره على الآخرين من حوله ومن ضمن الأمثلة ظهور المحللين الفنيين وخاصةً بداية ال2000م وبشكل كثيف وغير متخصص والبعض مدرس فنيه أو مدرس تربية بدنية والظهور بالمواقع والمنتديات و القنوات التلفزيونية والتحليل بأن توقعاتهم صحيحه ودقيقه 100% كثير من الأفراد السعوديين تأثروا من هؤلاء قبل هبوط السوق المالي السعودي ومن منكم لا يتذكر أو لم يعش تلك الفترة بالإمكان الذهاب الى اليوتيوب ومشاهدة بعض أسماء المحللين الفقاعة وأيضا مشاهدة بعض المقاطع عن خسائر وتأثر العوائل والأفراد السعوديين.
ومن ضمن التحيزات هو إعادة ترتيب الموقف الإستثماري حيثُ أن المستثمر بطبيعته يحب الربح والتفاؤل وجني الأرباح مثل التاجر يحب تذكر التجارة الرابحة بتفاصيلها مع أصدقائه مقارنه بالتجارة الخاسرة وهذا يعطيهم ثقة بخبراتهم ليستخدموها بالمستقبل، ومما ينتج عنها الثقة الزائدة. وبذلك المستثمر الفرد يقوم ببيع الأسهم الرابحة ويحتفظ بالأسهم الخاسرة لأن الخسارة تؤدي إلى الشعور بالألم والحسرة والخوف من حدوث خسارة بدرجة أكبر من الربح ولكي يتجنب هذا الشعور يبيع الأسهم التي حققت له مكاسب وعوائد في السابق، ومن الممكن أن تكون أقلُ خطراً مقارنةً بالأسهم المحتفظة عنده بالمحفظة ولديها مخاطر أعلى، يرى السلوكيون أن ألم الخسارة أشدُ من فرح الربح حيثُ أن العالم ريتشارد ثالر Richard Thaler (إقتصادي أمريكي وحائز على جائزة نوبل 2017) قام بعدة تجارب وأظهر أن الناس بحاجة إلى ضعفين إيجابيين للتغلب على سلبي واحد وهذا طبيعي لأن الصورة السلبية لدى الإنسان من الصعب نسيانها ومسحها من الذاكرة ومن التجارب السيئة.
أبرز نقطة في التحيزات العاطفية هي سلوك القطيع. سلوك القطيع مشكله تواجه هيئة سوق المال حيث يسعون إلى تثقيف المستثمرين الأفراد بعدم إتباع الاخرين حيث كثير من المستثمرين الأفراد يتخذون قراراتهم الإستثمارية بناء على قرارات تشابه الآخرين.
لماذا يقوم أكثر المستثمرين ببناء القرارات الإستثمارية ومحافظهم الاستثمارية بناء على قرارات الآخرين؟؟
سوف نكمل عن هذه النقطة بالتحديد في المقال القادم … دمتم بخير
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال