الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يظهر بأن مبادرة مستقبل الاستثمار (دافوس الصحراء) قد عززت من تعميق جذورها في وجدان كبار رجالات السياسة والاقتصاد ورجال الأعمال العالميين، بحكم أنها لم تعد تستشرف المستقبل فقط، بل وبدأ منها رسم خارطة طريق اقتصاد عالمي جديدة بعد ما سببته جائحة (كوفيد – 19) من هزة جذرية.
من الجانب الدولي، اختصر المشاركين العالميين – في نسخة المبادرة الرابعة التي انطلقت من الرياض، يوم الأربعاء ٢٧ يناير الفائت وبمشاركة أكثر من 150 متحدثاً – الموقف العالمي من خلال ابداء حالة تفاؤل بنمو الاقتصاد الكلي مع احتمالية تراجع الأسواق المالية خلال 2021، وتوقع الارتفاع التدريجي في الطلب على النفط، وعلى مستوى الشركات عالميا فمتوقع ارتفاع صفقات الاندماج والاستحواذ المتأثرة بزيادة نشاط الملكية الخاصة.
أما في مجال الاستثمار، فإن المشاركين كانوا متفائلين بالإشارات الدالة على الفرص الكبيرة للاستثمارات المتوافقة مع البيئة والحوكمة العالمية، وأن الباب مفتوح اليوم لاقتناص الفرص الاستثمارية في أوروبا، كما أن متابعة المؤشرات الأساسية لأسواق المال سوف تتراجع، ليتحول الاهتمام أكثر بمسألة تحديد معدلات الفائدة، خاصة في الولايات المتحدة المعتمدة في الأساس على مدى كبح تسارع وانتشار الجائحة، مما سيؤدي إلى انتعاش الاقتصاد بشكل عام.
من الجانب السعودي، وبالرغم من كثرة المتحدثين والمواضيع، إلا أن الصناعة والطاقة والاستثمار والمالية كانوا على رأس المواضيع الاستراتيجية التي تهم المملكة والعالم لما لهم من ارتباط وثيق بفتح أبواب الاستثمار المستقبلي بالمملكة أمام منظومة الاستثمار الدولي وانطلاق المملكة في الأسواق العالمية لترفع من حجم عطاء ثرواتها نحو آفاق مستقبلية قوية.
حضر سمو ولي العهد السعودي وفي جعبته أخبار هامة جدا، القاها على محاوره “ماتيو رينزي” رئيس مجلس وزراء إيطاليا السابق، فبجانب تصريحه بطرح المزيد من أسهم أرامكو السعودية لدعم صندوق الاستثمارات، أعلن عن تطوير مدينة الرياض وتحويلها إلى نموذج عالمي كعاصمة لأكبر مدينة صناعية في العالم، ولتظهر مدينة الرياض – بجانب دورها السياسي – كعاصمة للصناعة والسياحة ضمن عواصم العالم الكبرى، وهذا التوجه سيدعم عملية التطور لمنطقة الرياض كلها والمناطق الملاصقة، ويدعم أيضا عملية توزيع التنمية في كافة مناطق المملكة بحسب ميزاتها التنافسية والتكاملية، مما سيسيل لعاب الاستثمار العالمي له ليكون متواجدا فيه ومشاركا في صناعة هذا الحدث الذي له مردودات عالية.
أما في الطاقة، فقد تكلّم سمو وزير الطاقة بشفافية وواقعية كعادته عن مسائل غاية في الحساسية والتعقيد لما لها من اهتمام عالمي، فقد شرح عن خطط المملكة في إعادة تدوير الانبعاثات وتحويلها إلى مواد ذات قيمة، وأن الحكومة السعودية ملتزمة بالعمل على تقليل الانبعاثات الكربونية، وهي مسألة مرتبطة بموضوع التغير المناخي الذي تتناوله المملكة على محمل الجد، وذكر أن للمملكة سجل حافل بتقليل الانبعاثات، ومن ضمن الأعمال القائمة في هذا الخصوص هو حراكها لتحويل 50% من استخدام الطاقة فيها إلى غاز والباقي سيعتمد على مصادر الطاقة الأخرى، وذكر سموه أنه عند مقارنة أرامكو وسابك بنظرائهم سنجد أنهما قد حققا الكثير من المستهدفات في مجال تقليل الانبعاثات، كما أن المملكة ستقود التحرك العالمي في مجال الهيدروجين النظيف والهيدروجين الأزرق، وستكون مثل ألمانيا حيث ستعتمد وبنسبة 55% على الطاقة النظيفة.
ويأتي التأكيد على ما تطرق له سمو وزير الطاقة – عن عمل المملكة مع شركائها في “أوبك” و “أوبك+” و دول مجموعة العشرين لوضع منهجية شاملة للتخفيف من آثار الجائحة على العالم – في حديث رئيس شركة أرامكو السعودية المهندس أمين الناصر الذي أعطى شرح وافي عما يدور داخل أروقة ومعامل الشركة مما يساند متخذ القرار السعودي في عملية دعم استقرار أسواق النفط العالمي، وعن مستوى المنظومة المتقدمة جدا علميا التي تقوم عليها أعمال الشركة، مما رفع من مستوى الموثوقية في الشركة وأعمالها بنسبة 99.8%، حيث أن التقنيات المتقدمة المستخدمة تساعد في تحليل البيانات والاستكشافات النفطية وتحسين الانبعاث الكربوني، كما أنها ساهمت في تحقيق التعافي والذي كان الأسرع عالميا بنسبة بلغت 70%.
وعلى مستوى الاستثمارات الاستراتيجية، فقد تحدث معالي محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي الأستاذ ياسر الرميان في افتتاح المبادرة بأن جائحة كورونا قد غيّرت مفاهيم الاقتصاد في العالم، وأبدى صراحة في رغبة المملكة لجذب الاستثمارات الأجنبية واستحداث قطاعات استثمارية جديدة، خاصة وأن لديها أدوات تشجيع الاستثمار الأجنبي، وهذا مما أكد عليه محافظ صندوق الاستثمار المباشر الروسي في حديثه عن ارتباط المنظومة الاستثمارية الروسية بالمملكة من خلال العمل المشترك مع صندوق الاستثمارات العامة، ليساهم في تحويل السعودية من مستهلك إلى منتج في عدة قطاعات.
أما معالى وزير المالية فقد تحدث عن مجموعة أمور، من أهمها عملية استمرار المملكة في العمل الجاد على إصلاحات سوق الأسهم السعودي والذي انعكس إيجابا على مضاعفة الأموال المتدفقة فيه، كما أن العمل مستمر في تقوية البنية التحتية، وتطرق معاليه لأهمية مشاركة القطاع الخاص والفرص الهائلة بالمملكة التي تبرز أكثر في الصناعات التقليدية وقطاعي الطاقة المتجددة والتكنولوجيا.
ختاما، العالم على موعد جاد مع نهضة اقتصادية جديدة تُغزل خيوطها في الرياض، خاصة وأن العالم على اعتاب ما يسمى بالثورة الصناعية الخامسة (الرابعة من الماضي)، ومعطيات المملكة تؤكد على أنها مؤهلة وستكون أحد مراكز جاذبية الاستثمار العالمي لها ومنها، ضمن منطقة الشرق الأوسط التي قال عنها سمو ولي العهد – أثناء المبادرة في نسختها الثانية عام 2018 – بأنها ستكون أوروبا الجديدة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال