الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية خلال الفترة الماضية عن استراتيجيتها لسوق العمل ولعل ما شدني بداية رؤية الوزارة بخلق سوق عمل جاذب للمواهب العالمية والمحلية (على قدم المساواة) كذلك لفتني حالة عدم التفاؤل لدى الكثيرين من احتمالية انعكاس هذه الاستراتيجية إيجابياً على قدرة المواطن بالحصول على وظيفة لائقة تتناسب مع مؤهلاته وطموحاته.
لا أريد أن أكون متشائماً الا أنني اعتقد ان الوزارة لن تضيف شيء جوهري في سوق العمل ومنبع اعتقادي هذا أن القطاع الخاص لايزال هو من يقود توجهات الوزارة وخططها لسوق العمل بطريقة غير مباشره فكيف ذلك؟
كانت الوزارة ولاتزال تنطلق في خططها من منظور تعزيز رضا أصحاب الأعمال في اعتقادها أن تلبية متطلبات التاجر وتحسين ربحيته سينعكس مستقبلاً على زيادة قدرته على خلق وظائف وبالتالي توظيف المزيد من السعوديين، قد ينطبق ذلك في حالات أو دول أخرى لكن ذلك يسير على العكس في المملكة وهذا ما تثبته أرقام البطالة أو عدد العاملين الأجانب. ولحل مشكلة تزايد اعداد البطالة خرجت برامج السعودة والتي أراها أنها قلبت الموازين فبدلاً في أن يكون الأصل في سوق العمل وفرة المواطن وندرة الأجنبي كما هو في كل دول العالم صنفته كخيار ثاني بعد ملايين القادمين من أصقاع الأرض!
لم يقتصر الأمر على ذلك استطاع القطاع الخاص أن يشكل برامج السعودة بشكل يجعل الوزارة في دوامة البحث المستمر والمستحيل لتحقيق متطلباتها فتارة تطالب بتغيير مناهج الجامعات السعودية لعدم ملائمتها (جميع مخرجات قطاع التعليم في دول العالم الثالث والشهادات الوهمية مقبولة!) وتارة تسقط على عدم انضباطية وكثرة متطلباته وأن توظيفه سيتسبب بلا شك في خسارة المنشأة. وبدلاً أن تحاجج الوزارة في جودة التعليم السعودي مقارنة بتعليم ملايين العمالة من الدول المجاورة، أو على الأقل تضع الأنظمة لتقنين الاستقدام بناء على مؤهلات تتفوق على المؤهلات السعودية، ارخصت الوزارة من قيمة الخريج السعودي وذلك بتحميل الدولة نسبة من راتبة محاولة لإقناع صاحب العمل بتوظيفه حتى يكتسب الخبرة والمهارات المطلوبة! وللخروج من مأزق استمرار السعودي بعد انتهاء فتره الدعم وحيث أن الهدف لم يكن تدريبه أو تعليمه، استطاع القطاع الخاص من تعديل أنظمة العمل لتتوافق مع رغبته في الاستغناء عن الموظف السعودي بكل سهوله وبدون تبعات، بل أن المضحك المبكي أن توظيف السعودي يؤهلك لاستقدام أعداد من العمالة الأجنبية وهو ما يعزز مبدأ وفرة الأجنبي مره أخرى فأصبح توظيف السعوديين بوابة للاستقدام للأسف.
ومع التطورات السريعة في كثير من الجهات الحكومية والتي يقودها ويعمل بها مواطنون (من نفس المخرجات التي لا تناسب سوق العمل!) في مستوى الخدمات وارتفاع مستوى الرضى لدى الأغلبية عن إنجازاتها ومدى كفاءة المواطن السعودي وتهاوي الأفكار التي مررت لسنوات عديدة عن ضعف قدراته، إضافة الى تزايد اكتشاف حالات التزوير في الوثائق والخبرات للعاملين الأجانب. عاد القطاع الخاص مرة أخرى من خلال استراتيجية سوق العمل ليصيغ رؤيتها ويعرف العاملين الأجانب على أنهم مواهب عالمية ويضعهم على قدم المساواة مع المواطن مشتغلاً أن الوزارة لسنوات طويلة لم تستطع وضع معايير للمؤهلات والخبرات والتحقق منها للعاملين الأجانب في المملكة وهي أمور سهل قياسها وتوثيقها فمن الطبيعي أنها من المستحيل أن تستطيع وضع تعريف واضح للموهبة العالمية التي يرغب القطاع الخاص باستقطابها والتحقق منها. يعتمد القطاع الخاص في تمرير هذه الأفكار بتبني تجارب دول تعتمد الهجرة كجزء أساسي من المنظومة العمالية لسد العجز في قلة عدد السكان بينما يتحاشى التجارب الأسيوية مثل كوريا الجنوبية واليابان بالاعتماد الكامل على مواطنيها وكيف قاد ذلك مسيرة النمو والابتكار!
أن محاولات الوزارة المستمرة في عملية تحسين بيئة القطاع الخاص ستنعكس حقيقة لرفاهية العامل الأجنبي وليس السعودي ولا أتوقع بحال من الأحوال أن تسهم في خفض معتبر للبطالة فالقطاع الخاص لا يرغب بتوظيف السعودي لأنه (سعودي) وليس لسبب أخر!
ولن تحل مشكلة البطالة إلا بتعديل حقيقي في السياسات العامة لسوق العمل وذلك بتضييق الاستقدام وتحديد مدة عمل لكل أجنبي (ندرة الأجنبي) لخلق تحدي يجبر القائمين على القطاع الخاص بالاستعانة بالسعوديين وتحسين ظروف عملهم للمحافظة على استمراريتهم، فالسعودية كما قال الوزير غازي القصيبي (رحمة الله) ليست وكالة توظيف للشرق والغرب ومن غير المقبول أن تصل نسبة البطالة لأكثر من 14% (خلال جائحة كارونا تكفلت الدولة بأكثر من نصف رواتب السعوديين وبالرغم من ذلك تم فصل بعضهم) في بلد يسكنه 10 مليون أجنبي ويستنزف اقتصاده شهرياً بتحويلات مليارية وما زلنا ننظر ونتناقش حول بيئة العمل أو كفاءة أو جدية المواطن من عدمها.
يكفينا سنوات من ضياع الخبرات والمعارف في مشاريعنا التنموية والتي استفاد منها الأجانب وخلقت لهم معرفة وخبرة لم يكن يتسنى لهم الحصول على اليسير منها في دولهم، قد نعاني قليلاً في البداية ولكن جمال الهدف يستحق الصبر.
في رعاية الله…
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال