الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تَرتَبِطُ العقوبة بالفعل في جميع الجرائم الإيجابية، مع استثناء الجرائم السلبية التي تَرتَبِطُ بالامتناع، وهذا يعني أنَّ على الفاعل أن يَقُومَ بفعلٍ أو امتناعٍ موصوفٍ على شكل جريمةٍ.
وفي إطار الجرائم المالية ومنها الاحتيال، فإنَّ الكثير من المُجرِمِينَ يعتقدون -خلال تخطيطهم لجرائمهم- أنَّهم إذا حصلواً على نتيجتها المالية فيكون المُخطَّط قد نَجَحَ، وسيحاولون الهرب بالأموال غير المشروعة، وإذا فشل المُخطَّط الإجراميَّ ولم يحصلوا على النتيجة، فإنَّهم سيكونون بعيدين عن العقوبة.
لكن الحقيقة هي أنَّ الجريمة لا تنصبُّ فقط على النتيجة الإجرامية، بل قد تنالُ من مُجرَّد المحاولة؛ أي إنَّ محاولة ارتكاب الجريمة -وإن فشلت- توصف بالجريمة الموجبة للعقاب.
وهكذا كان موقف نظام مكافحة جرائم الاحتيال المالي وخيانة الأمانة، فقد فرض في المادة 4 منه نصف العقوبة على الشروع بالقيام بهذه الجرائم.
والحقيقة، يُخْتَلِطُ لدى أذهان الناس معنى الشروع بالجريمة الكاملة، والناقصة، والمستحيلة.
الجريمة الكاملة؛ هي تلك التي يقوم بها المجرم بكامل عناصرها، ويُحقُّق نتيجتها، كأن يقوم شخصٌ بالاحتيال على الناس بادِّعاء أنَّه يقوم بمشروعٍ عقاريٍّ ضخمٍ، فيجمع الأموال من الناس، ثم يهرب بهذه الأموال إلى الخارج بعد أن تنكشف حقيقة المشروع الوهمي.
الجريمة الناقصة؛ وهي الجريمة التي يقوم المجرم بالإعداد والتخطيط لها، ثم يبدأ بتنفيذها، إلاَّ أنَّ ظروفاً خارجةً عن إرادته هي التي منعته من إتمامها وتحصيل نتيجتها.
كأن يقوم المحتال عبر مشروعٍ وهميٍ باستئجار مقرٍّ لشركة العقارات الوهمية، ويعلن في وسائل الإعلام عن فتح باب الاكتتاب على الشقق، لكن يحدث أنَّ أحد الأشخاص ذهب للاكتتاب، لكنَّه امتنع عن تسديد المال لأنَّه ارتاب في آخر لحظةٍ من أمر الشركة، ثم قام بالتبليغ عن هذه الشركة لأنَّه قد شكَّ بكونها عبارةٌ عن مشروعٍ وهميٍّ غرضه الاحتيال على الناس.
الجريمة المستحيلة؛ وهي تلك الجريمة التي قام فاعلها بكلِّ ما عليه، إلاَّ أنَّها كانت من المستحيل أن تتمَّ، كأن يذهب أحد الراغبين بالاكتتاب في مشروعٍ وهميٍّ إلى مقرِّ الشركة، وعندما يَقِفُ على شبَّاك المحاسب، يَكتَشِفُ أنَّه قد نسي إحضار بطاقته البنكية، ولذلك لا تكتمل الجريمة هنا لاستحالتها؛ بالنظر إلى عدم قدرة الضحية على دفع النقود من الأساس.
وهكذا، قد يكون الشروع محلاًّ لجريمة في حالتَيْ الجريمة الناقصة والمستحيلة.
لكن بعض الجرائم لا يمكن تصوُّر الشروع فيها عادةً، فهي إمَّا أن تتمَّ كاملةً أو لا في معظم الأحيان، مثل جريمة التزوير، فالمزوُّر إمَّا أن يقوم بتزوير المستند أو يتراجع في آخر لحظةٍ، ويَمتَنِعُ عن القيام بالتزوير.
فإذاً، حتى نعرف متى يمكن تحقُّق الشروع في الجرائم، علينا بالنظر إلى وجود وقائعٍ سابقةٍ للجريمة، تؤدِّي إلى نتيجتها بشكلٍ مباشرٍ أم لا؛ ففي جريمة الاحتيال مثلاً يجب على المحتال أن يقوم بوقائعٍ احتياليةٍ للإيقاع بضحاياه مثل ادِّعاء وجود مشروعٍ، فهذه الوقائع تكون هي بحدِّ ذاتها محلاً لجريمة الشروع بالاحتيال.
بينما إذا كانت الجريمة من النوع الذي إمَّا أن يقع كاملاً مع نتيجتها أو ألاَّ تقع بالمُطْلَق، فتبقى طيَّ كتمان نفسية المجرم، فهي من النوع الذي لا يمكن تصوُّر الشروع فيه.
وفيما يخصُّ جريمة الشروع بالاحتيال، فيمكن تحديد أركان هذه الجريمة، كالتالي:
الركن المادي؛ القيام بمحاولاتٍ جديةٍ للاحتيال؛ كأن يقوم شخصٌ يدعي ملكية عقارٍ بالاتِّفاق مع سمسار عقاراتٍ على إقناع أحد الأشخاص صغِيْرِيْ السن والخبرة بشراء العقار، في الوقت الذي يكون فيه البائع غير مالِكَاً للعقار من الأساس.
فهنا يكفي إثبات ادِّعاء الملكية الكاذب، مع محاولات إقناع المشتري بالاشتراك مع السمسار لإيقاع عقوبة الشروع بكلٍّ من البائع غير المالِك مع السمسار.
الركن المعنوي؛ وهو القيام بالمحاولات الاحتيالية بقصد تحقيق النتيجة الإجرامية، وهي الاستيلاء على أموال الغير.
العلاقة السببية؛ أي أن يكون حدوث الوقائع الاحتيالية بسبب محاولات الفاعل، أمَّا إذا جاء شخصٌ إلى آخر وسدَّد له على سبيل الخطأ مبلغاً من المال دون أن يَشتَرِكَ قابض المبلغ بأية محاولاتٍ احتياليةٍ للحصول على المبلغ، فلا يكون هناك شروعٍ بالاحتيال.
وحتى في هذه النقطة، يجب القول بأنَّ إذا وَقَعَ الضحية بخطأٍ من تلقاء ذاته، ثم تجاوب شخص مع هذا الخطأ بقصد الاستيلاء على أموال الشخص المخطئ، فهنا يجب اعتبار التجاوب هذا بحدِّ ذاته شروعاً بالاحتيال دون اشتراط قيام المحتال بأية محاولاتٍ احتياليةٍ أخرى.
وفي جميع الأحوال، يجب التأكيد على أنَّ جريمة الشروع بالاحتيال تحتاج من القاضي إلى تعمُّق في فهم نفسية المتَّهم بالشروع، وأن يصل إلى قناعةٍ تامَّةٍ بأنَّ المتَّهم قد قَصَدَ الاحتيال قبل فرض العقوبة، وهذا ما يتطلَّب تعمُّقاً في ظروف الدعوى والقرائن القائمة فيها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال