الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تبادر إلى ذهني المثل الهندي “عندما تتصارع الفيلة يموت الزرع الأخضر” عندما تابعت الحركة السعرية لسهم شركة مساهمة مدرجة في السوق السعودي، بانخفاضه من حدود (٦٤) ريالاً ليصل إلى تقريباً ( ٥٩،٩٠ ) على الرغم من ارتفاع مؤشر السوق السعودي(تاسي) من( ١٠٥٣١) إلى (١٠٧٣٥) خلال نفس الفترة التي انخفض فيها سهم تلك الشركة، الأمر الذي أثار الفضول القانوني لدى لمحاولة البحث عن الأسباب، أو على الأقل معرفة ما يحدث، وتأصيله تأصيلاً قانونياً.
في البداية، راجعت إعلانات الشركة فوجدت عدداً من الإعلانات خلال الفترة التي هبط فيها سعر السهم تضمنت مايلي: الإعلان عن استقالة الرئيس التنفيذي للشركة؛ والسبب في ذلك عدم التناغم في وجهات النظر، ومع ذلك تضمن الإعلان احتفاظه بمنصب عضو مجلس الإدارة والعضو المنتدب، تبع ذلك إعلان آخر أشار إلى تكليف ابن الرئيس التنفيذي-حسب تسلسل الأسماء- ليكون رئيساً تنفيذياً، ولكن بعد ذلك بفترة وجيزة أعلنت الشركة نفسها عن إنهاء تكليف الرئيس التنفيذي وتكليف رئيس تنفيذي آخر. قد يتبادر للذهن أن مثل هذا الأمر طبيعي في أسواق الأسهم، ولكن الأمر بالنسبة للقانوني أبعد من ذلك.
يعتبر الشكل القانوني للشركة المساهمة من أكثر الأشكال القانونية للشركات شيوعاً، ولهذا يعتبر هذا الشكل بالإضافة إلى شكل الشركة ذات المسؤولية المحدودة من أفضل الأشكال القانونية جذباً للمستثمرين لعدد من المسوغات؛ منها المسؤولية المحدودة للشريك، حيث أن هذه المسؤولية تعتبر من النظام العام، ومن ثم لا يجوز الإتفاق على مخالفتها في عقد أو نظام الشركة، بل ولا يجوز لأي جهة من جهات الإدارة بالشركة سواء أكان مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية تشديد مسؤولية المساهم لتتجاوز ما يملكه من أسهم. في مقابل هذا، تعد قضايا المساهمين في مواجهة مجلس الإدارة من أكثر المسائل القانونية تعقيداً؛ من حيث إتجاه القانون لفرض مبادئه القائمة على حماية الجانب الأضعف هنا وهم المساهمون، ومن جهة أخرى؛ من ناحية القوة الاقتصادية التي يلعبها مجلس الإدارة حيث يعد العقل المدبر للشركة، وقائدها، وموطن تكتل القوى الخفية في الشركة بشكل عام.
من الجانب القانوني ،نجد أن نظام الشركات السعودي عندما تناول تنظيم العلاقة بين المساهمين ومجلس الإدارة تطرق لها في عدد من مواد النظام؛ على سبيل المثال: ٧٨ و ٧٩ و ٨٠ و ٨٨ وغيرها من المواد، فمثلاً نصت المادة(٧٨) على “أن أعضاء مجلس الإدارة مسؤولين – بالتضامن – عن تعويض الشركة أو المساهمين أو الغير عن الضرر الذي ينشأ عن إساءتهم تدبير شؤون الشركة أو مخالفتهم أحكام النظام أو نظام الشركة الأساس، وكل شرط يقضي بغير ذلك يعد كأن لم يكن..”، ومن خلال هذا النص نلحظ تركيز المنظم السعودي في الصياغة التشريعية عند تناوله لمثل هذه المسائل على الجانب السلبي -إن صح التعبير- للعلاقة التي تربط بين المساهمين ومجلس الإدارة وهي المسؤولية عن الضرر الذي يصيب المساهمين، ومدى تحملهم للتعويض عن الضرر الذي يصيب الشركة بسبب سوء تدبير شؤون الشركة بسبب قرار أو قرارات اتخذوها بشأن الشركة، دون أن يكون هناك توسعاً في حماية هذه العلاقة لتشمل أو تغطي الجانب الإيجابي.
ولعلي هنا أستعير قول المتنبي”والضـد يظهـر حسـنه الضـد، و بضدها تتميز الأشياء”؛ لأقارن بشكل مبسط جداً بين النظام السعودي والبريطاني فيما يتعلق بتنظيم العلاقة بين المساهمين ومجلس الإدارة، لمعرفة ما إذا كان المنظم البريطاني تبنى تنظيم تلك العلاقة من خلال الجانب السلبي أو الإيجابي أو كلاهما، حيث وجدت أن الأمر مختلف إلى حد ما؛ من حيث تطور الفكر القانوني، والتركيز على الجانب الإيجابي دون الاقتصار على الجانب السلبي، مع ملاحظة أمر مهم هنا عند المقارنة وهو أن النظام القانوني البريطاني يعد أحد الأنظمة القانونية التي تمت المقارنة بها عند صياغة مشروع نظام الشركات الجديد الذي يدرس حالياً لدى الجهات التشريعية في المملكة.
ولعل ما يخدم المنظم البريطاني في هذه المسألة ما يسمى بمبدأ السابقة القضائية والتي تعتبر مصدراً من مصادر التشريع لديه، حيث يساهم إلى جانب التشريعات من قوانين ولوائح وغيرها إلى تنظيم العلاقة بين المساهمين ومجلس إدارة الشركات؛ لتشمل الواجبات الائتمانية لمجلس الإدارة والمديرين، والرعاية وواجب الولاء والإفصاح والمراقبة وغيرها من الواجبات الأخرى. و دور السوابق القضائية هنا يتركز في تعريف وتحديد مبدأ Fiduciary duty حيث شمل التفسير القضائي لهذا المبدأ الجانب الإيجابي بالإضافة إلى الجانب السلبي الذي تضمنه قانون الشركات البريطاني Companies Act2006، ففي قضية
Millett LJ in Bristl & West Building Sociaty v Mothew قبلت المحكمة التفسير الذي أشار إليه المدعي حينما أكد على أن تفسير الواجب والإلتزام الذي يقع على عاتق الإدارة لا يقتصر على الجانب السلبي، وإنما يشمل أيضاً الجانب الإيجابي من حيث أن الإلتزام يتعدى ضمان الضرر الذي يقع بسبب خطأ الإدارة بل ويشمل أيضاً وجوب التأكد من تضمين تصرفات وقرارات مجلس الإدارة مبدأ الولاء للشركة.
ولعلي أزعم أن بين الصياغتين اختلافاً في الأثر القانوني المترتب عليهما؛ فالجانب السلبي يركز على الأثر القانوني الناشئ نتيجة وقوع الخطأ، وتحديد الشخص المسؤول عن تحمل الخطأ، في حين أن الصياغة التشريعية التي تركز على الجانب الإيجابي والتي تنظم العلاقة بين المساهمين ومجلس الإدارة بشكل عام، والمساهمين والإدارة بشكل خاص تستلزم تبني مبدأ الولاء للشركة قبل اتخاذ أي قرار أو تصرف نيابةً عن الشركة، وهو التزام سابق لاتخاذ القرار.
ومن خلال ما تم استعراضه سابقاً، يمكن القول بأن النص التشريعي الذي ينظم الجانب الإيجابي للالتزام الواقع على مجلس الإدارة والمديرين من شأنه تعزيز كفاءة إدارة الشركات في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بالشركة والمساهمين على حد سواء.
ولعل المنظم السعودي -في ظل عدم تبني السابقة القضائية في نظامنا القضائي- أن يأخذ في الاعتبار مثل هذا التوجه عند صياغة مشروع نظام الشركات الجديد الذي يدرس حالياً في الجهات التشريعية؛ ليشمل الجانبين الإيجابي والسلبي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال