3666 144 055
[email protected]
في شهر أكتوبر من عام 2020م، شهد العالم تغييرا مفاجئا في منهجية منصات التواصل الاجتماعي، مثل تويتر وفيس بوك، خلال تعاملهما مع بعض الشخصيات السياسية الدولية، حيث تمت اضافة بعض التعليقات من قبل ادارة تويتر تُشير بشكل مباشر إلى العديد من تغريدات هؤلاء الشخصيات كتغريدات ذات طابع مؤذٍ او انه لم يتم التأكد من صحتها، ومن ثم، تم حذف تلك التغريدات لاحقا من ادارة المنصة. وتزامنا في ذات الوقت، تم إخفاء المشاركة بالروابط والاخبار، ذات الصلة، من منصة فيس بوك والتي بها اكثر من مليارين ونصف مستخدم. واستمرت الرقابة على تغريدات هؤلاء السياسيين لعدة شهور، ثم انتهت بحظر حساباتهم في شهر يناير من عام 2021م، مع إصدار تصريحات من إدارتي تويتر وفيس بوك بأن تلك الحسابات تحث على العنف، ومن ثم وجب حظرها حماية لمستخدمي تلك المنصات وحفظا للامن العام من تداعيات تلك التغريدات. ومن جهة اخرى، تم شن حملات كبرى، من قبل تلك المنصات لتعليق وحذف الكثير من الحسابات حول العالم والتي لم يتم التأكد من هوية منشئي محتواها. وانقسمت الآراء، حول العالم، بين مؤيد ومعارض لمثل تلك الرقابة، والتي تعد حديثة التطبيق في عالم التواصل الاجتماعي، وكانت التساؤلات الأكثر تداولاً هي: هل ما قامت به شركات التقنية الكبرى المالكة لتلك المنصات هو الصواب..؟ وهل هناك تأثير اقتصادي على تلك الشركات مترتبا على تلك الرقابة..؟
بداية، وللإجابة على التساؤل الأول، فيجب ذكر إنه وحسب نتائج استطلاعات الرأي، فبالرغم من أن حذف التغريدات قد نجح بالفعل في إخفاء محتواها عن مستخدمي المنصات بشكل مباشر، ولكنه لم ينجح في منع تسريبها وانتشارها والتحدث عنها بشكل كبير بين الناس بعد حذفها، اي بمعنى اخر، فإن الحذف قد ساعد في الدعاية والترويج لمحتوى تلك التغريدات المحظورة. وقد صرح المعارضون لحظر وحذف التغريدات والحسابات ان دور منصات التواصل الاجتماعي يجب ان يكون محايدا وانه لا يجب التدخل، من قبل ادارات تلك المنصات، في قبول او رفض نشر المحتوى، خاصة وان ادارة تويتر قد صرحت، منذ سنوات في عام 2012م، بأنها “جناح حرية التعبير لحزب التعبير الحر” أو “the free-speech wing of the free-speech party”.
وبالمثل، فقد صرحت ادارة فيس بوك، في عام 2020م، بأنها “لن تكون حكماُ أو محكماً لحقيقة ما يُكتب” أو “an arbiter of truth”.
وعلى عكس تلك التصريحات، فقد اصبحت تلك المنصات بالفعل محكما لحقيقة ما يُكتب ولصحة التغريدات، كما اصبحت قيدا على حرية التعبير ايضا.
اما المؤيدون لحظر وحذف تلك التغريدات والحسابات، فهؤلاء يرون ان منصات التواصل الاجتماعي تملكها شركات خاصة، وليس حكومات، وبالتالي لا يجب عليها الالتزام بنصوص الدستور او القوانين في الدولة الام، والتي تمنع التدخل في حرية التعبير، على سبيل المثال. ويرى المؤيدون كذلك ان تلك المنصات قد نجحت في محاربة العديد من السلبيات مثل خطب الكراهية، وان جهود منصة فيسبوك ازدادت عشرة أضعاف خلال السنتين الماضيتين حيث تمكنت من إلغاء أكثر من بليوني حساب مزيف خلال عام 2019م. وعلى صعيد اخر، يثني المؤيدون على قيام تويتر بحذف حوالي ٣ ملايين تغريدة مسيئة في ستة اشهر وهو ضعف عدد التغريدات المحذوفة في عام كامل سابق. ومن الجدير بالذكر، انه يتم استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في البحث عن التغريدات والحسابات المستهدف حذفها، وتشمل جميع الحسابات غير المعروف هوية منشئيها، وكذلك المحتويات الذي تحث على العنف او التطرف او الكراهية او التنمر او التهديد او الجرائم او المحتوى اللا أخلاقي خاصة الذي يتضمن استغلال الطفل أو المرأة والاتجار بالبشر بصفة عامة.
وللإجابة على التساؤل الثاني، وهو ما اذا كان هناك تأثيرا اقتصاديا على شركات التقنية الكبرى، مترتبا على تلك الرقابة، فالاجابة هي: نعم. وعلى سبيل المثال، قامت شركة فيس بوك بتوظيف 15000متخصصا في تقييم المحتوى. وقد دفعت ما يقرب من 52 مليون دولارا، في عام واحد، كتعويضا عن الضرر النفسي الذي لحق بما يقرب من 11000من هؤلاء المتخصصين نتيجة لما يواجهونه من قلق وتوتر تجاه ما يقرئونه من محتوى عنيف او منافي للاخلاق. ومن الجدير بالذكر كذلك، ان بعض الدول الاوروبية، مثل المانيا، قد فرضت غرامات تُقدر بنحو ٥٠ مليون يورو على بعض المنصات، بما فيها فيس بوك، في حال لم تقم بإزالة المحتوى غير الاخلاقي او غير القانوني خلال ٢٤ ساعة من أعلامها بضرورة الحذف. كما وانه، تم تحديد سياسات تلزم جميع منصات التواصل الاجتماعي بتقديم ما تملكه من محتوى للرقابة او ما يُعرف ب Audit، وذلك يُشكل ضغطا إضافيا على تلك المنصات لكي تُشرف على محتواها وتحذف ما ينبغي حذفه.
وعليه، فمن الحكمة ادراك أن الحرية في التعبير والرأي هما شرطان أساسيان في استخدام منصات التواصل الاجتماعي على ألا تتجاوز حدود الأخرين والا تحرض على العنف او الجريمة، وهذا ما نصت عليه المادة 19من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م، والتي أكدت الحق في حرية التعبير والتي تشمل “البحث وإستقبال وإرسال معلومات وأفكار عبر أي وسيط”، وذلك هو ما يجب اتباعه.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734