الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مع كوب قهوة الصباح أحيانا تتفنجل مع صديق يشاركك ذلك الجو الذي تتخلله أحاديث ودية قد تكون خارج إطار العمل، ويطيب فيها الخيال بطريقة الرواية، فذات صباح جمعني فنجان القهوة بأحد الأصدقاء الذي يحمل مؤهلا عاليا وخبرة عملية واسعة، فطرح علي سؤالا ممازحا من باب فتح الشهية، لو كنتَ مسؤول لمنظمة ما، ما هو أول قرار تتخذه؟، فبادرته بالإجابة بعبارة (بعيد الشر)، فكرر سؤاله مع رشفة القهوة مبتسما، فعلمت أنها أحلاما خيالية مقرونة بتلك الرشفات ليست إلا فتح شهية، فما كان لي إلا أن أعيش جوه وأسير باتجاهه الوردي على إيقاع رشفاته الممدودة، فقلت أول قرار أتخذه قرار تعيين مدير الموارد البشرية فأضع لجنة متخصصة، تكون مهامها: عملية إختيار مدير الموارد البشرية وفق معاييرهم الفنية، وعليها أي (اللجنة) فيما بعد أن تقيِّمه على أداءه وتحاسبه لتحلل عقده المليوني الذي وقعه معي، هذا هو أول قرار ومشروع، إذ أحسب أن إدارة الموارد البشرية هي القلب النابض لأي منظمة، إذا أردت أن أقيس نجاحها فعلي أن ألمس نبض قلبها فثم النجاح أو الفشل، وبهذه الطريقة أفوض الصلاحيات له في التعيينات حسب ما تقتضيه الأنظمة في تلك المنظمة، لأضمن أنني أقود فريقا قويا في أهم لبنة من هيكلها التنظيمي لأضمن الإنتاجية التي تحقق أهداف تلك المنظمة من خلال ذلك الفريق الذي يعمل باقتدار وتمكن، فولائه للمؤسسة ليس ولاءً شخصيا، فرد علي الصديق بقوله (خربت الدعوة) فقلت أجل ماذا؟!، وأنت؟ فقال آتي (بشلتي) الذين أثق فيهم وأسلمهم مسئولية الإدارات حتى لا أحد (يضحك وينصب علي)، فقلت له (ذكي بل فلته) وجهة نظر يترك لها مساحة عندي وعندك، فافترقنا كل في سبيله، وكل قد فهم رسالة صديقه ومزاحه.
تأملت حالة الإحباط لدى الشباب، فالشباب هم رأس مال الوطن بل عملته الصعبة وذخيرته التي يعدها للمستقبل، فإذا نُصبت موازين الأمم رجحت بالثقل ميزان الأمة التي أعدت شبابها نوعيا وصنعته مهنيا للمنافسة في ميادين العمل والإنتاج.
أكون سعيدا عندما أدخل في دائرة أو منظمة وطنية ليست عائلية وأُلاحظ التنوع الوطني في كادرها الفني، فأتيقن أن هذه الدائرة أو المنظمة وطنية بالفعل، قد سلكت المنهج الصحيح في تعييناتها لكوادرها البشرية، وأكون مستاءً عندما أجدها وكأنها شركة أو مؤسسة عائلية يستحال اختراقها من غير العائلة والأنساب وأبناء (الديرة)، واذا انتقل مسؤولها الهرمي إلى منظمة أخرى مالوا معه حِولا، ميلة واحدة، وباتت الأولى خاوية على عروشها ليواجه خلفه عليها هذا التحدي، يا تُرى سيكرر مشهد سلفه، فماذا عسى أن يصنع؟!.
ونتيجة لهذا، تتسرب العقول الوطنية المنتجة من المؤسسات والمنظمات التي ينتشر فيها مثل هذه الظاهرة ولا يستثنى منها أي قطاع وأعني القطاعات الثلاث أركان التنمية، كما أن لها بُعدا اجتماعيا، إذ سبَّبَّت لدى الشباب حالة من الإحباط واليأس القاتل للإبداع والابتكار، فمن يشعر بوجودها تدفعه إلى التسرب المبكر من التعليم، لتقعده على مسرح البطالة والوهن المكلفة فاتورته اقتصاديا واجتماعيا، إذ لا طائل من وراء عناء وتعب تكون هذه نتيجته لمن سبقه -حسب فهمهم وظنهم من حديث المجالس- بأن الكسب السريع لا يحتاج إلى علم ودراية بل لراية المحسوبية فحسب، يثبته الواقع، ولكن من المؤلم أيضا أن ترى الاستقالات تترامى على طاولة مدير الموارد البشرية لهذه المنظمة ولا يدق لها ناقوس الخطر الذي ضرب منظمته ويهدد وجودها، لتبقى مجرد هدر وطني لفقدها هدفها ورسالتها، أولى لها أن تُلغى أو تستحوذ على نشاطها أخرى أكفء وأكثر فاعلية، فكونك مسئولا ألا تنام تلك الليلة التي في نهارها عُرضت عليك استقالة واحدة ناهيك عن مجموعة استقالات وكأن لم يكن!!.
إلا إنه لو خلت لفسدت، فهناك نماذج على قدر عال من المسئولية، حينما يغادرون مكاتبهم إما استقالة أو تقاعدا، نجد اصطفاف المودعين لهم عن يمينهم وعن شمالهم من مكتبهم إلى سيارتهم لشدة تعلقهم وحبهم لهم، وهم بلسان واحد لمن تتركنا؟.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال