3666 144 055
[email protected]
سعيًا للحدّ من الممارسات التمييزية في الأجور بين عاملي منشآت القطاع الخاص، نشرت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية على منصة «استطلاع» مشروع مسودة قرار وزاري يهدف إلى تحديث جدول المخالفات والعقوبات لنظام العمل. ومن بين التحديثات التي نصت عليها مسودة القرار: التوصية بفرض عقوبات مالية على المنشأة في حال قيام صاحب العمل بالتمييز بين أجور العاملين من الرجال والنساء في الأعمال ذات القيمة المتساوية، تتراوح قيمتها بين 5000 و10000 ريال تتعدد بعدد الحالات. وتقدم هذه المادة -بما تضمنته من عقوبة غليظة- دليلًا على اهتمام الوزارة بتحسين ظروف العمل للعاملين، وتعزيز حمايتهم من الممارسات الخاطئة في حقهم من بعض المنشآت.
وقد أشرت في مقال سابق كتبته لصحيفة “مال” في عام 2019م بعنوان «مساواة الأجور في الأعمال ذات القيمة المتساوية»، إلى أنَّ التطبيق الحالي لقرارات منع التمييز في الأجور يعتمد على أسلوب ردّ الفعل، والقائم على قيام العامل برفع قضية عمّالية، وليس بوجود آلية توفّر حماية استباقية للعمّال من الممارسات غير العادلة. كما نبهت في مقالي على أنَّ الوزارة لم تقدَّم دليلًا إرشاديًّا يختص بكيفية تطبيق المنشآت لقرارات منع التمييز في الأجور بين العاملين.
تُقدّم التجربة الآيسلاندية في تشريعها لسياسات مساواة الأجور في الأعمال ذات القيمة المتساوية مثالاً يُحتذى به في الحدّ من الممارسات التمييزية في الأجور؛ حيث قامت الحكومة الآيسلاندية في عام 2017م بالموافقة على تعديل نظام مساواة الأجور بين الجنسين. وتضمّن ذلك التعديل إلزام كلَّ منشأة يعمل بها 25 عاملًا أو أكثر الحصول على شهادة مُصدَّقة تثبت أنَّ سياسات الأجور، ومنهجية التقييم الوظيفي لديها، والممارسات التابعة لها تتفق جميعًا مع المواصفات والمقاييس الصادرة من الحكومة الآيسلاندية المتعلقة بنُظم إدارة مساواة الأجور في الأعمال ذات القيمة المتساوية (IST-85).
إنَّ الفارق المهم في التجربة الآيسلاندية تتمثل في تحميل صاحب العمل –وليس العامل- عبء إثبات عدالة السياسات، والنُّظم، والقرارات المتعلقة بأجور الموظفين. ولقد ألزم ذلك التعديل المنشآت الآيسلاندية بمراجعة منهجيات التقييم الوظيفي لديها، وإعادة النظر في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بأجور الموظفين، والتأكد من أنَّ القيمة الوظيفية التي أُسندت لكل وظيفة مبنية على أُسس سليمة مطابقة للمواصفات والمقاييس الصادرة.
وتستند عملية التقييم الوظيفي للوظائف إلى عوامل متعددة؛ منها: الكفاءات المطلوبة لأداء الوظيفة، والصلاحيات المرتبطة بالوظيفة في اتخاذ القرارات، وغيرها من العوامل. ويترتب من ناتج هذا التقييم قيمة رقمية مرتبطة بالمسميات الوظيفية المختلفة لدى المنشأة، والتي منها يتم تحديد الأجر المناسب لكل وظيفة. ولا يمنع النظام من وجود فارق بين أجور الموظفين في الأعمال ذات القيمة المتساوية طالما أنَّ هناك سببًا يفسر هذا الفارق؛ مثل: سنوات الخبرة التي يمتلكها العامل، أو مستواه التعليمي، أو أداؤه الوظيفي، أو حتى لأسباب ترجع إلى السِّعر السُّوقي للوظيفة في سوق العمل.
لقد خاضت التجربة الآيسلاندية عدة مراحل قبل أن تصل إلى مرحلة النُّضج التي تَتّسم بها الآن. فقد استغرق تطويرها لمواصفات ومقاييس نُظم إدارة مساواة الأجور قرابة أربع سنوات (2008-2012م)، وذلك قبل أن تُدعى المنشآت التجارية لخوض تجربتها لمدة ثلاث سنوات أخرى (2012-2015م). ومن ثم، دعيت سائر المنشآت المعنية في الدولة لتطبيق تلك المواصفات والمقاييس على أساسٍ اختياري قبل أن يتم إقرارها في عام 2017م، ثم إلزام العمل بها في عام 2018م.
من المؤكد أن قرارات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في السنوات الأخيرة قد ساهمت بشكل كبير في تحسين ظروف العمل للعاملين في القطاع الخاص، لعلَّ من أهمها: تطبيق كافة مراحل برنامج حماية الأجور. وتنصّ المادة 21 من النموذج الموحد للائحة تنظيم العمل على إلزام المنشأة بوضع سلالم وظيفية لوظائفها تحدد فيه عدد، ومسميات الوظائف، ودرجة كل وظيفة، وشروط شغلها، وبداية أجرها، حيث يضع هذا الإجراء لَبِنَةً أساسية في بناء القواعد اللازمة التي ستحدّ من ممارسات التمييز في أجور العاملين.
ينصُّ جدول المخالفات والعقوبات الحالية لنظام العمل على أنَّ قيام صاحب العمل بأي عمل يحتوي على نوع من التمييز على المتقدم للعمل لديه مما يشكل إبطال أو إضعاف تطبيق تكافؤ الفرص؛ تُعدُّ مخالفةً يعاقَب عليها صاحب المنشأة. وتسعى مسودة المخالفات والعقوبات المقترحة حاليًّا إلى الحدّ من ممارسات التمييز بشكل عام، وإضافة ممارسات التمييز بين أجور العاملين في الأعمال ذات القيمة المتساوية إلى نص المخالفات بشكل خاص.
أختمُ هذا المقال بالدعوة إلى إنشاء دليل إرشادي، أو لائحة مواصفات ومقاييس تساعد منشآت القطاع الخاص في تطبيق سياسات مساواة الأجور في الأعمال ذات القيمة المتساوية قبل الشُّروع في مخالفة المنشآت. ويمكن في هذا الإطار الاستفادة من التجربة الآيسلاندية بدراسة عناصرها، وتطبيق ما يصلح منها في المملكة؛ عملًا على حفظ حقوق العاملين، وزيادة جاذبية القطاع الخاص، وهو ما تطمح إليه استراتيجية سوق العمل.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734