الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قد ولّى ذلك الزمن الذي يُقال فيه أن إدارة المخاطر تساعد على التقليل أو تفادي الخطر فحسب، فقد انتقلنا إلى مرحلة تفوقها أهمية وهي أن إدارة المخاطر تتوسط المشهد لخلق قيمة محورية للمنظمات والشركات، وكأنها رمانة التوازن وبوصلة التوجه الاستراتيجي.
وكأكثر من أي وقت مضى، أصبح هاجس إدارة المخاطر الاستراتيجية يشغل أروقة الإدارات التنفيذية ومسيطرًا على أجندة مجالس الإدارة ولجانها. كيف لا ونحن نشهد تسارعًا على جميع المستويات في الأعمال وتنافسية بخلق سوق أو إرباك سوق حالي أو حتى الاستحواذ عليه عن طريق الابتكار التكنولوجي وغيره.
لتفادي الخلط بين تعريف المخاطر الاستراتيجية والأنواع الأخرى من المخاطر فإن المخاطر الاستراتيجية، كما يُعرّفها المخضرم والكاتب جيمس لام، تشمل أي مخاطر تؤثر على استراتيجية عمل الشركة وأهدافها وآلية تطبيقها. فعلى سبيل المثال هي تشمل المخاطر الرئيسة التي تؤثر على طلب المستهلك، أو التطورات التكنولوجية، أو التغييرات القانونية والتنظيمية، أو الدوران الوظيفي للإدارة العليا، أو تنافسية السوق أو أمن المعلومات. وبعد هذا التعريف، هل تعلم أن سوء إدارة المخاطر الاستراتيجية يستحوذ على نسبة تتعدى جميع المخاطر الأخرى مجتمعة (مثل المخاطر التشغيلية والمالية وغيرها) كسبب رئيسي لإخفاق الشركات؟
ولأننا نعي أن الطريق ليس مفروشا بالورد لاتخاذ توجه استراتيجي جديد، فإن التواؤم والاندماج بين إدارة المخاطر الاستراتيجية وتوجهات وأهداف الشركة يعد أحد أسباب نجاح القرار الاستراتيجي. وعلى النقيض نجد أن الكثير من الدراسات تعزو النسب العالية لفشل كثير من القرارات الاستراتيجية إلى الإخفاق بمزج إدارة المخاطر الاستراتيجية مع القرار الذي تم اتخاذه. ولا غرو أن نرى ما يقارب 70% من المبادرات والقرارات الاستراتيجية للشركات تفشل. كذلك لا يخفى عليكم تلكم الشركات المرموقة التي ذهبت أدراج الرياح نتيجة لفشل قراراتها الاستراتيجية بعد عقود من الزمن في بناء علامتها وسوقها وتموضعها.
إمعان النظر أكثر في عوامل فشل الخطط الاستراتيجية وإدارة مخاطرها يجعلنا ندرك أن من أبرزها عدم التحرك للتعامل مع التغييرات بقوى السوق أو تطوراته التكنولوجية وهذا النوع من المخاطر شائع بالكثير من الشركات، وقد يكون من أبرزها شركة بلاك بيري. هذه الشركة التي ضربت بتطورات الهواتف النقالة عرض الحائط وركنت إلى نجاحها في وقت من الأوقات والتي لم يلبث بعدها إلا أن تغيرت ذائقة المستهلكين وتصاميم الهواتف. فعدم التحرك بحد ذاته يعتبر قرار استراتيجي أودى بالشركة إلى حتمية الفشل وإعلان إيقاف تصنيع هواتفها في 2018م. مؤخرا عادت الشركة وأعلنت إطلاق جيل جديد من هواتفها للوقوف مرة أخرى، فلعلها تستفيد من أخطاء الماضي.
أحد العوامل الأخرى التي تزيد من احتمالية فشل القرار الاستراتيجي هي المبالغة بالثقة من قبل الإدارة التنفيذية بقدرة الشركة على تطبيق الخطة الاستراتيجية، فيتم الاصطدام بواقع أن التطبيق يحتاج إلى موارد تفوق الطاقة الحالية. عامل آخر هو الفشل باستشراف ردة الفعل من قبل المنافسين بالسوق والتقليل من قدرة هؤلاء المنافسين على تحجيم النجاح المرجو من الاستراتيجية الجديدة.
هل يوجد أفضل من وجود إنذار مبكر حول جودة القرار الاستراتيجي المتخذ؟ إدارة المخاطر الاستراتيجية الفعالة تعني أن هناك إطار يتم تطبيقه ليقدم دلائل أولية عن مدى نجاح أو فشل القرار وبذلك يكون للشركة خط رجعة إذا كان القرار الاستراتيجي دون المستوى المأمول. والأفضل من هذا أنه قد يتم تعزيز القرار وتحسينه لتعظيم الفوائد وبالتالي جعل جودة القرار من جيدة إلى ممتازة.
لابد من نقطة بداية لبدأ مرحلة إدارة المخاطر الاستراتيجية والتي لا تتأتى دون وجود تخطيط استراتيجي. مثل هذا التخطيط يمكن العمل عليه عن طريق أي من الأُطر المتعارف عليها مثل تحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات (SWOT). تستخدم بعض الشركات كذلك نموذج القوى التنافسية الخمس الذي طوره “مايكل بورتر” والذي يركز على قوة أي صناعة متمثلا بقوة الموردين، وحدة المنافسة، وقوة العملاء أو المشترين، وتهديد المنتجات البديلة، وتهديد دخول منافسين جدد. أما للشركات التكنولوجية فقد يكون من الأجدى تطبيق نموذج جيفري مور لشركات التكنولوجيا، حيث تندرج المبادرات الاستراتيجية ضمن أربع مناطق: (الحضانة، والتحول، والإنتاجية، والأداء).
يجب ألا نغفل عن أهم عنصر لنجاح إدارة المخاطر الاستراتيجية وهو العامل البشري. الرئيس التنفيذي للمخاطر (أو من يقوم مقامه) يستحسن أن يكون عضو فعال عند مناقشة الاستراتيجيات والمبادرات، سواء مع الإدارة العليا أو مجلس الإدارة، والأخذ بعين الاعتبار دمج رغبة (شهية) المخاطر والقدرة على تحملها مع التوجه الاستراتيجي. يجب أن تعي الشركة كذلك مدى أهمية ربط أهداف الشركة الرئيسية وإدارة مخاطرها الاستراتيجية بما يتوافق مع تعويضات ومكافآت موظفي الإدارة العليا. هذا الأمر من شأنه الحفاظ على اتساق الأهداف وتقويض “معضلة الوكالة” قدر الإمكان.
إذًا نستطيع القول بأن إدارة المخاطر الاستراتيجية هي نسخة مطورة لإدارة المخاطر وتركز على المخاطر الاستراتيجية بدلاً من الانخراط بدهاليز إدارة المخاطر المؤسسية بمكوناتها المتشعبة، ولكن هذا لا يعني انفصالهم، بل بالعكس توافقهم واندماجهم. وحتى لا نفقد التركيز بإدارة المخاطر الاستراتيجية فلا يجب على الشركات أن تحصي جميع مخاطرها الاستراتيجية وتمعن النظر فيها دون استثناء، بل يُنصح بالتركيز على المخاطر الاستراتيجية الرئيسية المحيطة واستشرافها والتعامل معها بأفضل طريقة ممكنة. هنا يتبين لنا أن إدارة المخاطر الاستراتيجية هي ضرورة ملزمة للشركات، بل وأصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال