الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مهمة حاضنة الأعمال تتلخص في كونها برنامج محكم ومتخصص في مجال ما، للعمل على تأهيل أصحاب الأفكار الابتكارية نفسيا وفنيا وعلميا لإيجاد منتجاتهم، واختبارها للتأكد من مدى جدواها وقبولها، قبل الانتقال للمرحلة التي بعدها (العمل التجاري)، مما يدعم أن تُؤسس الحاضنة تحت مظلة مؤسسة تعليمية أو بعلاقة وثيقة معها، لتأمين توفر الإشراف الأكاديمي والإمكانيات البحثية كمرحلة أولية في رحلة روّاد الأعمال.
لذلك، فإن تأسيس حاضنة أعمال خاصة دون اعتبار هذه المهمة وهذه الإمكانيات وهذا الارتباط تكون فكرة محفوفة بالمخاطر لروّاد أعمال مبتدئين، بسبب تعدد التحديات التي سيواجهها المشروع من أول يوم، ومن أهم هذه التحديات هو صعوبة التعامل مع فئة من الجيل الشاب خارج نطاق بيئة محكومة ببرنامج احتضان مؤسسي صارم، يضمن سلامة كافة الأطراف خاصة القانونية.
هذه كانت إجابتي لمجموعة شركاء من روّاد الأعمال الشباب الرائعين – ممن اكتسبوا تجربة جيدة في مجال تقديم الخدمات التقنية – عندما طلبوا استشارة بخصوص نيتهم في أن يتوسعوا في أعمالهم من خلال إنشاء حاضنة أعمال خاصة في نفس مجال خدماتهم كوسيلة لاكتشاف الفرص الجديدة التي يمكن استحواذها أو جزء منها لتعزيز تطور خدماتهم.
بالرغم من شبه القناعة التي أبداها بعضهم بوجهة النظر المقدمة، إلا أن هذا الفريق المتحمس فضّل الاستئناس بوجهة نظر عامة مساندة بواسطة القيام بعمل مسح بحثي من خلال استبانة استطلاع رأي عام في فكرة مشروعهم.
وكان السؤال المعضلة أمامهم هو: كيف يضعون هذه الاستبانة؟
استطلاع الرأي من خلال الاستبانة (أو الاستبيان) يعتبر من أفضل الوسائل وهي مسألة علمية وذات أشكال عديدة، ولكن قبل القيام باستطلاع رأي عام تقليدي يستند إلى سلسلة من الأسئلة المكتوبة مسبقًا، يفضل القيام بعمل استطلاع أولي للكشف عن أي مجاهيل تفيد في تصميم الاستبانة الأساسية لتكون الفائدة المرجوة.
هنا، يمكن تنفيذ ما يسمى استطلاع “ويكي” المبدئي وهو عبارة عن أسلوب هجين يدفع لتراكم المعلومة لإظهار مجاهيل بشكل استنطاقي طوعي في موضوع ما، وبواسطة مجموعة من المستجيبين بالتحفيز الذي فيه شيء من الاستفزاز (وهو مطلوب وما يميز استطلاع ويكي)، لدفعهم للمشاركة الطوعية سواءا بالإيجاب أو بالسلب، فيظهر كم من الماورائيات (إن صح التعبير) بأقل الجهد والوقت والتكلفة حول ماذا ولماذا وكيف، لاعتبارها أثناء تصميم استبانة استطلاع رأي عام فيما بعد، وفي بعض الأحيان تغني المعلومات المحصلة في هذا الاستطلاع الأولي عن القيام بأي استطلاع آخر أو حتى إقامة المشروع نفسه.
كان القرار هو إستخدام منصة تواصل اجتماعي “تويتر” لوضع استطلاع “ويكي”، فعلى هذه المنصة الكثير من المهتمين بريادة الأعمال، وقد كان التفاعل مع الاستطلاع (في هيئة تغريدة) مذهلا، فقد شاهد التغريدة ما يقارب 2 مليون مشاهد، وكسبت في حدود 900 اعجاب، وحظيت بحوالي 400 إعادة تغريد وتعدّت حاجز 300 مشاركة غنية بالمعلومات، وكل ذلك حصل في خلال 72 ساعة فقط قبل تفريغ المعلومات ومن ثم مسحها للقيمة التجارية في كم المعلومات.
الاكتشافات الأولية كانت مثيرة، ولكن من أهمها وبما يدعم وجهة النظر المقدمة أن كثيرا من المشاركات السلبية كانت متشنجة و مشخصنة نتيجة إما تجارب سابقة أو جهل بدور الحاضنة، كما أن أصحاب المشاركات السلبية لم يقدموا في العموم أي اقتراح أو فكرة يمكن اعتبارها، بعكس المشاركات الإيجابية التي تحلت بالموضوعية والنقد البناء والأفكار الهامة.
أيضا، لوحظ من خلال متابعة بعض حسابات المشاركين أن كثيرا من الإيجابيين هم شخصيات بأسماء حقيقية ويظهر الرقي في ما يتداولونه على حساباتهم، ومنهم شخصيات معروفة من أصحاب مشاريع قائمة، وطلاب ينتمون لجامعات محلية ذات سمعة راقية أو ممن تلقوا تعليمهم فيها أو في جامعات أجنبية، بعكس غالبية السلبيين والمتنمرين التي بدت حسابات كثيرا منهم بأسماء مجهولة، أو ظهر في منطقهم محدودية التعليم، كما كُشف بالمصادفة من استغل التغريدة في التسويق عن نفسه لاصطياد زبائن من خلال ادعاء تقديم خدمات مجانية لأصحاب الأفكار.
مع العديد من الاستكشافات الأخرى، وبالرغم من أن هذا الاستطلاع السريع لا يمكن الاعتداد به علميا لاتخاذ قرار، وصل أصحاب فكرة المشروع لقناعة بأن الفكرة مازالت غير ناضجة، وأن إقامة حاضنة خاصة بهم تحتاج مزيدا من الوقت لدراستها بسبب أمور مجهولة لم تكن في حسبانهم، خاصة أن هناك إشارات تحتاج بحث أعمق مثل احتمالية تعاملهم مع أصحاب أفكار سطحية، أو ممن يعانون من إنخفاض مستوى الثبات الانفعالي، أو ممن يؤمنون بمبدأ الأخذ دون العطاء، بل وربما تصل لاحتمالية التعامل مع حالات تعاني من جنون الارتياب (البارانويا) أو النرجسية أو التفوق الوهمي، وهم غير مستعدين لمخاطرة الوقوع في مشاكل مع مثل هذه الفئات التي من الممكن أن تتصادم معهم وصولا إلى رفع قضايا ضدهم.
حماس روّاد ورياديات الأعمال الشباب مطلوب، إلا أن من المهم تحويل هذا الحماس من كونه جموح نفسي إلى طموح واعي وآمن، مما يحتاج لتحضيرات عدة من ضمنها مساعدتهم على استكشاف مجاهيل غير معلومة بغرض التحقق والبحث والتحليل نحو اتخاذهم للقرار الأفضل قبل الإقبال على تنفيذ مشاريعهم، وهذا نهج يفرض نفسه لسلامة روّاد الأعمال في عالم تجارة يزداد تعقيدا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال