الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أشار بيان الميزانية العامة 2022 بداية إلى أن مؤشرات الميزانية الفعلية للعام 2021 شهدت تحسناً ملحوظاً إذ انخفض العجز المالي من 141 مليار ريال في التقديرات الأولية إلى 85 مليار ريال بنهاية 2021 ، و جاء هذا البيان أيضاً ليشير إلى إستمرار التحسن في أداء المالية العامة خلال العام القادم مع توقع تحقيق فائض مالي في الميزانية العامة للعام 2022 يقدر بنحو 90 مليار ريال، وهوأول فائض قد يتم تحقيقه منذ عام 2013. كما يعكس هذا البيان حالة التقدم على مسار برنامج الاستدامة المالية ليسبقه بتحقيق فائض قبل عامين من التقديرات الأولية الذي حدد في عام 2024. وفي حين جاء هذا التحسن في إجمالي الإيرادات على خلفية تحسن أسعار النفط إلا أن ذلك كان مقترناً بوضوح أيضا ببرامج إصلاح سياسة المالية العامة والذي من أبرزها برنامج التوازن المالي الذي يهدف إلى خفض الاعتماد على الإيرادات النفطية التي هي عرضة للتقلبات الحادة من ناحية وتنويع الإيرادات الغير نفطية نحو تحقيق الإستدامة المالية من ناحية أخرى. وقد ساهم هذا البرنامج في زيادة مساهمة الإيرادات الغير نفطية إلى نحو 40% كما جاء في أرقام الميزانية الفعلية للعام 2021، بعد أن بلغ متوسط هذه الإيرادات نحو 11% فقط خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2015، وشكلت حينها الإيرادات النفطية خلال نفس الفترة حوالي 89% من إجمالي الإيرادات. كما أدت برامج إصلاح المالية العامة ليس فقط في خفض إرتباط سياسة المالية العامة للدولة بحجم الإيرادات النفطية التي هي عرضة لتقلبات أسعار النفط في السوق العالمية، وإنما أيضاً في تقليل تأثير صدمات أسعار النفط على اقتصاد المملکة العربية السعودية.
لقد حققت إجمالي الإيرادات الفعلية للعام 2021 إرتفاعاً بنسبة 9.5% عن تقديرات الميزانية الأولية وبنسبة 19% عن مستوياتها للعام 2020، لتبلغ 930 مليار ريال. ويعود هذا التحسن في جانب الإيرادات للعام 2021 بشكلٍ أساسي أولاً إلى ارتفاع الإيرادات النفطية التي بلغت 558 مليار ريال لتشكل 60% من إجمالي الإيرادات، و ثانياً إلى إرتفاع الإيرادات الغير نفطية التي بلغت 372 مليار ريال ومنها بشكل خاص إيرادات ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات لتصل إلى 232 مليار ريال. وفيما يخص الإيرادات النفطية فإنها تحسنت نتيجة للتطورات الإيجابية التي شهدتها أسواق النفط من ارتفاع الطلب العالمي مع انحسار أزمة كورونا على خلفية انطلاق حملات التطعيم حول العالم وإنهاء إجراءات القيود على الحركة و التي ساهمت في تعافي الاقتصاد العالمي الذي من المقدر أن ينمو بنسبة 6% للعام الحالي حسب توقعات صندوق النقد الدولي. وعلى إثر هذه التطورات اتخذت المملكة قرارها ضمن اتفاق مجموعة أوبك وحلفائها إبتداءً من يوليو 2021 بالتخلي التدريجي عن خفض الإنتاج و كذلك بالتخلي عن خفضها الإختياري المقدر بنحو 1 مليون برميل، مما أدى إلى زيادة إنتاج المملكة ليبلغ متوسط إنتاج النفط خلال العام الحالي نحو 9 مليون برميل يومياً. وفي ذات الوقت جاء هذا التحسن بشكل أكبر من خلال ارتفاع مستويات أسعار النفط التي تجاوزت في شهر أكتوبر حاجز 80 دولارًا للبرميل، حيث يقدر أن يبلغ متوسط سعر خام برنت خلال العام الحالي 70 دولار للبرميل.
وقد إنعكس هذا التحسن في أسوق النفط على توقعات إجمالي الإيرادات في الميزانية العامة للعام 2022 لترتفع بنسبة 12.4% عن مستواها الفعلي في 2021، إذ تعود هذه الزيادة بشكل أساسي إلى بند الإيرادات الأخرى الذي يشتمل على الإيرادات النفطية والأرباح من الإستثمارات الحكومية ومبيعات السلع والخدمات وكذلك الجزاءات والغرامات، حيث يقدر حسب بيان الميزانية أن يرتفع بنسبة 20% ليبلغ 763 مليار ريال. وعلى افتراض أن الفئات الأخرى في هذا البند باستثناء الإيرادات النفطية لن يحدث فيها تغيير يذكر من زيادة أو نقصان إذ أنها في الغالب مستقرة نسبياً، فإنه من المرجح أن تكون معظم الزيادة التي قدرت بنحو 100 مليار ريال جاءت في الإيرادات النفطية. وإذا ما أضيفت هذه الزيادة إلى الإيرادات النفطية للعام 2021 فإنه من المتوقع أن تكون الإيرادات النفطية للعام 2022 قد قدرت بنحو 658 مليار ريال.
وإذا أخذنا أيضاً في الإعتبار أن يرتفع إنتاج النفط في المملكة إلى نحو9.8 مليون برميل يومياً وأن يبلغ متوسط الصادرات النفطية نحو 7.4 مليون برميل يومياً في ظل توقعات الطلب العالمي على النفط للعام 2022 الذي يقدر أن يصل إلى نحو 99 مليون برميل يومياً، فإنه من المتوقع أن يكون السعر الإفتراضي الذي قدرت عليه الإيرادات النفطية هو نحو 64 دولار للبرميل، والذي يمثل مستوىً متحفضاً نسبياً بالمقارنة لتوقعات العديد من المؤسسات البحثية والبنكية بأن يتجاوز متوسط سعر خام برنت 85 دولاراً للبرميل. وإن قيام الحكومة بافتراض سعر للنفط متوسط في تقديرات الميزانية بأقل من السعر السائد حالياً والمتوقع خلال العام القادم سوف يساعدها على تحقيق التوازن ما بين المصروفات والإيرادات بمرونة أعلى في حال ما اتخذت أسعار النفط أية اتجاهات معاكسة وبالتالي التقليل من آثار ذلك على الإنفاق وعلى النمو الاقتصادي، مستفيدة من تجارب الماضي القريب والبعيد التي تحدثها تقلبات أسعار النفط المفاجئة.
وأما بما يتعلق بتحسن الإيرادات الغير نفطية الفعلية للعام 2021 فإنها جاءت إنعكاساً للإجراءات الضريبية الإستثنائية التي أدخلتها الحكومة لتعزيز الإيرادات الغير نفطية بعد تراجع أسعار النفط في أبريل العام الماضي إبتداءً من يوليو 2020 إلى جانب زيادة الرسوم الإدارية وغيرها من الإجراءات المالية التي جاءت ضمن برنامج التوازن المالي بهدف تنويع مصادر الإيرادات وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، فقد سجلت إيرادات الضرائب على السلع والخدمات (ضريبة القيمة المضافة التي تم رفعها من 5% إلى 15% في يوليو 2020 وكذلك الضريبة الانتقائية) إرتفاعاً بنسبة 41.8% لتبلغ 232 مليار ريال، حيث جاءت حصتها الأكبر بنسبة 62% من إجمالي الإيرادات غير النفطية وبلغت أيضاً نحو 25% من إجمالي الإيرادات. كما أن الضرائب الأخرى والتي منها الزكاة قد إرتفعت بنسبة 7.7% على أساس سنوي لتبلغ 29 مليار ريال، ومثلت مانسبته 7.8% من إجمالي الإيرادات الغير نفطية للعام 2021. وأما الضرائب على الدخل والأرباح والمكاسب الرأسمالية فقد شهدت إنخفاضاً بنسبة -7.9% ليبلغ إجماليها 17 مليار ريال، لتشكل نحو 4.6% من إجمالي الإيرادات الغير نفطية. وكذلك الحال بخصوص فئة الضرائب على التجارة والمعاملات الدولية فقد انخفضت هي الأخرى بنسبة -3.1%، حيث بلغت 17 مليار ريال.
أما بخصوص النفقات، فقد إرتفعت بنسبة 2.5% عن التقديرات الأولية في الميزانية للعام 2021، لتبلغ 1015 مليار ريال، حيث ساهم في ارتفاع الطلب على السلع والخدمات وهو ما انعكس إيجابًا على معدل النمو الاقتصادي لهذا العام الذي شهد تحسناً ومن المتوقع أن يصل الى 2.9% حسب تقديرات وزارة المالية. إلا أن البيان أشار إلى إنخفاض تقديرات إجمالي النفقات للعام 2022 بنسبة 6% عن توقعات 2021 لتبلغ 955 مليار ريال، حيث جاء الانخفاض الأكبر في بند السلع والخدمات (النفقات التشغيلية) بنسبة -19.6% ليبلغ 160 مليار ريال في عام 2022. ويليه من حيث حجم التراجع بند نفقات المشاريع الرأسمالية لينخفض بنسبة -17.9% ليبلغ 92 مليار ريال. و كذلك انخفض بند المنح الذي قدر في البيان بأن يبلغ 2 مليار ريال في 2022 بعد أن بلغ 5 مليار ريال في عام 2021. وفيما عدا ذلك فإن جميع بنود الإنفاق الأخرى في عام 2022 جاءت مقاربة لمستوياتها في العام السابق.
وخلاصة القول فقد أدى هذا التحسن الذي شهدته أسعار النفط خلال العام الحالي وتوقعات استمرار التحسن للسنة القادمة إلى جانب زيادة تنويع الإيرادات غير النفطية كما جاء أعلاه ليس في إرتفاع إجمالي الإيرادات للعام 2021 فقط، وإن كان لا يزال أقل من إجمالي النفقات، بل في إنخفاض توقعات العجز المالي إلى 85 مليار ريال في 2021 مقارنة مع تقديرات الميزانية الأولية بنحو 141 مليار ريال. وهذا ما أدى بالتالي إلى تراجع نسبة العجز المالي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى -2.7% من تقديرات الميزانية الأولية عند نحو -4.9%. كما أشار بيان الميزانية أيضاً إلى تحقيق فائض مالي بمقدار 90 مليار ريال، وأن تبلغ نسبته إلى إجمالي الناتج المحلي نحو +2.5% في عام 2022. وقد إنعكست هذه التطورات الإيجابية على توقعات الدين العام التي جاء الدين العام فيها مستقراً عند مستوى 938 مليار ريال وأن تتراجع نسبته للناتج المحلي من 29.2% في عام 2021 إلى 25.9% 2022، ليعزز بذلك مسار الاستدامة المالية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال