الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قد تُثِيرُ بعض مفردات الأنظمة بعض اللُّبس بسبب التشابه في المعنى اللغوي الذي يَقتَرِبُ فيما بينها إلى حدِّ التطابق، بينما نَجِدُ أنَّ المعنى المصطلحيِّ القانونيِّ يَختَلِفُ إلى حدِّ التعارض في الآثار والإجراءات.
وما قد يَزِيدُ الأمر تعقيداً، هو تداخل العلوم بين النظامي والمالي والإداري؛ حيث نَجِدُ أنَّ لكلِّ علمٍ مصطلحاتٍ مُرتَبِطَةٍ بكلماتٍ مُعيَّنةٍ، يَستَخْدِمُهَا رجال العلم للدلالة على معنى معروفٍ بينهم، لكنه مُلتَبِسٌ على غيرِهِم.
ومن البديهي، أنَّ علم الأنظمة يَتَدَاخلُ مع جميع العلوم تقريباً؛ بغرض تنظِيمِهَا وضَبْطِهَا ووَضْعِ حدُودِهَا المُجتَمَعِيَّة، والاقتصادية، والأخلاقية، بما يَخْدِمُ مصلحة الدولة والأفراد.
بالتالي؛ نَجِدُ مثلاً أنَّ مصطلحات إدارة الأعمال على صعيد التعثُّر المالي، تَتَشابه بين الخسائر والتعثُّر، ثم الإفلاس والحلِّ والتصفية للشركات، بينما يكون نظام الإفلاس قد حدَّدَ لكلِّ مصطلحٍ من تلك المُشَارِ إليها معنى مرتبطٍ بمرحلة التعثُّر، بحيث تتسبَّب الواقعة المُرتَبِطَة بكلِّ مصطلحٍ بوقوع إجراءاتٍ نظاميةٍ مختلفةٍ على الشركة.
ولتبسيط هذه الإشكالية اللغوية العلمية، نطرح أمثلةً عن مجموعةٍ من مصطلحات التعثُّر المالي التي تُشكِّل مراحِلَ غَرَقِ الشركات:
مظاهر إدارية سلبية: مثل عزل المدير التنفيذي، أو اكتشاف فسادٍ في عمل لجان المراجعة، أو اكتشاف مصالحٍ لدى أعضاء مجلس الإدارة تتعارض مع مصلحة الشركة، وغيرها من الممارسات غير المشروعة.
مظاهر تشغيلية سلبية؛ مثل إغلاق الشركة لبعض فروعها في دولٍ أخرى بسبب ضعف المبيعات الناتج عن سوء التسويق، أو عجز العمَّال في الشركة عن تحريك خط إنتاج مُعيَّنٍ، أو توقُّف خط إنتاجٍ بسبب عدم وجود صيانةٍ، أو هبوط مستوى تصريف المنتجات بسبب انخفاض الطلب، وغيرها من المظاهر السلبية.
ثم بعدها تبدأ مظاهرٌ أكثر خطورةً، وهي:
مظاهر مالية سلبية؛ حيث تنعكس المظاهر السلبية الإدارية والتشغيلية على شكل مظاهر سلبية في البيانات المالية الدورية؛ مثل انخفاض القيمة السوقية لأسهم الشركة في سوق المال بسبب عزل المدير التنفيذي، أو انخفاض التدفقات النقدية بسبب ضعف خط الإنتاج الناتج عن توقُّف الإيرادات القادمة من بيع بضائعٍ معينةٍ قد توقَّف الطلب عليها، وغيرها من الأمثلة.
هذه المظاهر المالية السلبية، تُعتَبَرُ عَامِلَاً جوهرياً في إمكانية دخول الشركة في نفقٍ ماليٍّ مُظلِمٍ، حيث يمكن أن يتلوها المرحلة القادمة، وهي:
ضعف المركز المالي؛ أي عندما نجد مثلاً أنَّ إدارة الشركة تسحب من احتياطيها الإجباري من أجل تغطية خسائرها، أو نجد أنَّ الشركة تتوقَّف عن توزيع أية أرباح سنوية، وتُلغِي بعض مشاريعها الاستراتيجية، وهكذا.
في هذه المرحلة الدقيقة، يمكن للشركة أن تبدأ في الغرق من وجهة النظر النظامية، إذا حدث ما يلي:
إمكانية التعثُّر المالي؛ بسبب انخفاض القدرة على تسديد الالتزامات المالية، ففي حالة وصول الأزمة الإدارية والتشغيلية والمالية إلى درجة إمكانية المساس بحقوق أصحاب الالتزامات والديون على الشركة، هذه المرحلة هي النقطة المفصلية لإمكانية انقلاب أزمة الشركة إلى أزمةٍ نظاميةٍ يحكُمُهَا نظام الإفلاس.
فإذا تمَّ تجاهل إمكانية التعثُّر المالي، قد يؤدِّي ذلك إلى حدوق التعثُّر فعلاً، كما يلي:
التعثُّر المالي القائم؛ وهو بدء حالةٍ قائمةٍ من العجز المالي لدى الشركة عن تسديد التزاماتها وديونها؛ أي توقفها عن السداد مع وجود أصولٍ أو حقوقٍ كافيةٍ لسداد تلك الالتزامات أو الديون.
فمثلاً، إذا وقعت الشركة في دينٍ يساوي مبلغ مليون ريال، وكان رأس مالها شاملاً الأصول المادية والمعنوية والاحتياطيات يساوي مليون ونصف ريال، لكن لا يوجد لديها سيولةٌ في حساباتها و احتياطياتها سوى 700 ألف ريال.
فما يهمُّ المنظم في هذه الحالة، هو واقعة العجز القائم، وهي حالةٌ جِدُّ خطيرةٍ على حقوق المتعامِلِين مع الشركة، أمَّا عن أصول الشركة ومدى قُدرَتِهَا على الخروج من الأزمة، فهي مسألةٌ تخصُّ الشركة ذاتها.
العجز المالي الفعلي؛ وهي الحالة التي تَعنِي عجز الشركة فعلياً عن تسديد التزاماتها أو ديونها بشكلٍ فعليٍّ واقعيٍّ، مع وجود إمكانيةٍ فعليةٍ لديها يمكن أن تُغَطِّي هذا العجز؛ إذا استمرَّ نشاطها خلال مدةٍ معقولةٍ.
فمثلاً، يمكن أن تَقَعَ الشركة في دينٍ يساوي مبلغ مليون ريال، ولا يُساوِي رأس مالها -شامِلاً الأصول المادية والمعنوية والاحتياطيات- سوى 700 ألف ريال، في الوقت الذي يوجد لدى الشركة من الكوادر والخبرات والتجهيزات ما يجعلها قادرةً على تغيير هذا الوضع إلى الأفضل خلال عامٍ واحدٍ.
ففي هذه الحالة، يمكن انتشال الشركة من هذه الأزمة رغم وقوعها في عجز مالي فعلي؛ وذلك مثلاً عبر التسوية الوقائية من الإفلاس التي قد تحتوي على إجراءات إعادة جدولةٍ للديون مع الدائنين، بشرط تقديم عروضٍ ماليةٍ لهم أو حصصٍ في الشركة.
كذلك يمكن إعادة التنظيم المالي كاملاً حتى تأخذ الشركة شكلاً قانونياً مختلفاً برأس مالٍ جديدٍ، كأن تتحوَّل الشركة من شركة ذات مسؤوليةٍ محدودةٍ إلى شركة تضامنٍ بحيث يَزِيدُ ضمان الدائنين لحقوقهم.
كلُّ ذلك خوفاً من الوصول إلى العجز النهائي.
العجز المالي النهائي؛ وهي الحالة المالية الأسوأ، والتي تتحوَّل فيها الشركة إلى مشروعٍ لا يُرتَجَى منه أيُّ أملٍ، ولا يُمكِنُ إنقاذُهُ بأيِّ شكلٍ؛ بسبب ارتفاع نسبة الديون إلى حدودٍ يستحيل معها على الشركة تسديد التزاماتها.
ففي هذه الحالة المالية السيئة، لا يمكن للإدارة أن تَخرُجَ من الأزمة حتى وإن تمَّ مَنحُهَا جدولةً للديون عبر تسويةٍ مع الدائنين، ولا يمكن التأمُّل بتحسُّن مسيرة الشركة حتى وإن تمَّ تغيير شكلها عبر إعادة تنظيمها المالي.
تنشأ هذه الوضعية المالية الكارثية بسبب وصول الديون بالمقارنة مع العجز المالي، إلى مرحلة اللاَّعودة.
ففي هذه الحالة، لا بدَّ على الشركة أن تُسَلِّم للأمر الواقع، وأن تُعْلِنَ إفلاسَهَا، حيث يتمُّ حلُّها وفق إجراءاتٍ قانونيةٍ تضمن تصفية أصولها وموجوداتها على الدائنين وأصحاب الحقوق بشكلٍ عادلٍ.
بالنتيجة، يجب القول بأنَّ الأحلام المالية المُبالَغِ فيها، هي التي تؤدِّي إلى السقوط في حفرة الإفلاس حتى مع وجود إدارةٍ كفءٍ ونزيهةٍ؛ حيث يجب على المبادِرِين -خاصَّةً أصحاب المشاريع الناشئة- أن يُخطِّطوا لشكل المشروع وحجم عملياته التشغيلية بما يَتَنَاسَبُ مع رأس المال والاحتياطيات وقدرتهم على السداد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال