الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في خضم استخدامنا واهتمامنا المتنامي بأجهزة الهاتف الذكية، التي نقضي عليها أوقاتاً طويلة، وتشكل جزء أساسي من حياتنا اليومية، تتطور بجوارنا بهدوء خلال السنوات الماضية أجهزة الحاسب الآلي الشخصية بشكل مذهل، فقد صغر حجمها وازدادت طاقتها و تضاعفت قوتها الحاسوبية، فجهاز الحاسب المحمول لديك اليوم يستطيع إجراء عمليات حاسوبية ضخمة و معقدة تفوق بشكل كبير قدرات بعض الأجهزة الحاسوبية الضخمة خلال العقود الماضية.
ولكن هذه الأجهزة الشخصية رغم كل قدراتها التقنية تبدو كألعاب أطفال أمام الحواسيب المركزية العملاقة (Super Computers) والتي تتفوق على الحواسيب الشخصية بقرابة مليون مرة، إن الحواسيب العملاقة هي اختراعات بشرية ضخمة ومهولة وتساعد في الكثير من مناحي الحياة. ولكن يبدو أن عمرها رغم كل إمكانياتها التقنية لن يدوم طويلاً.
يظن الكثير من المختصين أن هذه الحواسيب العملاقة هي الأخرى في طريقها لأن تصبح كألعاب أطفال أمام الحواسيب الكمية (Quantum Computers) والتي تتفوق بدورها وبمقدار (١٥٨) مليون مرة على الحواسيب العملاقة فما تستطيع حسابه الحواسيب العملاقة في عشرة الاف سنة يتم حسابة خلال أربع دقائق فقط في الحواسيب الكمية، وهذا ما فعلته شركة قوقل عام ٢٠١٩ عندما اعلنت نجاحها في اختبار السيادة الكمية (Quantum Supremacy) .
ما الذي يعنيه ذلك، يعني أنك على سبيل المثال في المستقبل القريب ستقف عاجزاً أن تضع أي كلمة سر او كود حماية على أجهزتك وأنظمتك الآلية، فكل كلمة سر او عبور يمكنك التفكير بها مهما كانت معقدة ستستطيع الحوسبة الكمية كسرها وتجاوزها بكل سهولة وفي لحظاتٍ معدودة .
هذه الطفرة التقنية الهائلة، والتي لا تزال في بداياتها، ستحدث ثورة في كل مناحي الحياة وسنشاهد قفزات علمية هائلة في كل مجال، وستخرج لنا عوالم جديدة من الخير والشر، واظنها واحدة من أهم الثورات العلمية التي ستمر بها البشرية، هذه الثورة العلمية والتي سيستفيد منها قطعاً كل من يستعد لها باكراً بالعديد من المبادرات والتي قد يكون من أهمها:
أولاً: زيادة الإهتمام العلمي والبحثي في مجالات الفيزياء الكمية
هذه الثورات الحاسوبية ترتبط ارتباطاُ وثيقاً بتطور علم الفيزياء الكمية، بدون علماء متخصصين وكليات جامعية متقدمة و عقول فيزيائية متميزة وقادرة على البحث والتطوير، سيكون من الصعب المنافسة في كافة مجالات الحوسبة الكمية، نحتاج إلى طلاب وأساتذة عباقرة في هذا المجال، وأن توفر لهم الوظائف البحثية المجزية. بالإضافة إلى التوسع في عقد الشراكات مع كل مراكز الأبحاث والجامعات المتخصصة والباحثين في كل أنحاء العالم.
ثانيا:الاستثمار في بناء الحواسيب الكمية العملاقة
أن بناء الحواسيب الكمية العملاقة هو رحلة وليس مشروع، نحتاج الى سنوات من تضافر جهود القطاعين العام والخاص في بناء الحواسيب الكمية العملاقة بكافة مكوناتها التقنية المعقدة و خوارزمياتها المتقدمة لدعم تقدمنا التقني في مجالات الحماية، والابتكار، والأمن السيبراني والاقتصاد عموماً، هذه الحواسيب الكمية حال بناؤها قد تمضي بنا باكراً للوصول إلى مستويات غير مسبوقة من السيادة الكمية.
ثالثاً: التركيز على مجالات النفع المباشر من الحوسبة الكمية
تستطيه الحوسبة الكمية، ان تحل مشاكل اقتصادية بالغة التعقيد مثل شبكات الامداد، و تصميم المدن، وتخفيض التكاليف، والمساهمة في حل القضايا الاجتماعية، كالقضاء على الفقر مثلا، أو في المجالات الطبية و صناعات الادوية، فضلاً عن الصناعة والتعدين والزراعة وقس على ذلك، ما نحتاجه في هذا البحر المتلاطم هو التركيز على القضايا ذات الأولوية، التي تمكننا من خلق القيمة المضافة الأفضل لنا وللعالم اجمع. مع الحرص على الاستثمار وتمويل و تشجيع الأبحاث العلمية والاكتشافات في هذه المجال و شراء الشركات الناشئة التي ستتملك هذه التقنيات في مرحلة مبكرة.
رابعاً: لا يفل “الحوسبة الكمية” إلا “الحوسبة الكمية”.. الحماية أولاً
مع تطور تقنيات الحوسبة الكمية، يجب أن تتطور تقنيات الحماية والأمن السيبراني الكمية ، فعندما تتوفر تقنية حوسبة كمية لكسر كلمات الحماية العادية، يجب ان تسبقها تقنية حوسبة كمية لكتابة كلمات الحماية، وقبل ان يصبح من الممكن كسر التشفير للاتصالات والبيانات بالحوسبة الكمية ، يجب ان يسبق ذلك صناعة كاملة من التشفير بالحوسبة الكمية.
وختاماً، تشير بعض الأبحاث العلمية الحديثة إلى أن العقل البشري هو جهاز حوسبة كمية بذاته ولكنه جهاز متقدم جداً.. فهل ستملك الآلة ذات يوم، عقلاً كمياً يقترب من قدرات عقول البشر؟…. من يدري ربما يحدث ذلك يوماً ما.. والله اعلم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال