الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تأتي قواعد نظام المنافسات والمشتريات العامة بغرضٍ أساسيٍّ هو حماية المال العام من الهدر، الأمر الذي يُوجِبُ دراسةَ كلِّ عملية شراءٍ من الجهات العامة بعنايةٍ، واستجرار عروضٍ كافيةٍ بمواصفاتٍ فنيةٍ وماليةٍ قياسيةٍ؛ ذلك بغرض تحصيل أفضل عرض شراءٍ بأقلِّ سعرٍ ممكنٍ.
لكن عملية استجرار العروض ودراسَتِهَا وفَرزِهَا، ثم اختيار أنسبها للتوقيع مع صاحب العرض، تتطلَّب وقتاً وجُهداً كبيراً، فيما تحمل بعض عمليات الشراء طبيعةٍ خاصَّةٍ بموردٍ وحيدٍ مثلا أو طبيعةٍ مستعجلةٍ بحيث لا يمكن للجهة العامة الانتظار لإتمام كلِّ هذه الإجراءات.
بناءً عليه، فإنَّ نظام المشتريات العامة ينصُّ عادةً على حالاتٍ استثنائيةٍ تَسمَحُ للجهة العامة بالتعاقد المباشر بغرض الشراء دون مناقصةٍ لكن بشروطٍ مُحدَّدةٍ في النظام.
وقد أخذت الأنظمة والقوانين على وضعِ حدٍّ قِيَميٍّ أعلى للتعاقد المباشر من الجهات العامة؛ أي أنَّ النظام في هذه الحالة يَسمَحُ لهذه الجهات بالشراء تحت سقف مبلغٍ ماليٍّ مُعيَّنٍّ لا يجوز تجاوُزُهُ.
وقد كان نظام المنافسات والمشتريات الحكومية السعودي القديم لعام 1427 هـ ينصُّ على هذا الحدِّ، حيث سَمَحَ للجهات العامة بالشراء المباشر وفق الشروط المرتبطة بالحدِّ القِيَميِّ الأعلى كما يلي:
* الشراء بما لا يتجاوز (1) مليون ريال سعودي: هنا يجب توفُّر عنصر الاستعجال (م/44 النظام القديم)، يتم البت بالشراء بقرار من الوزير، على أن يتمَّ تقديم (3) ثلاثة عروض على الأقل، وألاَّ تتجاوز التكاليف السعر السائد في السوق (م45 – أ + ب النظام القديم).
* الشراء بما لا يتجاوز (500) خمسمائة ألف ريال: في هذه الحالة يمكن للوزير التفويض بصلاحية البتِّ بعملية الشراء المباشر (م45 – ب النظام القديم).
* الشراء بما لا يتجاوز (30) ثلاثين ألف ريال: هنا يكون للجهة الحكومية الشراء بالأسلوب الذي تراه مناسباً (م45 – ج النظام القديم).
أمَّا في قانون المناقصات الكويتي رقم 49/2016، فقد أتاح القانون للجهات العامة أن تقوم بالشراء المباشر دون أخذ إذن الجهاز المركزي للمناقصات العامة في إطار حدٍّ قِيَميٍّ أعلى يبلغ 75 ألف دينار كويتي (حوالي 900 ألف ريال سعودي)، في ظلِّ تعاميم وزارة المالية التي تُقيِّد أيضاً حالات هذا الشراء (م/19-1)، أمَّا في حالة الضرورة القصوى والاستعجال المفاجئ، فيمكن للجهة العامة أن تتجاوز هذا المبلغ المُحدَّد بشرط إخطار الجهاز بالإجراءات الأولية، ويكون على هذا الجهاز البتُّ الفوري بعملية الشراء المستعجلة (م/19-2).
بالتالي، فإنَّ النظام السعودي القديم والقانون الكويتي قد اعتمدا بخصوص الشراء المباشر على منهجيةٍ ماليةٍ قِيَميةٍ مُرتَبِطَةٍ بفكرة الاستعجال بغضِّ النظر عن مدى أهمية عملية الشراء من جهةٍ، وعن إمكانية تغيُّر قيم الشراء بتغيُّر الأسعار العالمية من جهةٍ أخرى.
بناءً عليه، فقد تجاوز نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الجديد لعام 1440ه منهجية الحد القِيَمي الأعلى وطبيعة الاستعجال في الشراء المباشر، فلم يعدْ مبلغ الشراء هو الفيصل في أسلوب الشراء أو تحديد صلاحية البتِّ فيه، بل اعتمد النظام الجديد على منهجية تعتمد على التقييم النوعي لعملية الشراء.
أي أنَّ نوع العملية هو الذي يُحدِّد إمكانية تنفيذها عبر الشراء المباشر بغضِّ النظر عن قيمتها.
حيث أتاح النظام الجديد للجهات العامة (م/32 النظام الجديد):
* الشراء المباشر الآني دون حدٍّ قِيَميٍّ أعلى في حالاتٍ حصريةٍ، كأن تكون المشتريات غير متوفِّرة إلاَّ لدى مُورِّدٍ واحدٍ فقط دون بديلٍ مقبولٍ (م/32-2)، أو إذا كانت هذه المشتريات مُتوفِّرةً لدى جمعيةٍ أهليةٍ غير ربحيةٍ (م/32-5). أمَّا إذا كان الشراء يأخذ شكل الشراء الموحَّد بموجب اتفاقيةٍ إطاريةٍ مُستمرَّةٍ مثلاً، فهنا تتغيَّر القواعد، ويكون للحدِّ القيمي أثره (راجع المادتين 14 + 15 النظام الجديد).
* الشراء المباشر بغضِّ النظر عن الطبيعة المستعجلة للعملية، على خلاف الشراء الموحَّد (راجع مواد الشراء الموحد السابقة).
* الحالات الطارئة (م/32-6)، كما حَدَثَ مع أزمة كوفيد-19 ومشتَرَيَاتِهَا الطارئة من مُعقِّمَاتٍ وكمَّاماتٍ وخلافه، وهي حالةٌ فرعيةٌ ما زالت تخضع لمعيار الاستعجال.
* الشراء المباشر بما لا يتجاوز 100 ألف ريال، وتكون الأولوية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة المحلية (م/32-3)، وهي الحالة الفرعية الوحيدة التي ما زالت تخضع لحدٍّ قِيَميٍّ أعلى.
بالتالي، يمكن القول بأنَّ موقف النظام الجديد شبه متكاملٍ في إطار استيعاب الحلات النوعية للشراء المباشر الآني، وتمييزه عن الشراء الموحَّد المستمرِّ تحت مظلة اتفاقية إطارية، كما أنَّ النظام الجديد استَوعَبَ فكرة الاستعجال والحد القِيَميِّ البسيط ونظَّمهما في إطار قواعدٍ فرعيةٍ.
لكن يبقى حُسن تطبيق النظام الجديد رهناً بمدى حُسن تقدير الجهات العامة المشترية للثقة والمسؤولية التي مَنَحَهَا النظام لها، واستيعاب هذه الجهات لفكرة الشراء النوعي واحترام شروطه، الأمر الذي يفرض ضرورة الحرص على المال العام وعدم تنفيذ عمليات شراءٍ تؤدِّي إلى هدره وتبديده.
هذا الأمر يحتاج إلى نشر ثقافة الحوكمة الصارمة في الجهات العامة، جنباً إلى جنب مع منحها الصلاحيات اللامركزية في الشراء المباشر.
حيث إنَّ آلية الشراء المباشر -كما وردت في النظام الجديد- يمكن أن تؤدِّي -في حال حُسن استخدامها- إلى تحقيق نقلةٍ نوعيةٍ في الخدمات الحكومية بسبب منح الجهات العامة القدرة على الشراء من مُورِّدٍ حصريٍّ لأية سلعةٍ أو خدمةٍ؛ حيث يكون هؤلاء المورِّدين على مستوى عالميٍّ واستثنائيٍّ من الكفاءة والجودة والفَرَادة؛ الأمر الذي يَسمَحُ بتمرير هذه المعايير إلى الخدمات الحكومية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال