الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعدّ خروج المريض من المستشفى أو الإذن له أمر محفوف بالمخاطر. وقد يكون الهدف من الإذن له بالخروج هو استقبال مريض آخر أو تقليل التكاليف. وعلى أي حال، فيجب على الطبيب أن يشرح للمريض التعليمات والإرشادات التي ينبغي أخذها في الاعتبار، والأفضل أن يكتبها له. مثل: موعد المراجعة، الاحتياطات التي يجب مراعاتها، وسيلة تواصل أو اتصال بالطبيب، الأطعمة التي يتناولها والتي عليه تجنبها، السفر وصعود الطائرة أو صعود الدرج، ومخاطر الحمية أو الحمل إلى غير ذلك.
في الولايات المتحدة الأمريكية رُفعت قضية إهمال في قضية (دوان ضد جريفيث) حين أُدخل مصاب بحادث إلى مستشفى لإصابات وكسور في عظام وجهه. وبعد خروج المريض من المستشفى بمدّة، اكتشف المريض أن عليه علاج الكسور التي في وجهه، حيث لم ينبهه الطبيب إلى حاجته إلى زيارة طبيب أخصائي لإعادة تنظيم عظام وجهه قبل أن تلتحم العظام. ونتيجة لذلك تشوه وجهه.
وقد أثبتت شهادة الخبير الطبي – عند رفع دعوى – أن علاج وجه المريض وتداركه كان أمراً ممكناً لو نبه الطبيب إلى ذلك. لذا رأت المحكمة تقصير الطبيب في عدم تقديم إرشادات للمريض وأن ما حصل من تشوه له قد تسبب فيه الطبيب.
وفي قضية Truan v. Smith أهمل الطبيب متابعة مريض بعد خروجه من المستشفى فحكمت المحكمة العليا لصالح المدعين ضد الطبيب بسبب الأضرار التي يُزعم أنها كانت نتيجة سوء ممارسته الطبية عند تشخيص وعلاج سرطان الثدي. فالمريضة أخبرت الطبيب في فبراير 1974 عن تغيّر في حجم وملمس ثديها الأيسر وتغيراً في اللون وألماً عند الضغط.
إلا أن الطبيب لم يفحص الثدي ثم بعد شهر أبلغته مرة ثانية بتلك الأعراض وأنها لا تزال تشكو منها وتشعر بقلق إزاءها فأرشدها فقط إلى أن تراقب ثديها لمدة شهر، ثم ضرب لها موعداً بعد شهر ثم شهر آخر وهي تشكو من زيادة الألم حتى أُدخلت المستشفى لأن التشخيص أظهر وجود ورم خبيث في ثديها مما تطلّب استئصاله. وقد أفاد الخبراء بأن الكتلة قد كانت ملموسة قبل سبعة أشهر من الاستئصال وأن على الطبيب من الزيارة الأولى فحصها والمتابعة معها. وتوفيت المريضة قبل انتهاء المحاكمة، وقد رأت المحكمة العليا أن الأدلة كافية في أن الطبيب مذنب لسوء تصرفه في عدم إبلاغ مريضته بأن السرطان كان سببًا محتملاً لشكواها وعدم بذل أي جهد لرؤية المريضه بعد خروجها من عنده أول مرة.
وفي قضية المريض داوني ضد أطباء الباطنة بجامعة سانت لويس، حيث دخل المستشفى في ديسمبر عام 1996 وأظهرت الأشعة السينية على الصدر عدم استبعاد وجود ورم. وأشار تقرير الأشعة إلى إمكان إجراء فحص بالأشعة المقطعية. إلا أن الأطباء لم يطلبوا المزيد من الاختبارات أو التقييمات. لذا رأت هيئة المحلفين أن المريض المتوفى كان لديه فرصة حقيقية للنجاة من مرض السرطان وأن فرصته في البقاء على قيد الحياة ضاعت نتيجة الإهمال الطبي. ومع ذلك، لم تحكم هيئة المحلفين بتعويضات عن الضرر الذي لحق بالمريض. إلا أن محكمة استئناف ميسوري وجدت أن الحكم بعدم التعويض عن الضرر غير متسق مع الأدلة فأعادوا القضية لمحاكمة جديدة.
ويضيف المستشار منير رياض حنا في كتابه “الأخطاء الطبية” بأن الطبيب يقع على عاتقه متابعة المرض كلما لزم الأمر لتفادي ما يمكن أن يترتب على العملية من نتائج ومضاعفات. وعلى الجراح أن يتأكد بنفسه من أن إجراءات العناية والرعاية بعد العملية تسير على خير وجه، حتى لو تطلب ذلك عمل أشعة لمزيد من الرقابة والاطمئنان، خاصة إذا كانت العملية الجراحية هامة وغاية في الخطورة مع احتمال فشلها لأي إهمال. وأن الطبيب مسؤول حين يعلم أن مريضه سيخرج من بيته وسيسافر بالطائرة أو على سيارة وأن بيته في الطابق الأرضي أو العاشر ثم لا يوصيه بوصايا تحفظ حياته أو تؤخر شفاءه، فكل ذلك مما ينبغي على الطبيب تنبيه مريضه إلى المخاطر المتوقعة وأن ينصحه بما يتناسب مع الحال. ويتحمل الطبيب أي إهمال ينتج عن تقاعسه في إخبار مريضه عن فعل ما يجب أو تركه. ويعد مسؤولاً إذا أهمل متابعة الحالة بنفسه أو أوكلها إلى غيره سواء إلى طبيب آخر أو إلى أهل المريض وذويه.
ويحكي عن قضية كان ضحيتها إحدى الراقصات جاءت إلى طبيب لتجري عملية تجميل للنهدين لجعلهما أكثر تماسكاً. وبعد العملية ورغم أن المريضة كانت متعبة بصورة ظاهرة إلا ان الطبيب استدعى شقيقتها وطلب منها أن تنقلها إلى منزلها. ومع أن الأخت قد لاحظت اصفرار وجه أختها وهزالها وعجزها عن الكلام، إلا أن الطبيب طمأنها بأن ذلك مجرد حساسية من تأثير المخدر وبعض الأدوية التي تناولتها بعد العملية. فحملتها شقيقتها إلى منزلها بصعوبة، وبعد الوصول لاحظت أن حالتها تزداد سوءً فاتصلت بالجراح هاتفياً بيدَ أنه طمأنها مرة أخرى بأن لا تقلق وكلفها بأن تقيس حرارتها وتخبره بعد ساعات. مما اضطرها إلى الاتصال بطبيب آخر للمجيء وفحص أختها في الحال ، بيد أن الموت كان أسرع وصولاً إلى المريضة. وقد أُخذ على الجراح رعونته في إخراج المريضة إلى بيتها رغم سوء حالتها، ثم عدم مسارعته بزيارتها رغم الاتصال به، واعتبر القضاء ذلك خطأ جسيماً.
ويرى المستشار بأن الطبيب يمكنه نفي الخطأ عنه بأن الإهمال ناتج من المريض نفسه بعدم اتباع الارشادات أو عدم التزامه بسداد التكاليف أو أنه استعان بطبيب آخر. وعلى أي حال، لا يمكنه التنصّل من المسؤولية إذا ترك مريضاً في ظروف صعبة. وأن عليه إذا رأى أن المريض لا تسمح حالته بتلقي العلاج في منزله أن ينصحه بالبقاء في المستشفى.
وكما رأينا فإن التزام الطيب تجاه مريضه هو التزام بذل عناية لأنه غير مسؤول عن تحقق الشفاء، لذا فهو يُسأل فقط عن مدى بذله للأمور المهنية المتعارف عليها تجاه المريض سواء كان مبنى ذلك على التعاقد بينهما أو وفقا لما ينص عليه قانون البلد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال