الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يوجد مصطلح رائج وهو أن “البيانات هي النفط الجديد في العالم”، وذلك لأن الاقتصاد الرقمي أصبح ذا كيانات اقتصادية تتطور وتتزايد أرباح شركاته بقدر ما تحصل وتستحوذ على بيانات جديدة.
ولذلك، أصبحنا نجد أن الأسهم الأعلى قيمة اليوم في أسواق المال هي لشركات تقنية عالمية كبرى، تتعامل في مجال البيانات، ومنها الشركات التي تسيطر على محركات البحث في شبكة الإنترنت، أو شركات تطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي، أو التسوق الرقمي. ومن جهة أخرى، قد تلجأ بعض الشركات للقيام بعمليات شراء البيانات وبيعها (أحياناً بطرق غير قانونية) للحصول والاستفادة القصوى من تلك البيانات من أجل تحقيق أعلى الإيرادات.
وكل حين وأخر، يصلني أحد الإيميلات، على درجة عالية من الجودة والدقة، من إحدى شركات التقنية العالمية الكبرى، والتي تتضمن تطبيقاتها تقنيات الخرائط والمواقع حول العالم.
وهذا الإيميل التفصيلي يتضمن تقرير شامل لجميع الدول والمدن والأماكن التي قمت بزيارتها، طيلة السنوات الماضية منذ ان بدأت في اقتناء جوالي المحمول المتصل بالإنترنت، وهو ما يُعرف بمصطلح “كافة بياناتك” أو Your All Time Data (مرفق مع المقال صور توضيحية).
وبالرغم من أني لم أطلب هذا التقرير مسبقاً، إلا أنه يصلني بانتظام بالإيميل، مع إمكانية إرسال طلب إلى الشركة بعدم إرساله لي مستقبلاً.
وتفاصيل التقرير لا تكتفي فقط بذكر عدد واسماء الدول والمدن التي زرتها، ولكن يتضمن التقرير عدد الكيلومترات وعدد الساعات الإجمالية التي قُدت بها سيارتي، والتي قطعتها سيراً على الأقدام، كما يتضمن كذلك أسماء المجمعات والمطاعم التجارية التي قمت بزيارتها خلال الفترة المشمولة في التقرير. وليس هذا فحسب، بل يسرد التقرير نسبة زياراتي حول العالم أجمع، خلال العام الحالي 2022.
ويوجد في أسفل الإيميل طلب تقييم لهذا التقرير من خلال ثلاثة وجوه، وهي وجه مبتسم ووجه حيادي ووجه منزعج، ومطلوب مني أن اختار أحد هذه الوجوه الثلاثة للتقييم..
وقبل الإجابة على ذلك التقييم، جلست أفكر….
إن الاحتفاظ بالخصوصية في عصر التقنيات قد يكون من المحال، بدءاً بالمعلومات التي يتم إدخالها واستخدامها من خلال تطبيقات المواقع والخرائط، ومعلومات التسوق في المتاجر الإلكترونية، والبيانات المدخلة في منصات التواصل الاجتماعي أو برامج المحادثات النصية والصوتية والمرئية.. حتى في حال لم يلق ذلك القبول لدى البعض.
ولا شك أن موافقة المستخدمين على “سياسة الخصوصية” في كافة التطبيقات والمنصات، قد تخلي المسئولية عن تلك التطبيقات، وذلك لأن من يقرأ تلك السياسات يجد أنها تتضمن شروط مشاركة البيانات التي يقوم التطبيق بجمعها، ونصوص توضح لماذا يقوم التطبيق بجمع تلك البيانات، وكذلك طرق الحفاظ على أمان البيانات.
وفي إحدى تلك التطبيقات، كمثال، تتضمن السياسة وجود الجملة التالية: “عند استخدام خدماتنا، فإنك تأتمننا على معلوماتك. نحن ندرك أن هذه مسئولية كبيرة ونعمل بجدية لحماية معلوماتك ونمنحك التحكم فيها”.
ولذلك فقد تساءلت مع نفسي.. “إذا كنت أنا التي تشارك التطبيقات الرقمية بجميع تلك المعلومات من خلال اتصالي بالانترنت بشكل يومي، فكيف لي أن أتذمر أو أعترض، حين تُعرض علي نفس تلك البيانات لاحقاً من خلال هذه التطبيقات..؟”
والأن نعود للتقييم ولخيارات الوجوه الثلاثة…….
الخيار الأول وهو الوجه المبتسم…. هو أحد الخيارات المحتملة للانتقاء، ولا أستطيع تجاوزه، نظراً لدقة التقرير والذي ولا شك أنه استهلك وقتاً وجهداً وتدقيقاً كبيراً من مطوري التطبيق خلال جمع وعرض البيانات بدقة، وكذلك التصميم الإبداعي من خلال الرسوم البيانية الواضحة والمُعبرة أثناء عرض هذه البيانات بشكل بسيط. فهذا التقرير وبلا شك مُتقن إلى أعلى درجة.
والخيار الثاني، وهو الوجه الحيادي، قررت استبعاده كخيار لأنه لا يعكس أي انطباع تجاه التقرير.
وأما الخيار الثالث، وهو الوجه المنزعج، فهو الأكثر قرباً للواقع لأنه يعكس الشعور بالتذمر من وجود الرقابة الالكترونية الدولية على حياتي الشخصية… ولكن عند قبولي لسياسات تلك التطبيقات ومنحها حق الوجود واستخدامها من خلال هاتفي، فقد لا يحق لي إذن أن أتذمر أو أن اختار الوجه المنزعج للتقييم… أليس كذلك..؟
لا شك، أن هناك من يوافق وهناك من يعترض… والسؤال المتبقي هو… إذا كان يصلك ذلك التقرير…. فأي وجه سوف تختار….؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال