الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل الازمة الاقتصادية العالمية، نجد ان الكثير من الأشخاص يعملون جاهدين لزيادة دخلهم الشهري من خلال إيجاد مصادر دخل اخرى. وهذا ما دفع احد الاشخاص الى الدخول الى احد المواقع الخدمية ليبحث فيها عن شريك لانشاء مكتب استشارات ادارية. ونظرا لضعف رأس المال الذي لدى هذا الشخص، كان من ضمن شروطه التي يناقشها مع الشركاء المحتملين الذي وجدهم عن طريق مواقع الخدمات العامة، هو المشاركة في رأس المال لتأسيس الشركة.
المثير للاهتمام، ان كثيرا من الاشخاص الذي قابلهم كانوا يشتركون في المواصفات التالية:مستعدين لدفع جزء من رأس المال، هم اشخاص ممنوعين من ممارسة العمل الخاص، معظمهم يرغبون في إنشاء شركة محاصة غير معلنة. والمثير للاهتمام أكثر، ان صاحبنا المستشار اداري، كلما طلب ضمانات من هؤلاء الأشخاص لضمان حقه قبل إنشاء شركة المحاصة، يفرشون له الارض ورداً بوعود واهية، مثلما حصل مع احد المرشحين للشراكة.
أحد المرشحين، عرض عليه مبلغ ليس بالهين لتأسيس المكتب، مع توفير التسهيلات من خلال علاقاته المنتشرة في جميع القطاعات و نفوذه، بشرط عدم ذكر اسمه بأي شكل من الاشكال في السجل التجاري او في اي نشاط من انشطة المكتب بحجة رغبته باخفاء اسمه بسبب وظيفته ومركزه.
المستشار الاداري هنا تقدم بطلب الاستشارة القانونية قبل البدء بإجراءات الشراكة، وبناء عليها بدأ بالتفاوض بشكل جاد مع المرشح الاخير ووضع شرط قبل إنشاء شركة المحاصة لضمان جدية الشريك في العمل مع ضمان حق المستشار الإداري بعدم توريطه بمشكلات قانونية مستقبلية.
كان الشرط هو إدراج اسم أحد أفراد أسرة المرشح في السجل التجاري مع المستشار. قبل المرشح هذا الشرط بكل سرور و وعد المستشار بتنفيذ هذا الوعد و تسجيل اسم زوجته في السجل التجاري عند الوصول لهذه المرحلة. ليكتشف المستشار بعدها بيوم، ان المرشح الاخير للشراكة قام بحظر رقم المستشار الهاتفي، واختفاء حساب المرشح من موقع الخدمات. هنا يضع نصب عينينا تساؤل كبير حول وضع شركات المحاصة في القانون بشكل عام و القانون السعودي بشكل خاص. حيث انها حاليا، ليس هناك اعتراف بها من الناحية التجارية في الجهات المعنية، ولكنها رائجة بشكل كبير في السوق التجاري.
نعلم ان شركات المحاصة هي شركات مستترة تستخدم في الماضي بكثرة من اجل جذب الاستثمار الاجنبي. من اكثر الدول التي استغلت هذا النوع من الشركات هي الصين من اجل جذب الاستثمار الامريكي لديارها وجعلها الدولة الاولى للمستثمرين الامريكيين والاوربيين لبناء مصانعهم وانتاج منتجاتهم بأسعار رخيصة في ظل الفراغ التشريع التي كانت تعاني منه الصين انذاك. وبالتالي، كان المستثمرين الأمريكيين يحبذون الدخول مع الشركات الصينية في عقود شركات محاصة لان النظام لديهم كان هش لدرجة ان العقوبات على التجاوزات القانونية ليس كبيرا كما هو في امريكا.
وبالتالي، ولكي نكون منصفين، وجود شركات المحاصة ليس سيئاً في ظل وجود تنظيم وتشريع يحكمها من الناحية التجارية ومن الناحية الجنائية خاصة فيما يتعلق بالجرائم الاقتصادية والفساد المالي و الاحتيال المالي. ولكن وجودها في ظل الفراغ التشريعي يعتبر كارثة وطنية تهدد الامن الوطني والاقتصادي و القانوني، وهذا ما ادركته الصين في الثمانينات من القرن الماضي.
فالسؤال هنا ليس خطر عدم تنظيم شركات المحاصة على الامن الوطني لانه موضوع متشعب بشكل كبير جدا لا يسع الحديث عنه في مقال. ولكن السؤال بشكل أضيق هو كيف يمكن ان تستغل شركات المحاصة لارتكاب الجرائم الاقتصادية والمالية والفساد الاداري والمالي.
نجد ان شركات المحاصة للأسف تم استغلالها بشكل سلبي من قبل بعض الأشخاص ذوي النفوذ في قطاعات الدولة، وبالتالي يتم الدخول في عقود محاصة مستترة لا يعلم عنها احد سوى الشركاء تحت مظلة شركة معترف بها مثل الشركات ذات المسؤولية المحدودة، للعمل في نشاط يتعلق بالدولة. وجود شركة المحاصة والتي يكون احد الشركاء فيها من ذوي النفوذ في قطاعات الدولة، يكون بهدف تسهيل الدخول في المشاريع الحكومية بشكل سلس وبعيدا عن وجود اي شبهة فساد متعلقة بالشركاء في شركة المحاصة. لذلك، نجد مثل في بريطانيا، بموجب قانون الرشوة لعام 2010، فإن الجريمة الرئيسية للشركات تم تنظيمها في القسم 7 تحت عنوان “الفشل في منع الجريمة”.
نصت هذه المادة أن ستكون المنظمة التجارية عرضة للمقاضاة إذا قام شخص مرتبط بها بشكل مباشر او غير مباشر برشوة شخص آخر، بقصد الحصول على ميزة تجارية أو تجارية أو الاحتفاظ بها لتلك المؤسسة التجارية، يتم مسائلته ومقاضاته. و وضح هذا الفصل أيضا، نوع الشريك، حيث انه لم يعتد فقط بالشريك المسجل في سجل تجاري، وانما شمل ايضا الشركاء في شركات المحاصة او اي طرف ثالث له علاقة بتقديم خدمات للشريك بشركة المحاصة او وجود نية لارتكاب هذا الفعل. وعند الحديث بالطبع عن جريمة الرشوة، فلايخفى على قانوني ان جريمة الرشوة ليست فقط دفع مال مقابل عمل وإنما هي الحصول على مصلحة شخصية بمقابل بغض النظر عن نوع المقابل الذي سيتحصله الشخص.
مثال اخر، مثل جريمة التستر، نجد ان المملكة العربية السعودية تعمل جاهدة للقضاء على التستر التجاري، ولكن المشكلة الاكبر، هي اين تكمن بذرة التستر التجاري؟ غالبا، البذرة هي وجود شركات محاصة ليس لها إطار قانوني يسيطر عليها ومنع استغلالها بشكل غير مشروع. تستخدم ايضا شركات المحاصة من اجل ارتكاب عمليات الاحتيال المالي وغسل الاموال، خصوصا ان الاموال هنا يتم تنظيفها بشكل لا يشوبه اية غبار تحت مظلة الشركة الاساسية التي تندرج تحتها شركة المحاصة. شركة المحاصة لا تخضع للرقابة المحاسبية إلا في حال عين الشركاء محاسبين قانونين من أجل توزيع الحصص والأرباح وغيرها بشكل نزيه بعيدا عن التلاعب بالأرقام.
في الختام، هذا المقال يهدف الى إلقاء الضوء على ضرورة النظر في الوضع التشريعي لعمل شركات المحاصة. كون له لا يمكن تسجيلها في الجهات ذات العلاقة، لا يعني عدم وجودها. بل على العكس، شركات المحاصة منتشرة، وهذا يعني ان الانتشار يعني أهميتها اقتصاديا. وهذا يقودنا الى مبدأ تشريعي، انه لابد من رسم اطار قانوني يضمن لكل من يدخل في شركة محاصة عدم تعرضه للاحتيال المالي، او استغلال اسمه لعمليات التستر التجاري و غسل الاموال، او استخدامها من اجل ارتكاب جرائم الفساد المالي و الاداري. في حال وصلنا الى هذه المرحلة، ستعتبر شركات المحاصة من اكثر الشركات التي ستكون جاذبة للاستثمار الأجنبي والذي بإعتقادي سيرجع بفائدة نقل المعرفة وتوطين الصناعات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال