3666 144 055
[email protected]
يدخل الاقتصاد الأمريكي منعطفا حرجا نتيجة إيمانه بأن اقتصاد الغد مختلف تماما عما يعيشه اليوم بسبب نوعية التحديات القادمة التي لا يعرف شكلها ولا آثارها على وجه الدقة، وتباعا سوف تخرج هذه القوة العظمى من انغماسها في تحديات الاقتصاد الحالي المشغول بأمور هي إشارات تدل بأن مرحلته في أفول.
الأحداث الأخيرة كالوباء وأزمة الطاقة والحرب في أوكرانيا والآثار المستمرة من تغير المناخ واضطرابات سلاسل الإمدادات، هي ضمن مجموعة من الإشارات الدالة على أن زمن الاقتصاد الحالي في أيامه الأخيرة، ولكن ثورة التكنولوجيا تواصل قفزاتها الواسعة بوتيرة سريعة، وهذا يستدعي الاستجابة لها من خلال تنظيم بيئة اقتصادية مناسبة للاستفادة مما يحصل من تطور، والذي سيكون المسؤول عن تحديد المراكز الريادية في الابتكار والسيطرة على مستوى العالم.
إلا أن الولايات المتحدة تعيش ضمن مشهد معقد ومتعدد الأقطاب بشكل مقلق لها، خاصة بسبب التصاعد الاستراتيجي للصين الذي خرج من بوتقة التقليد نحو المحاكاة، واليوم يصنع بوتقته الابتكارية الخاصة به، بعد أن سعى في هدوء إلى بناء قدراته في العلوم والتكنولوجيا والابتكار لمنافسة الولايات المتحدة تحديدا، ويسعى لكتابة قواعد اقتصاد العالم القادم لصالحه، كما أن هناك العديد من الدول الأخرى – خارج القارة الأوروبية التي تحتضر وقد تنبهت بريطانيا لهذه الاحتمالية القوية وخرجت من محيطها الاقتصادي في وقت مبكر – تسعى إلى الاستفادة من الابتكارات التي تغير قواعد اللعبة والتي يمكن أن تنشأ في أي مكان، فقد ظهرت هذه الدول في وقت ركزت فيه الولايات المتحدة على النزاعات هنا وهناك، والمكاسب النقدية السريعة من خلال تهجير الصناعة منها إلى دول أخرى، مما تسبب في تعرض قدرتها في العلوم والتكنولوجيا للتآكل ببطء.
لكن ما يميز الاقتصاد الأمريكي المقدر في حدود 20 تريليون دولار هو عدد سكانه غني التنوع والمشارب الذي يزيد على 330 مليون شخص، والذي يعتبر حاضنة ثرية جدا للأفكار، ومع التفكير بشكل مختلف في مسألة الابتكار، وبقواعد عقلية مختلفة جذريًا والمدعومة بحافز متطلبات المنافسة والفوز والسيطرة، ومن خلال تعزيز نهج “كل الأمة”، ستنجح الولايات المتحدة حاليا على إعادة تصميم النظام البيئي للابتكار، خاصة في ظل الحوارات العميقة لعلمائها في شتى المجالات وبتفكير جماعي حول كيفية تمكنها أن تبتكر وتتفوق، بغرض هدف واحد وهو زيادة الابتكار في الولايات المتحدة بمقدار عشرة أضعاف عن الوضع اليوم، وقد قدمت 50 توصية محددة لتحقيق هذا الهدف، وقد بدأ العمل في هذا التوجه بالفعل.
ما سيدعم نجاح القرار الأمريكي في إعادة اختراع اقتصاده من جديد هو قدرته الجريئة في ترجمة الاستراتيجيات إلى سياسات وتشريعات ودعم التنفيذ بالموارد المالية والكفاءات القيادية بتجرد تام وبعيدا عن أي اعتبارات أخرى، فحياة الأجيال القادمة في المستقبل والتأثير الجيوسياسي على المسرح العالمي هما التحدي الحقيقي في عالم ديناميكي لن يعرف الثبات – إلى حد كبير – كما كان في السابق.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734