الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ماذا لو أن المنظمات تعتمد على كفاءة وأداء الموظف وإنتاجيته من خلال التزامه بمستوى معين من المهام والأعمال دون الحاجة إلى إثبات حضوره بالتوقيع أو البصمة لكن في المقابل يلتزم بالإنتاجية وفق مهام محددة فما هي الآثار الوظيفية والاقتصادية المترتبة على ذلك؟.
يقضي معظم الموظفين أوقات الدوام الرسمي بعد إنجاز أعمالهم في فراغ شبه تام وخاصة خلال الساعات الأخيرة التي تكاد تخلو من الأعمال وتواجدهم يكون فقط لإثبات الانصراف وبالنظر إلى جدية هذا الأمر لا يزال خيار الحضور الشكلي أهم استراتيجيات الأداء الوظيفي في الكثير من المنظمات حول العالم.
تختلف نظريات ومدارس الفكر الإداري في عمليات تقييم أداء الموظفين والتي في غالبها تعزل الأبعاد الاقتصادية ومحاسبة التكاليف وتستند عمليا على الكم الحضوري بدلا من الكم الإنتاجي، هذا الأمر أخذ أبعادا جدلية بين التأييد والمعارضة سواء كان ذلك من قبل النظريات الإدارية أو فلسفة المنظمات أو حتى الموظفون أنفسهم.
إن ثقافة الحضور الشكلي في الغالب توسع الهوة بين الأداء المطلوب والتقصير فالموظف هنا عادة لا يهتم إلا بساعة يده ينتظر وينتظر لا أكثر كما أنه سيكون عائقا أمام لزملائه المنتجين بإشغالهم ونشر ثقافة الكسل واللامبالاة وتمضية الوقت بأي شكل كان فضلا عن تعطيل مصالح المستفيدين وكثرة الاستئذان والخروج والغياب، ولا أعلم ما هي جدوى بقاء الموظف خلال ساعات العمل دون عمل سوى ارتفاع تكاليف التشغيل للمنظمة كما أن ذلك ليس مقياسا لنجاح الموظفين أو تحسين بيئة العمل وعليه فإن المنظمات الناجحة تستطيع أن تخلق الأدوات والأساليب التي تساهم في تحقيق الكفاءة والجودة المطلوبة فضلا على رفع مستويات الروح المعنوية والسعادة الوظيفية للموظفين.
إن من إيجابيات ساعات الإنتاجية بالعمل المحدد والوقت المناسب ما يلي:
– يسهم في خلق معايير خلاقة تربط بين المهام الوظيفية والكفاءة بمرونة عالية لتسهل الأدوار مما تحقق المرونة المطلوبة ويرفع من جودة الأعمال بما يوائم مع متطلبات سوق العمل المستقبلية التي ترتكز التقنية والذكاء الاصطناعي والآلات في أداء الأعمال وخاصة الأعمال التي يمكن قياس كفاءتها وأدائها بالإنجاز.
– تحقق الشغف والسعادة الوظيفية وتنشر ثقافة حب العمل والانتماء بين الموظفين
– تحدد المسؤوليات والالتزامات بدقة عالية مما يسهل من متابعتها وتطوير ما يلزم حيالها فمثلا أغلب المنظمات التي تعتمد على حضور المستفيدين لمقارها يمكنها بسهولة جدولة متطلباتهم فضلا عن تحديد المواعيد المناسبة خاصة وأن أغلب تلك المنظمات تعتمد على تحديد المواعيد مسبقا من خلال التقنية الحديثة
– السرعة في الإنجاز بما يحقق الفائدة المرجوة للمستفيدين وإدارة المنظمة وأصحاب المصلحة المرتبطين بشكل مباشر وغير مباشر بالمنظمة مما يحسن الإنتاجية بنسب عالية
– يخلق وعي وظيفي أوسع والأهمية المشتركة والشعور بالمسؤولية بين المنظمة والموظفين فهناك الكثير من المنظمات التي تمتاز بانضباطها الإداري التام بالحضور والانصراف لكنها تواجه مشاكل كبيرة في عدم قدرتها على المنافسة وجودة الخدمات ومستوى الإنتاجية في سوق تنافسي واسع.
– يوجد أعمال لا بد من إنجازها في وقت محدد مما يقلص من عمليات التأخير والمماطلة
– تساهم في رفع إنتاجية الموظف سواء كانت مهامه إدارية أو فنية من خلال خارطة لخط الإنتاج مما يعزز من فرص الإبداع والابتكار وخلق الأفكار الجديدة بعيدا عن روتين الالتزام الحرفي والإدارة التقليدية والتفكير فقط في الحضور الشكلي
– تقلص من المصروفات والتكاليف الناتجة عن الاستهلاك للمقر
– تقلل من الازدحام المروري
– تقوض من حدة الضغوط العصبية والنفسية والتوتر المرتبط بالعمل في ظل الحضور والانصراف وفق ساعات العمل
– تشير بعض الدراسات إلى أن خروج الناس من منازلهم في أيام أقل وتقليص أوقات الذروة من شأنه المساهمة في تقليل ظاهرة الاحتباس الحراري، والحد من الانبعاثات الكربونية بنسبة 3-4 %
ووفقا لدراسة أجرتها أحد الجامعات البريطانية للأعمال مؤخرا خلصت إلى أن العمل لمدة 4 أيام فقط في الأسبوع يصب في صالح الشركات من خلال زيادة إنتاجية الموظفين وتحسين الصحة البدنية والعقلية لهم، حيث شملت الدراسة 250 شركة وقالت الدراسة بأن العمل لمدة 4 أيام في الأسبوع يوفر ما يقدر بنحو 104 مليارات جنيه إسترليني سَنَوِيًّا وأن 64 % من الذين قاموا بهذا المخطط قد تحسنت إنتاجيتهم، كما ساهم هذا الأسلوب في جودة الحياة الإجمالية للموظفين، فقد أفاد أكثر من 78 % من الشركات بأن الموظفين كانوا أكثر سعادة وأفاد 70 % بأنهم كانوا أقل إجهادًا في حين انخفضت الإجازات المرضية بنسبة 62 % كما بدأت المملكة المتحدة تطبيق تجربة تضم 3300 موظف في 70 شركة سيبدؤون العمل لمدة 4 أيام ويحصلون على عطلة 3 أيام أسبوعيا، مع احتفاظهم بنفس المزايا المادية والمعنوية، وذلك لمدة 6 أشهر كما سبقتها تجارب عدة في أيسلندا والدول الإسكندنافية. كما أن هناك دراسات عديدة أجريت في بلدان أوروبية خلال أعوام 2005-2015 أثبتت وجود علاقة مباشرة بين الإنتاجية وطول يوم العمل، فكلما زاد طول يوم العمل، انخفضت إنتاجية العامل والعكس صحيح.
أشار تقرير حديث نشرته (صحيفة الاقتصادية) الى ان الاهتمام بأسبوع العمل من أربعة أيام يكتسب زخما لعدد من الشركات التي تحولت لذلك في كل من نيوزلندا وأيرلندا والولايات المتحدة وأستراليا والمملكة والمتحدة وبلجيكا إذ حفزت التجربة قبولا واسعا ويرون أنها حققت فوائد مجتمعية متعددة إضافة إلى تحقيق مفهوم العمل العميق لا تقاطعه المكالمات الهاتفية أو الاجتماعات وتوفير الطاقة فضلا عن تحسن الصحة الجسدية والعقلية والتوازن بين الحياة والعمل والرضا معا كما تقلص التغيب ومعدلات الاستقالة.
مجمل القول : من السهل على أي منظمة ان تقتنع بأهمية ساعات العمل وفق إثبات الحضور والانصراف بالبصمة أو غيرها من الأنظمة الأخرى ولكن قد يكون من الصعب عليها ان تستكشف مكامن الابداع والتميز الوظيفي وتحقيق القيمة المضافة من المستويات الإنتاجية بأعلى كفاءة ممكنة وبشغف كبير وبأقل تكلفة ممكنة لذلك تبقى فكرة اثبات الحضور والانصراف وتقليص ساعات العمل محل اختلاف خاصة في بعض الاعمال التي تحولت من الجهد البدني الى جهد فكري كما ان معظم المنظمات تطبق مؤشرات الأداء والتقييم KPIs وهو ما يعني ان فلسفة أداء العمل يمكن ان تقاس بسهولة من خلال معايير معينة من حيث كمية الإنتاج فضلا عن نجاح العمل عن بعد والذي ما زال معمولا به من بعد الجائحة في الكثير من المنظمات .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال