الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عدم اليقين Uncertainty هي تفسير للمشهد الاقتصاد العالمي خلال فترة زمنية معينة أي أنه مؤشر EPC يقيس المستوى الاقتصادي لعدد من الدول حيث لا يزال حاليا أعلى من المتوسط التاريخي المسجل في الفترة من 1996-2010 بحوالي 50 % وفق بيانات صندوق النقد الدولي والذي يشير أيضا إلى أن عدم اليقين المتعلق بالولايات المتحدة ظل مصدرا رئيسيا لعدم اليقين حول العالم منذ بضعة عقود ماضية بنسبة تبلغ 23 % تقريبا من الزيادة في عدم اليقين العالمي، مما يعني أن النمو الاقتصادي العالمي يرتبط ويتفاعل مع بعضه البعض ضمن منظومة النظام العالمي في حين تلعب الاقتصاديات الكبرى دور التأثير والتأثر في استمرار ارتفاع أو انخفاض المؤشر ويأتي دور التأثير من التداعيات العالمية والأزمات الاقتصادية الناتجة عن التوترات والحروب الاقتصادية والعسكرية والأوبئة بيد أن حالة عدم اليقين قد تأتي من مصادر أخرى تتعلق بالسلوك البشري فمهما تحسنت النماذج الاقتصادية وتطورت تطبيقات علم الاقتصاد إلى أنه لا يمكن بأي حال إعطاء تصور دقيق للتنبؤ بالسلوك البشري الاقتصادي في المستقبل فالنظام الاقتصادي العالمي يشتمل على ملايين من الشبكات والعلاقات المتداخلة مع بعضها البعض مما يعني أن قائمة عدم اليقين طويلة ومتعددة ومتنوعة وهنا برزت الحاجة إلى إضفاء البعد العلمي للاقتصاد من خلال اقتصاديات عدم اليقين والذي يدرس أدوار وحالات وابعاد عدم اليقين في مخرجات (المورد، سلوك المستهلكين والمنتجين وسلوك أنشطة الأسواق والأموال والمعلومات) كما أن مصطلح عدم اليقين ليس محصورا في الاقتصاد فحسب بل إنه يشمل كافة أمور الحياة من الأنشطة المختلفة في بعدها الجزئي والكلي.
لاتزال الصورة في المشهد الاقتصادي العالمي ضبابية ولم نتجاوز بعد مرحلة عدم اليقين مما يعني أن استمرارها متواصل ولم تتضح الرؤية بعد عما سيكون عليه الحال العام القادم 2023 بيد أن ما يعزز استمرار حالة عدم اليقين ما يلي:
- تقويض النمو الاقتصادي على حساب رفع أسعار الفائدة والتي بدورها تقلص من الطلب الكلي
- استمرار الأزمات الجيوسياسية والنزاعات العسكرية التي قوضت الأنشطة الاقتصادية ومن أبرزها أسواق السلع الغذائية والسلع الصناعية وأشباه المواصلات
- دخول منطقة اليورو مع فصل الشتاء يهدد تبعات أسعار الطاقة ونقص الموارد ومخاوف من دخول اقتصاديات أوروبا في الركود
- بيانات الاقتصاد الصيني تشير إلى تراجع القطاع الصناعي بضغوط جديدة بتفشي كوفيد ١٩ مجددا والذي شمل إغلاقات واسعة أثرت على الأنشطة الاقتصادية.
لايزال ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة تلقي بظلالها نحو المخاوف من الركود العالمي أي أن حالة عدم اليقين لاتزال ضمن مستوياتها العالية فعلى الرغم من أن مؤشرات الأسعار سجلت انخفاضا طفيفا إلا أنها لا تزال مرتفعة مقارنة بالأعوام الماضية، فالتضخم في الولايات المتحدة على أساس سنوي وصل الشهر الماضي إلى 7.7 % وهي نسبة مرتفعة إذا ما أخذنا في الحسبان أن المستهدف يجب أن يبقى في حدود 2 %، في حين أن الأدوات الأخرى لكبح جماح التضخم لم تكن محل نقاش مثل التسهيلات وخفض الضرائب والاتفاقيات التجارية والتوازنات فيما بين النمو والتضخم حيث يخشى بعض المحللين الاقتصاديين من مواصلة رفع الفائدة الأمريكية على حساب النمو استنادا إلى تصريحات الفيدرالي الذي أوضح عن احتمالية رفع أسعار الفائدة في ديسمبر الجاري ولكن بوتيرة أقل أي إنه ربما تكون في حدود أقل من 25 % فالتباطؤ الاقتصادي مستمر في ذات الوقت الذي يرى فيه محللين آخرين من أن الاقتصاد الأمريكي على وشك الدخول في الركود، ومما لا شك فيه فإن رفع الفائدة الأمريكية إلى مستويات عالية يضيف أعباء في ساحة النمو العالمي إلى جانب إشكالية الديون المتراكمة على معظم اقتصاديات دول العالم.
يعتقد كثير من المحللين بأن علاج التضخم بمثل هذه السياسات النقدية لن توقف جموحه ما لم يكن هناك خياراً حقيقياً لمنظومة دولية تشاركية لضبطه أي بمعنى آخر حتى يخرج العالم من دائرتي التضخم أو الركود لا بد من استراتيجية اقتصادية عالمية يعمل الجميع على تنفيذها لكن الأمر ليس بهذه البساطة في وقت يشهد فيه العالم الكثير من التقلبات الجيو سياسية والأزمات التي تتوالد يوما بعد يوم.
مجمل القول: انفراجة حالة عدم اليقين تتطلب الكثير من الجهود الدولية للعودة بالاقتصاد العالمي إلى المسار الطبيعي وهو ما يعني أن معالجة المسببات تأتي في أولويات العمل الاقتصادي ثم تأتي بعد ذلك مرحلة أخرى تتعلق بتعزيز إمدادات العرض وخلق مزيج من السياسات الاقتصادية والمالية فالانضباط المالي في نهاية المطاف سيؤدي إلى تقويض التضخم إلى المستويات المستهدفة مما يحفز الطلب الكلي وبالتالي تعمل السياسة النقدية كمتغير مستقل ودون أي تدخل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال