الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن الدور الذي قام به الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في إرساء دعائم التعليم في المملكة العربية السعودية كان دورا استراتيجيا ذو أهمية بارزة، يعكس هذا الدور قدرة قيادية عالية وقدرة على تكوين رؤية مستقبلية طويلة المدى، مع الإشارة إلى أن الفكر الإداري الاستراتيجي للملك عبدالعزيز كان المحرك الأساسي للنهضة التي شهدتها وتشهدها المملكة.
لقد شهدت المملكة العربية السعودية العديد من مظاهر التطور الحضاري في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله – وكان التعليم ابرز هذه المظاهر وأهمها على الإطلاق، لما لهُ من تأثير على غيره من المظاهر الحضارية، فهو واجهة الشعوب، ودليل ثقافتها وتحضرها.
إن ما قام به الملك عبدالعزيز تجاه التعليم من إصلاحات وتطويرات، يعكس قدرة جلالته على التفاعل السريع مع البيئة المحيطة به، واقتناص الفرصة وتعظيمها وتطويعها بما يتناسب مع مجتمعه الجديد، حيث حدد سياسته التعليمية في محورين أساسيين هما: وضع نظام موحد للتعليم في المملكة العربية السعودية، والقيام بتنفيذ العديد من المشروعات التعليمية، وإعطائها الأولوية في ميزانية الدولة.
إن الاستقرار والتوسع العلمي الذي شهده عهد الملك عبدالعزيز يعود الى رغبة عميقة في نفس وذهن الملك، وسلوكه الشخصي، وأسلوب حياته، ودليل صادق على حبه للعلم والعلماء، وتذليل الصعاب التي تعترض طريق طلاب العلم، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال: تشجيعه الدائم للعلم وطلابه، وتيسير ما يعينهم عليه، والاهتمام بشؤون البعثات العلمية، تحقيق المخطوطات النفيسة، وطباعة أمهات الكتب النافعة، مجانية التعليم، وتوزيع الكتب والأدوات المدرسية دون مقابل، تخصيص مكافآت مجزية لتشجيع الطلاب على التعلم، وإنشاء المكتبات العامة في المدن الكبرى بالمملكة.
الملك عبدالعزيز -رحمه الله- قائد أثبت للتاريخ أجمع أنه يمتلك تفكيرا ناقدا، كما إن لديه قدرة غير عادية على الإبداع، وهو فوق ذلك كله رجل منفتح الذهن على خبرات الآخرين، ويتمتع باستقلالية كاملة في التفكير، لهذا كان مؤثرًا في بلاده، كما انه كان معماريا مبدعا في بناء دولته، وهذا أمر يلمسه كل شخص من خلال مشاهدات يراها هنا وهناك في دولة بنيت من نقطة الصفر، ساعده على ذلك عقله المتفتح على خبرات وتجارب.
لقد وضع الملك عبد العزيز أهدافا للعملية التعليمية وأنظمة جديدة تجعل بداياتها في عهده، حيث تميزت بهدفين أساسيين؛ أولهما هدف تعميم التعليم ونشره في أنحاء البلاد، وثانيهما هدف إقامة النظام التعليمي المتكامل.
ولغرض الارتقاء والتعرف على سير النهضة العلمية عملت مديرية المعارف على وضع برنامج واسع لجميع المراحل التعليمية، وقسمت المملكة إلى سبع مناطق يشرف على كل منطقة معتمد للمعارف ليساهم في تنظيم منطقته ويعمل على رقيها وتطور نموها، فافتح اثنتي عشرة مدرسة في أهم مدن الحجاز وامتد نشاطها إلى الإحساء ونجد، وبدأت التدريس في مدارسها مع بداية عام 1926م . وبإنشاء هذه المديرية انتهى عهد نظام التعليم غير المنظم وحل محله تعليم حكومي منظم وموجه لخدمة مصالح الدولة، بحيث يمكن اعتبار إنشاء هذه المديرية بمثابة إرساء حجر الأساس لنظام التعليم الحديث في المملكة العربية السعودية.
ولضمان سير التعليم وتحقيقه في البلاد أمر الملك عبد العزيز في عام 1928 بتشكيل مجلس المعارف، والذي تألف من ثمانية أعضاء عدا الرئيس للإشراف على التعليم ووضع البرامج وتأليف الكتب المدرسية والإشراف على الكتاتيب والمقررات الدراسية ووضع نظام الامتحانات والإشراف عليها، إذ كان الهدف من إنشاء هذا المجلس تنفيذ السياسة التعليمية بالكامل وتنظيم مراحل التعليم فيها، والسعي لجعل التعليم الابتدائي إلزامية ومجانية، والتأكيد على أن يكون التعليم من أربع مراحل : تحضيري ، ابتدائي، ثانوي، عالي. وبذلك عرفت البلاد نظام التعليم بالمعنى الحديث الذي يستهدف توحيد التعليم للمواطنين ويقرر شموليته وتعميمه.
والباحث في أي مجال من مجالات حياة الملك عبدالعزيز كقائد وزعيم سياسي يلمح هذا النمط من التفكير الاستراتيجي لديه. ويعتبر التعليم مرآة صادقة لعقلية الملك عبدالعزيز الاستراتيجية، وبمثابة الآلية المصممة لصناعة العقول، والمجال الأثري ببصمات العقل الاستراتيجي للملك عبدالعزيز، فمن خلال دراسة واستقراء سياسة الملك نحو التعليم ندرك انه: كان يفكر في التعليم بعقلية ناقدة، حيث قام بالعديد من الإصلاحات والتغييرات التعليمية. كما أنه كان مبدعا في بناء المؤسسة التعليمية، حيث قام باستحداث نظم تعليمية غير مسبوقة، وكذلك كان متفتحا على خبرات الآخرين فيما يتعلق بتطوير التعليم، حيث استعان بعدد من الخبراء لبناء النظام التعليمي، وكذلك كان مستقلا في تفكيره في مجال التعليم فلم يقلد أحدا أو يتأثر به.
وفي الختام؛ قادة بلادنا حفظهم الله ورعاهم منارة العلم والتعليم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال