3666 144 055
[email protected]
التقدم التكنولوجي له تأثير كبير على العديد من مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية. على الرغم من أن هذا التأثير الإيجابي إلى حد للتقنية لتحسين حياة الانسان، الا ان ظهور التقنيات المبتكرة يعني أن هناك مجالات جديدة لا تغطيها القوانين والانظمة واللوائح ذات الصلة. غالبًا ما ينتج مثل هذا الوضع عند عدم وجود أدوات قانونية مناسبة يمكن تطبيقها في مثل هذه الحالات، وهذا يؤدي الى ظهور مشكلات قانونية مثل جرائم الاحتيال المالي والجرائم المتعلقة بانتهاك الخصوصية، التعامل بالعملات المشفرة ..الخ. غالبًا ما يتم حل مثل هذه القضايا من خلال التطبيق للقوانين السارية والتي قد لا تناسب طبيعة التجاوز و الضرر.
كان اختراع الإنترنت بلا شك من أعظم الإنجازات التكنولوجية في العقود الخمسة الماضية. وعلى الرغم من فضائل الإنترنت ، إلا أنه أنتج العديد من التحديات والقضايا التي لم يتم تنظيمها حتى الآن. الهوية الرقمية هي بلا شك واحدة من هذه القضايا.
بشكل عام، الهوية الإنسانية نفسها وتنظيمها القانوني ينتج عنها العديد من المشاكل ، خاصة وأن الهوية الإنسانية ظاهرة معقدة. من وجهة نظر الدولة ، الهوية الإنسانية هي مجموعة من السمات الموضوعية التي تسمح بتحديد هوية المواطن مثل مكان الميلاد وجنسية الوالدين. أما من وجهة نظر الفرد، فالهوية الانسانية تجمع ما بين السمات الموضوعية المتمثلة بجنسية الأب والأم ومكان الميلاد والمعلومات المتعلقة بهويته، وسمات شخصية مثل انتماء الشخص الفكري والعرقي وهذا الذي لا يمكن للهوية الوطنية المادية التعرف عليها. لذلك لا غرابة في أنه ليس من السهل إيجاد حل سحري يضمن للدولة أن تحافظ على أمنها من خلال منح الناس هوية مادية، حيث إن قوانين الهوية الوطنية المادية هي بذاتها أمر معقد. فإذا كانت المشكلات القانونية التي تترافق مع الهوية المادية او الانسانية ، فماذا اذا عن الهوية الرقمية.
وعند الحديث عن الهوية الرقمية، لا اتكلم عن إثبات الهوية الذي قد نجده في منصة ابشر فقط، وانما اتحدث عن جميع انواع الهويات الرقمية التي تسبب ظهور الإنترنت في إيجادها والتي تساهم في نقل صاحب الهوية الرقمية من العالم الحقيقي الى العالم الافتراضي. بشكل عام، تتكون الهوية الرقمية من المعلومات المتاحة عن شخص ما عبر الإنترنت ، والتي تربط شخصيته الرقمية به كشخص طبيعي. على عكس الهوية المستخدمة في العالم المادي أو الحقيقي، يمكن أن تتضمن الهوية الرقمية أشياء مثل معلومات الجهاز والموقع والتحليلات السلوكية لمستخدم الجهاز مثل أنماط الشراء النموذجية. بالإضافة إلى معلومات التعريف الشخصية (IP) مثل الاسم الكامل والعنوان وتاريخ الميلاد وكلمات المرور وأرقام التعريف الشخصية وأسئلة الأمان .. الخ.
وهذا يعني أن الهوية الرقمية تملك معلومات اكثر بكثير من المعلومات التي تملكها الهوية الانسانية او المادية.
يُنظر الآن إلى قطاعات الإنترنت والاتصالات والإعلام على أنها جوانب أمنية مهمة تتطلب مزيدًا من الإشراف والدفاع والتنظيم. هذه المعلومة تقودنا الى نتيجة حتمية رأيناها في يومنا هذا ألا وهي الحرب الرقمية السياسية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا لتحدي الوضع الحالي. كان جدار الحماية الصيني الذي صنعته مع روسيا ردا على الولايات المتحدة بعد ازمة شركة هواوي ومنع العديد من دول العالم الذين تربطهم مع أمريكا مصالح مشتركة من التعامل مع شركة هواوي او مع بائعي التكنولوجيا الصينيين في عام 2020. ومع ذلك ، كان التغيير الأكثر أهمية في عام 2021 عندما أصدرت الحكومة الصينية تحولات كاسحة في خصوصية البيانات ، وتقييد حرية الوصول إلى ألعاب الفيديو ، وإساءة استخدام القوة الاحتكارية في شهر واحد. والأحداث تتابع. المشكلة معقدة جدا، وتحتاج الى تصنيف وتحليل من اجل وضع تشريعات على كل التحديات التي قد تواجه الدول بهذا الشأن. المشكلة الان هي ان هذه البيانات المتوفرة على الانترنت مُلك لشركات عالمية كبرى مثل قوقل و تويتر و الفيس بوك، و التي يمكن اختراقها أو حتى الحصول عليها بطرق رسمية أو غير رسمية. وبالتالي عدم احترام خصوصية اصحاب هذه البيانات، وهذا يعني قيام تجاوزات قانونية تخل بالنظام العام أو جرائم وانتهاكات متعددة بسبب اختراق الخصوصية. كما ان لو الدولة قامت مثلما تقوم به الصين الآن، ألا وهو صنع محركات بحث و برامج وطنية ومنع استخدام اي محركات بحث او برامج عالمية، فهذا يعني ظهور مشكلات قانونية ربما تكون اكثر تعقيد، خصوصا انه قد يشوب هذه البرامج انتهاك خصوصية الافراد أكثر تعقيدا، مثلا من المشكلات التي بدأت تنشأ في الصين بخصوص هذا الموضوع، هي عدم القدرة على حذف بعض البرامج بعد تثبيتها في الجهاز. وهذا انتهاك لحق المستهلك من ناحية و لحق الحماية و الخصوصية من ناحية اخرى.
ختاما، أعتقد أننا الآن في حالة طوارئ من أجل الاهتمام بتقنين موضوع الهوية الرقمية، خصوصا في ضوء جرائم الاحتيال المالي المتكررة والتي تحتاج الى وقفة جادة من أجل معالجتها بطريقة صحيحة.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734