الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في كل عام، ينفق العالم أكثر من 3.1 تريليون دولار على الخدمات الصحية، والتي تمول الحكومات معظمها. ينفق الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشكل جماعي أكثر من 1 تريليون دولار أمريكي سنويًا والولايات المتحدة الامريكية وحدها تنفق 1.6 تريليون دولار أمريكي. في أمريكا اللاتينية، تستهلك الرعاية الصحية سنويًا حوالي 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ، أو حوالي 136 مليار دولار، نصفها يموله القطاع العام. في البلدان منخفضة الدخل ، غالبًا الدول لا تستطيع دعم الرعاية الصحية في القطاع العام، وبالتالي، الإنفاق على القطاع الصحي الخاص أكبر من الإنفاق العام او الحكومي على الصحة. وهذا لا يعني ان هذه الدول الفقيرة لا تدعم الرعاية الصحية، اذ مازالت تدعمه بمبلغ يعتبر كبيرا بالنسبة لإيراداتها السنوية، ولكن إمكانيات الدولة في تقديم العلاج للناس متدنية. مثلا، تشكل حصة الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية أكثر من 8% في إثيوبيا ومصر وإندونيسيا وباكستان،بينما يتجاوز دعم القطاع الصحي الى أكثر من 20% من إنفاق الدولة في أيرلندا وألمانيا والولايات المتحدة وكوستاريكا. هذه التدفقات الكبيرة من الأموال هي هدف جذاب للعاملين في هذا القطاع سواء العام او الخاص الى اساءة استخدامة لتحقيق مصالحهم الخاصة.
اهمية هذا القطاع تكمن في ان عدد المستفيدين يكاد يكون جميع سكان الدولة ولذلك يعد قطاع ذو مخاطر عالية وموارده ثمينة جدا. وعندما نتكلم أنه ذو مخاطر عالية و موارد ثمينة، فنقصد أنه يمكن استخدام الأموال المفقودة بسبب الفساد في شراء الأدوية أو تجهيز المستشفيات أو تعيين طاقم طبي يوجد حاجة ماسة إليه. وعلى الرغم من الكثير من الدول تقر وتعترف بارتفاع معدل الفساد في القطاع الصحي، الا انه لا يوجد أرقام واضحة لمعدل الفساد فيه، والسبب يعود الى تنوع النظم الصحية في جميع أنحاء العالم ، وتعدد الأطراف المعنية ، وندرة حفظ السجلات بشكل جيد في العديد من البلدان ، والتعقيد في التمييز بين الفساد وعدم الكفاءة والأخطاء الحقيقية الغير مقصودة، والأخطاء الناتجة عن الإهمال تجعل من الصعب تحديد التكاليف الإجمالية للفساد في هذا القطاع في العالم. لكن الأدلة المتزايدة من جميع أنحاء العالم تشير إلى أن الفساد والاحتيال وسوء المعاملة في القطاع الصحي، تؤدي إلى خسائر كبيرة في الأموال العامة وحرمان ملايين الأشخاص من الخدمات الصحية عالية الجودة.
تُعرِّف منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه “إساءة استخدام السلطة لتحقيق مكاسب شخصية”. في مجال الصحة ، تشمل الإساءة أمثلة على الفساد مثل رشوة التنفيذيين او الاداريين و الممارسين المهنيين و الاطباء ، التلاعب بالمعلومات المتعلقة بتجارب و اختبارات الأدوية، التضليل بخصوص أنواع الأدوية و التلاعب في سلاسل الإمدادات ، والفساد في الشراء. من الأمثلة أيضا على الاحتيال والتلاعب في هذا القطاع ، المبالغة في فواتير شركات التأمين. مثلا، عندما يطلب الطبيب من المريض القيام بفحوصات لا لزمة لها، او اجراء عملية جراحية لا تستدعي حالة المريض الصحية لاجرائها. والهدف من القيام بكل هذا، هو رفع مكاسب المستشفى على حساب المريض، طالما أن تأمينه الصحي يغطي هذه التكاليف. لذلك، يدخل ضمن الفاعلين في الفساد في القطاع الصحي العديد من الجهات والأشخاص، ولا سيما المهنيين الطبيين الذين يطالبون بالاجراءات الطبية الغير لازمة للمريض من اجل رفع مكاسبهم المالية. وهم بعينهم يعتبرون مذنبين اكثر من غيرهم، لاسيما وانهم ملزمين بأخلاقيات مهنية تتطلب منهم خدمة الصالح العام وتقديم العلاج المناسب.
لذلك، سأفرد مجموعة من المقالات بهذا الشأن خلال الأسابيع القادمة، خصوصا مع توجه الدولة في خصخصة القطاع الصحي وإنشاء شركة الصحة القابضة، وهي شركة حكومية سعودية تأسست خلال سنة 2022. تهدف هذه الشركة الى تسخير كافة الإمكانات البشرية والمادية لتعزيز جودة وكفاءة الخدمات الصحية في المملكة العربية السعودية. الهدف من هذه المقالات هي المساهمة في تسليط الضوء على المشكلات التي تواجه هذا القطاع لدى الدول التي لديها تجربة حقيقية في خصخصة القطاع الصحي، وإلقاء بقعة ضوء عادلة على مجموعة من التحديات واجهت من سبقونا وادت الى استنزاف موارد دولها الاقتصادية والبشرية دون تحقيق الهدف المرجو كما ينبغي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال