موضوع الصراع الأمريكي الصيني على زعامة العالم من أكثر المواضيع طرحا ونقاشا بين العامة والنخب، رغبة منا لتوقع المستقبل. ولكنه يتأثر في غالب الأحيان بالهوى والعواطف، فتكون نتيجة النقاش متحيزة وغير مثمرة. أحد أفضل الطروحات التي تابعتها هو طرح المستثمر راي داليو،
ويمكن مشاهدة خلاصة رأيه في هذا الفيديو فضلا أضغط هنا
إلا أنه لا يخلو من التحيز للصين. فهو يرى أننا في آخر مراحل عصر الامبراطورية الأمريكية، وأن الصين هي القوة الصاعدة الجديدة.
صعود أي امبراطورية اقتصاديا يحمل في طياته بذرة الهبوط، فكما قال ابن خلدون:” الأيام الصعبة تخرج رجال أقوياء. الرجال الاقوياء يصنعون الرخاء والترف. الرخاء يخرج رجال ضعفاء. الرجال الضعفاء يصنعون ايام صعبه.”وهو ما يعطي وجهة النظر السابقة دعما وصلابة. ولكن لا يمكن إغفال عامل مهم وهو جهازية ومدى قدرة الصين على التفوق وقيادة النظام العالمي.
في الماضي القريب واجهنا أزمة هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية وهي أزمة كورونا. بالنظر للأثر الاقتصادي فقط لهذه الأزمة، فإن سياسة “صفر كوفيد” التي اتبعها النظام الصيني كان لها نتائج سلبية على التعافي، بينما كانت أسرع الدول تعافيا هي أمريكا. السبب في ذلك يعود إلى إدارة ملف مواجهة كورونا بطريقة مركزية. بينما نظام الولايات المتحدة الفيدرالي سمح للولايات استخدام السياسات الأنسب لكل ولاية، فكانت النتيجة مثلا هجرة الأعمال من ولاية كاليفورنيا إلى تكساس لتوفير الأخيرة بيئة أكثر تسامحا مع الأعمال. ولولا الأخطاء التي وقع فيها الاحتياطي الفيدرالي في مواجهة التضخم، لكانت نتائج هذا التعافي أفضل.
هذا المثال يوضح لنا السبب الرئيسي الذي يجعل النظام الصيني غير قادر على تطوير نفسه إلى مرحلة قيادة نظام عالمي. فالعوامل الأهم لدفع محركات النمو في هذا العصر هو الإبداع وزيادة الإنتاجية. وحتى تتمكن الصين من زيادة قدراتها الابتكارية فهي بحاجة لاستقطاب المواهب. النظام المركزي يتعارض مع الانفتاح الذي يحتاجه الاقتصاد لخلق حلول جديدة والنقاش حولها. وليس أدل على ذلك من واقع ثورة الذكاء الاصطناعي التي نمر بها اليوم. فكلما زادت التشريعات والقيود، أعاقت عملية الابتكار والتطور.
من وجهة نظري، فإن قدرة الولايات المتحدة على إبطاء وتيرة الترهل الحاصل في نظامها أعلى من قدرة النظام الصيني على الانفتاح. بمعنى أن التراجع الحاصل في قوة ومركز الإمبراطورية الامريكية حتمي، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الصين هي القوة الصاعدة التي ستقود القرن المقبل. فلم لا تكون القوة التي تقود القرن المقبل هي أوروبا الجديدة “الشرق الأوسط”؟.