3666 144 055
[email protected]
يشير الحيز المالي إلى قدرة الحكومة على تمويل إنفاقها وتنفيذ السياسات المالية دون تعريض استقرارها المالي واستدامتها للخطر. وهو في الأساس الهامش أو المساحة المتاحة للحكومة ضمن ميزانيتها لاستيعاب النفقات الجديدة أو الاستجابة للظروف الاقتصادية غير المتوقعة. ويعد الحيز المالي أمراً بالغ الأهمية للحكومات حتى تتمكن من إدارة اقتصاداتها بشكل فعال، وتلبية الاحتياجات الاجتماعية، وتعزيز التنمية المستدامة. ويتأثر بعوامل مختلفة مثل مصادر الإيرادات، والتزامات الإنفاق، ومستويات الديون، وظروف الاقتصاد الكلي. ولقد حظي مفهوم الحيز المالي باهتمام كبير في السنوات الأخيرة، وخاصة في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2008 و2009 والركود الذي أعقبها. وواجهت العديد من الحكومات قيوداً شديدة على الحيز المالي المتاح لها بسبب انخفاض الإيرادات، وزيادة الدين العام، ومحدودية الوصول إلى الأسواق المالية.
وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإنها تتمتع بمساحة مالية كبيرة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى احتياطاتها النفطية الهائلة، كأكبر مصدر للنفط في العالم، حيث توفر تدفقًا مستمرًا من الإيرادات التي مكنت الحكومة بتجميع احتياطيات مالية كبيرة. وتعمل هذه الاحتياطيات بمثابة شبكة أمان، حيث توفر الحيز المالي اللازم للحكومة للتغلب على حالات عدم اليقين الاقتصادي وتنفيذ السياسات الاستراتيجية والبرامج التنموية. وقد بلغت الودائع الحكومية لدى البنك المركزي 1.69 تريليون ريال في أكتوبر 2013 بعد أن ارتفعت هذه الاحتياطيات من 52.2 بليون فقط في نهاية عام 2002، وذلك على إثر تحسن أسعار النفط وارتفاع الإيرادات النفطية، حيث وصلت الأسعار ذروتها بنحو 146 دولار للبرميل في يونيو 2008. وعلى الرغم من تراجعها على إثر الأزمة المالية الدولية في الربع الثالث من 2008 وخلال عام 2009، فإن الأسعار عادت إلى التحسن فوق المئة دولار قبل أن تنهار بحدة في الربع الأخير من 2014. وقد استمر تذبذب أسعار النفط عند متوسط 50 دولار للبرميل خلال الفترة 2015-2017، مما تسبب في تراجع الإيرادات النفطية، حيث لجأت الحكومة في تمويل عجوزات الميزانيات السنوية إلى السحب من الاحتياطي ليتدنى إلى 0.5 ترليون ريال بنهاية 2023، (الرسم البياني رقم 1).
الرسم البياني رقم 1: تطورات أسعار النفط والاحتياطيات الحكومية
وقد دفع هذا الوضع غير المستقر لأسعار النفط اتخاذ حكومة المملكة العديد من الإصلاحات المالية في السنوات الأخيرة لتعزيز حيزها المالي وتقليل الاعتماد على عائدات النفط. وقد مثل طرح رؤية المملكة 2030، وهي خطة شاملة تهدف إلى تنويع الاقتصاد، دوراً حاسماً في هذا الصدد، حيث جاء من ضمنها برنامج “التوازن المالي 2020” الذي تم تعديله إلى برنامج “الاستدامة المالية 2025”. ويهدف هذا البرنامج إلى خلق مصادر جديدة للإيرادات، التي من أهمها ضريبة القيمة المضافة وهي عند مستوى 15% حالياً، والمقابل المالي للعمالة غير السعودية، وتعظيم عوائد الاستثمار من قبل البنك المركزي السعودي وصندوق الاستثمارات العامة، حيث ساهمت جميعها في تقليل الاعتماد على إيرادات النفط وتوسيع الحيز المالي للحكومة. كما حددت الحكومة سقفاً معتدلاً نسبيا لمستوى الدين العام إلى الناتج المحلي وبما يحافظ على تصنيف ائتماني قوي، وكذلك يمكنها من الاستفادة من الأسواق الدولية لتوفير موارد إضافية لمعالجة أية تحديات مالية. وللحد من السحوبات من الاحتياطيات الرسمية، قامت الحكومة بتنويع مصادر تمويل عجوزات الموازنات المالية من خلال إصدار السندات المحلية والدولية، إذ ارتفع مستوى الدين العام إلى 1.03 تريليون ريال، حيث شكلت حصة الدين المحلي نحو 60% من إجمالي الدين العام، بينما بلغت مساهمة الدين الدولي نحو 40%. وعلى رغم ارتفاع حجم الدين، إلا نسبته إلى الناتج المحلي انخفضت من 31% في 2020 إلى 24% بنهاية عام 2023، (الرسم البياني رقم 2).
الرسم البياني رقم 2: الدين العام ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي
وفي المملكة العربية السعودية، يتكون إجمالي الدين على مستوى الاقتصاد من ديون الشركات غير المالية، وديون الأسر، والدين العام. وقد شهدت البلاد نمواً كبيراً في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى زيادة الاقتراض في مختلف القطاعات، حيث ارتفعت إجمالي المديونيات إلى 117% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول 2021، مستفيدة من أسعار الفائدة التي كانت عند أدى مستوياتها، وقد شكلت نسبة ديون قطاع الشركات إلى الناتج المحلي الإجمالي 70%. غير أن إجمالي المديونيات تراجعت إلى 97% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الربع الثاني 2023، وانخفضت نسبة ديون قطاع الشركات إلى الناتج المحلي إلى 60% في أعقاب ارتفاع أسعار الفائدة، حيث وصل معدل الإقراض ما بين البنوك السعودية – 3 شهور(السايبور) إلى 6.3% في يناير 2024، بينما بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 24%، ونسبة ديون الأسر إلى الناتج المحلي الإجمالي 13% في نفس الفترة. وبالقياس على أساس تاريخي، فإن هذه النسب لا تشير إلى مزاحمة الدين العام على السيولة والتمويل البنكي لقطاعي لشركات والأسر، إذا ما تم مقارنة هذه النسب بالربع الثالث من 2002 عندما وصلت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 96.6%، وفي حين بلغت حينها نسبة مديونيات الشركات إلى الناتج المحلي الإجمالي 26.5% فقط، (الرسم البياني رقم 3).
الرسم البياني رقم 3: نسبة الدين العام، ديون الأسر وديون الشركات إلى إجمالي الناتج المحلي الإجمالي
وعلى الرغم من الحيز المالي الكبير الذي تمتلكه المملكة، فإن الأمر لا يخلو من التحديات، وخاصة فيما يتعلق باعتمادها الكبير على عائدات النفط، مما يجعلها عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية. فعندما ترتفع أسعار النفط، يتوسع الحيز المالي في المملكة، الذي يمكن الحكومة بالاستثمار ومن تنفيذ خطط التنمية الطموحة. ولكن عندما تنخفض أسعار النفط، كما رأينا في السنوات الأخيرة، يكون هناك تأثير مباشر على الحيز المالي للبلاد، مما يؤدي إلى عجز في الميزانية، وبالتالي اللجوء إلى تمويله من السحب من الاحتياطي أو إصدار السندات المحلية وكذلك الدولية. إلا أنه قد يشكل زيادة الدين العام مصدر قلق على معدلات نمو السيولة في النظام النقدي، خصوصاَ مع تجاوز إجمالي الائتمان لإجمالي الودائع، والذي بلغ 2.58 تريليون في نوفمبر 2023، وبما يشكل تحدياً على البنوك في تلبية الطلب المتزايد على الائتمان من القطاع الخاص. وعلاوة على ذلك، فإن ارتفاع نسبة الائتمان في القطاع الخاص إلى 74% من الناتج المحلي الإجمالي، آخذين في الاعتبار أن نسبة مساهمة قطاع النفط تشكل نحو 40% من إجمالي الناتج المحلي، قد يفرض المزيد من التحديات. ولذا فإن التوازن بين استغلال الحيز المالي من خلال إصدار السندات المحلية والدولية والحفاظ على سيولة كافية في النظام النقدي بما لا يشكل مزاحمة لتمويل القطاع الخاص أمر بالغ الأهمية لتحقيق وضع مالي مستدام ومستقر للحكومة والاقتصاد ككل، (الرسم البياني رقم 4).
الرسم البياني رقم 4: مطلوبات القطاع الخاص والقطاع العام ونسبة قروض القطاع الخاص للناتج المحلي الإجمالي
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734