3666 144 055
[email protected]
يختل توازن النظام الاقتصادي في العالم سواء على نطاق العوالم المتطورة أو على مستوى العوالم النامية باستمرار وبنمط غير متوقع على الإطلاق. على مر التاريخ الحديث تأرجح الاقتصاد العالمي بشكل كبير، أنتج هذا التأرجح خلل في مستويات النمو والتضخم والبطالة والنواتج المحلية الإجمالية والنواتج القومية والكثير من التحسين في لوائح وتشريعات الأسواق والأوراق المالية والعمل على النظريات العلمية والتجريبية لحل هذه الأُحجية التي تستمر في الحدوث دون فهم لمسبباتها على الأقل.
بدأ العصر الحديث بالأزمة الرقيقة والتي تسمى بالهوس الخُزامي ” أزمة زهر التوليب ” في هولندا في مطلع 1600م، كانت الزهرة في تلك الفترة عنوان للتفاخر والطبقة المخملية وأزداد الطلب عليها بشكل هائل حتى من الطبقة المتدنية العاملة إلى درجة تصفيه جميع أصولهم وتوجيهها إلى أسواق التوليب التي تضاعف أسعارها الى مستويات عالية مكونة فقاعة اقتصادية. في بداية الثلاثينات من القرن العشرين اشتعلت أزمة جديدة في العالم وهي الكساد العظيم (1929-1939م) وهو عبارة عن انخفاض حاد في أسواق الأسهم الأمريكية أدى إلى انخفاض مستويات النمو وزيادة معدلات البطالة وكانت بداية لعقد من الزمن مليء بالاضطراب الاقتصادي الكامل. وفي منتصف القرن العشرين أيضًا ظهرت أزمة اقتصادية جديدة جراء حرب السويس (أكتوبر-نوفمبر 1959م) والتي جاء من خلالها إغلاق قناة السويس وتأثُر عمليات النقل والشحن واضطراب الملاحة التجارية وبالتالي انعكس هذا على اقتصاد العالم الباهت حينها. لم ينتهِ القرن العشرين كما ينبغي حيث ضربت أزمة ” النمور الأسيوية ” (1997-1998م) الاقتصاد العالمي من جديد وبدأت تنهار عملات دول شرق أسيا وتزداد الديون الى النواتج الإجمالية المحلية فيها وتنخفض أسعار البورصة بمقابل ارتفاع هائل في القروض الخاصة. أستهل الوليد الحديث القرن الواحد والعشرين بفقاعة شركات التكنولوجيا الأمريكية 2000م وبعدها بسنوات قليلة بدأت المُدمرة العظمى في الظهور ” أزمة الرهون العقارية ” (2005-2010م). في كل مرة كان المرجع الأهم لإصلاح هذا الخراب المتكرر هو البنوك المركزية.
البنوك المركزية هي مؤسسات مالية يكون بعضها مستقل بذاته عن الحكومة وبالتالي يكون كيان له كامل الحقوق والصلاحيات دون الحاجة إلى العودة بذلك إلى الحكومة والبعض الأخر مرتبط مع الحكومة بشكل قليل ويكون غير مستقل تمامًا، وظهر هذا الكيان في القرن السابع عشر من خلال بنك إنجلترا المركزي. تعمل البنوك المركزية على أن تكون هي البنك الخاص للدولة والمراقب للبنوك التجارية وواضع السياسات النقدية وطابع النقود الأوحد والمُحافظ على معدلات النمو والتضخم والفائدة والثبات الاقتصادي.
في الأزمات المالية يبقى الجميع على ترقُب بتحركات ” سادة الأتِزان ” للعودة إلى نقطة التوازن من جديد لاقتصاد متخلخل لا يقف إلا بمساندة هذا العملاق الحليم. تعمل البنوك المركزية في الأزمات على طريقتان رئيسيتان لإعادة التوازن وهي التحكم بمعدلات الفائدة وطباعة النقود، عندما يكون التضخم في نمو تصاعدي تتأثر عوامل عديدة بسبب هذا النمو من مؤشرات البطالة والناتج الإجمالي المحلي والطلب والعرض للمنتجات والأسعار والإنتاج وغيرها، هذا التحرك للعوامل يُبعد الاقتصاد عن موضع الاتزان وهو الموضع الذي يعمل فيه الاقتصاد بشكل طبيعي.
يٌعتبر الفيدرالي الأمريكي أشهر البنوك المركزية والمُحرك الأبرز لكل خمول والمؤثر لكل الأسواق والمؤشرات المالية العالمية. في الثمانينات الميلادية رفع الفيدرالي أسعار الفائدة الى مستويات 20% وهو الأعلى على الأطلاق وذلك للسيطرة على جماح التضخم الأمريكي المرتفع حينها والذي سجل مستويات 13-15%. بدأت أسعار الفائدة في الانخفاض في نهاية الثمانينات الميلادية واستمرت في الثبات بمعدلات 5-7% حتى بداية الألفية والتي بدأ منها الفيدرالي بتخفيض المعدلات حتى وصلت الى 1% في يونيو 2003م بسبب فقاعة التكنولوجيا ومحاولة تعزيز الاقتصاد، ثم عاود الارتفاع حتى وصل 5% في يونيو 2006م، بهذه التغيرات سجل التضخم الأمريكي معدلات طبيعية على طول الفترة وأرتفع الناتج الإجمالي الأمريكي بشكل طبيعي ومتواصل. يمكن القول بأن التحكم في أسعار الفائدة في تلك الفترة “عمِل بشكل رائع”.
تحطم هذا الانتصار الذي لم يستمر طويلًا للتحكم بظهور الأزمة القادمة في الأفق ” أزمة الرهون العقارية” (2006-2008م). بدأ الاقتصاد بالسقوط في الولايات المتحدة والعالم أجمع بسبب هذه الأزمة العتيدة. الفيدرالي وعلى أرث الماضي بدأ في تخفيض أسعار الفائدة لإعادة الانتعاش الى الاقتصاد والخروج من عنق الزجاجة تلك، خفض الفيدرالي الفوائد الى مستويات صفرية في 2008م ولكن هذا لم يعمل على إعادة التوازن المطلوب. قرر الفيدرالي بأن يستخدم السلاح الأخر وهو الذي سينهض بالجميع وهو طباعة النقود وإعادة ضخها في الاقتصاد عن طريق البنوك التجارية والتي بدورها تُعيد تمويلها للأفراد والشركات وشركات التأمين والتمويل، نجح هذا التدخل العظيم وبدأ الاتزان يعود من جديد. الفيدرالي مرة أخرى أعاد التدخل في جائحة (كوفيد-19) ومرة أخرى نجح التدخل.
وكما هو الاقتصاد دائمًا ليس كل ما نجح في الماضي ينجح بكل الأحوال، أحيانًا يقوم البنك المركزي بتخفيض أسعار الفائدة الى مستويات صفرية، ولكن لا ينتعش الاقتصاد كما هو مخطط له بسبب أن تفضيل المستثمرون بالاحتفاظ بالنقد كبديل للاستثمارات في السندات والأوراق المالية التي سيكون لها عوائد منخفضة وأيضًا ينخفض الإقبال على التمويل والصرف على المشاريع والإنتاج الذي هو السبب الرئيس للوصل الى التوازن يكون منخفضًا بسبب عدم اليقين من النهوض، وبالتالي لا يتحقق النمو المُراد تحقيقه بإجراء هذه السياسة النقدية، هذا المصطلح يسمى (كمين السيولة – Liquidity Trap) والذي ظهر بأقلام ربيب التدخل الحكومي الأول جون كينز ناقدًا السياسات النقدية التي تكون بلا سياسات تدخل حكومي.
Economic Quote: “In the long run we are all dead.” – John Maynard Keynes
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734