الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
“حمى” هو مصطلح متجذر بعمق في التراث الثقافي العربي ويشير تاريخياً إلى نظام إدارة الأراضي والموارد الطبيعية. ويعود مفهوم حمى إلى عدة قرون مضت، وكانت تمارسه مختلف المجتمعات والمجموعات القبلية. وفي سياق الحفاظ على البيئة غالبًا ما تكون مناطق الحمى بمثابة موائل مهمة للتنوع البيولوجي، بما في ذلك الحياة البرية والنباتات ومصادر المياه. يتم تحديد مناطق الحمى من قبل المجتمعات المحلية أو شيوخ القبائل لحماية كل أو بعض من الموارد الطبيعية القريبة منهم، خاصة أراضي الرعي ومصادر المياه، من أجل حمايتها من الاستغلال المفرط والتدهور السريع. كانت هذه المناطق بمثابة محميات مجتمعية ويعتمد نظام الحمى على القوانين العرفية والتقاليد والمبادئ الأخلاقية التي تطورت على مر القرون، وتحكم هذه القوانين تخصيص الموارد وحقوق الاستخدام والتوزيع العادل للموارد وحل النزاعات داخل مناطق الحمى، مما يعكس قيم وأولويات المجتمعات التي تديره وتستخدمه لدعم سبل عيش أفرادها على المدى الطويل.
مع مرور الوقت، تطور مفهوم الحمى وتكيف مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المتغيرة في المملكة وفي منطقة الخليج ككل. ومع إنشاء التنظيمات الحديثة وسياسات الحماية، تم بذل الجهود لإضفاء الطابع الرسمي على ممارسات الحمى التقليدية ودمجها في استراتيجيات المحميات الحديثة، بهدف الحفاظ على التنوع البيولوجي، وحماية الموارد الطبيعية، وتعزيز التنمية المستدامة. وعلى ضوء ذلك، تم إطلاق العديد من المبادرات الوطنية لإحياء وتعزيز نظام الحمى كنموذج للحفاظ على المحميات والإشراف البيئي عليها في المملكة. واليوم، تُبذل الجهود لتعزيز إدارة المحميات في المملكة وتواصل هذه المناطق لعب دور مهم في الحفاظ على تراثنا الطبيعي ودعم سبل العيش. وآخر هذه الجهود استضافة مدينة الرياض فعاليات منتدى المحميات الطبيعية “حِمى” الذي نظمه المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، في أبريل الحالي، لإبراز دور المناطق المحمية في المملكة في الحفاظ على التنوع وسبل التعاون لتحقيق الأهداف الإستراتيجية الوطنية للبيئة ومن أهمها حماية 30% من مساحة المملكة البرية والبحرية بحلول 2030. لكي تساهم هذه المحميات الوطنية والملكية بشكل مباشر في الحفاظ على النظم البيئية والتنوع البيولوجي والموارد الطبيعية واستخدامها المستدام، من أجل حماية الأنواع المهددة بالانقراض، والحفاظ على الموائل، وتعزيز استعادة النظم الإيكولوجية. أيضًا المساهمة في الحفاظ على النظم البيئية البحرية والساحلية، والتي تعتبر ضرورية للتنوع البيولوجي البحري، ومصايد الأسماك، وتنظيم وتعزيز ممارسات الصيد المستدامة.
كما أن للمحميات دور كبير وأهمية بالغة في الحفاظ على الغطاء النباتي وتغير المناخ، لها أيضا العديد من العوائد الاقتصادية والاجتماعية المختلفة. ومع تفعيل المشاركة المجتمعية في المناطق المحمية سوف يعزز من فعالية ونجاح أنشطة وادارة المحميات وتعزيز مرونة النظم البيئية في مواجهة التحديات البيئية باعتبارها حجر الأساس في هذا النظام البيئي. فتُعد علاقة المجتمعات والمحميات علاقة تكافلية تكاملية، خاصة في المناطق المحمية التي يتواجد داخل نطاقها سكان أصليون. اذ تعمل المحميات كمناطق محمية للأغراض الثقافية والبيئية وأحيانًا الاقتصادية، مما تعطي مساحة ضيقة للمجتمعات المحلية للحفاظ على أسلوب حياتها التقليدي وممارسة ثقافتها المتنوعة في هذه الاراضي، ونتيجة لذلك من الممكن أن تنشأ تحديات، مثل الموازنة بين أهداف الحماية واحتياجات المجتمع وضمان فوائد عادلة لجميع أصحاب المصلحة فهذا هو الجانب الأكثر تحديًا في إدارة المحميات الطبيعية. فيتطلب الأمر، إيجاد حل وسط تكون فيه جهود المحافظة فعالة دون التأثير سلبًا على سبل العيش والممارسات الثقافية للمجتمعات التي تعيش في المحميات أو حولها أو تتعايش معها. وينطوي ذلك على فهم السياق الاجتماعي والثقافي والتاريخي المعمول به في مناطق الحمى، وفي كثير من الأحيان يستلزم القيام بمفاوضات معمقة ومستمرة بين منظمات الحفاظ على البيئة، والوكالات الحكومية، والمجتمعات المحلية، وأصحاب المصلحة الآخرين لبناء درجة عالية من الوعي والثقة والتعاون بين جميع الأطراف للاستخدام العادل. بالإضافة إلى ذلك، فإن التصديق على حقوق المنفعة يساهم في المحافظة على توازن القوى وبالإمكان أن يسهل من تعقيد هذه العمليات. كما أن في المقابل، إدماج المجتمعات في الحفاظ على هذه المحميات ومشاركتهم في إدارة هذه الموارد الطبيعية امر يجب ان يأخذ في الاعتبار، لإجادتهم ومعرفتهم بالممارسات البيئية التقليدية. فإن تمكين المجتمعات المحلية وإشراكهم في جميع الاتجاهات والانشطة يعزز لديهم الشعور بالملكية والفخر والمسؤولية تجاه المحمية والحفاظ عليها.
بشكل عام، تلعب المحميات دورًا حاسمًا في توفير مجموعة واسعة من الفرص التي تساهم في التنمية المستدامة ورفاهية المجتمعات،عن طريق السياحة البيئية وحدها، يمكن للمحميات الاستثمار من خلال دعم الشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة من منظمي الرحلات والمشي والتخييم وغيرها مما يخلق ايضاً فرص عمل للعديد من الأفراد مع مقدمي الخدمات السياحية أو مع إدارات المحميات نفسها، وكل ذلك يصب في الاقتصاد الوطني والناتج المحلي الذي تساهم به المحميات. دائما ما يربط المختصين الوصول إلى الطبيعة والمكوث فيها بتحسين الصحة البدنية والعقلية والنفسية، فمن خلال ما توفره هذه المحميات من انشطة وفرصًا للاستجمام في الهواء الطلق وممارسة النشاط البدني، يعود بالنفع على الأفراد والمجتمعات على حد سواء. كما تعمل المحميات كمختبرات حية للبحث العلمي والتعليم البيئي، وتوفر الفرص للطلاب والباحثين لتعلم التجريبي والتعرف على التنوع البيئي، ومن خلاله يتم تقديم التوصيات والنتائج لأصحاب القرار ومسيري الحمي. كل هذا الحراك مما لاشك فيه فهو دعم للاقتصاد المحلي ودعم للبيئة وصحة الإنسان والرفاهية العامة. فالأنشطة السياحية والتعليمية والبحثية والصحية التي توفرها المحميات يمكن أن تكون ايجابية بشكل كبير كما أسلفنا ولكنها تشكل تحدى كبير في نفس الوقت. فمن ناحية، توفير الفرص الاقتصادية والثقافية، ورفع مستوى الوعي حول أهمية الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي، يمكن أن تؤدي أيضًا إلى آثار سلبية مثل اضطراب أو تدهور الموائل، وزيادة الضغط على النظم البيئية الهشة إذا لم يتم إدارتها بشكل صحيح. ولذلك، فإن الممارسات المستدامة التي تعطي الأولوية للحفاظ على البيئة، ومشاركة المجتمع، والسلوك المسؤول للزائرين ضرورية لضمان استمرارية المحميات والمجتمعات التي تعتمد عليها على المدى الطويل.
واخيراً، أوصي نفسي وكل من يُعد من افراد المجتمعات المحلية للمحميات المساهمة في هذه الجهود والتنمية المستدامة التي نتطلع للوصول لها في وطننا الغالي، عبر هذه الومضات القصيرة. أولاً ثقف نفسك وابق على اطلاع بالقضايا البيئية وممارسات المحميات على البيئة وأهداف التنمية المستدامة المتعلقة بها. ثانياً استثمر بنفسك أو بأفراد عائلتك في بناء القدرات والمهارات اللازمة بالتنمية البيئية المستدامة. ثالثاً شارك في مشاريع الحفاظ على البيئة في منطقتك، وتطوع مع المنظمات البيئية، ودافع عن السياسات والقرارات التي تعزز الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة. رابعاً اجعل من صوتك قناة لرفع مستوى الوعي وحشد الدعم للقضايا البيئية. خامساً اعتمد خيارات أسلوب حياة مستدامة عند التنزه وزيارة المحميات عبر تقليل النفايات والحفاظ على المياه والممارسة المسؤولة، وشجع من معك والآخرين على القيام بالمثل. سادساً قدم الدعم المالي من منح أو تبرعات للمنظمات غير ربحية ومشاريع الحفاظ على البيئة التي تتوافق مع قيمك وأولوياتك.
ندرك أن الحفاظ على الطبيعة والتنمية المستدامة هما مسعى طويل الأمد يتطلب الصبر والمثابرة والتعاون من الجميع. فكن ملتزمًا بإحداث تأثير إيجابي على الكوكب والأجيال القادمة بطريقتك الخاصة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال