الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل حادثة التسمم الأخيرة التي شهدتها مدينة الرياض، والتي أثارت القلق في أوساط المستهلكين، نجد أنفسنا أمام معضلة اقتصادية وصحية تتمثل في مادة يومية بسيطة وهي المايونيز. هذا المكون الذي طالما كان رفيق السندويتشات والسلطات، أصبح الآن مصدرًا للقلق بعد أن كان مصدرًا للمتعة.
مساء الخميس أصدرت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بيانا مهما حول هذه الحادثة، اكدت فيه حرص القيادة السعودية على متابعة حادثة التسمّم الغذائي التي حدثت في أحد مطاعم مدينة الرياض، وقد صدرت في حينه التوجيهات الكريمة للجهات المختصة التي باشرت الحدث، من وزارات وهيئات ولجان، برفع تقارير مفصّلة على مدار الساعة عن ملابسات التسمّم وأسبابه والمتسبّبين فيه، بما في ذلك نتائج التحاليل المخبرية للعينات التي تم أخذها من عدة منشآت، وكذلك تقارير عن العناية الطبية التي يتم توفيرها لكل من يُشتبه بتعرضه للتسمم.
وقد تأكد خلال الساعات الأولى لإجراءات التقصي الوبائي بأن التسمم منحصر في أحد مطاعم مدينة الرياض، تلا ذلك السعي لتحديد نوع التسمم وسببه بشكل قاطع من خلال فحوصات مخبرية دقيقة تمت في مختبرات ومراكز بحوث محلية، وبالتعاون مع مختبرات عالمية لها باعٌ طويلٌ وخبرات تخصصية في التسمم الغذائي، حيث ثبت بما لا يدع مجالًا للشك من النتائج التي توصلت إليها تلك المختبرات أن مصدر التسمم ينحصر في أحد الإضافات الغذائية المكمّلة، وجرى على الفور تحديد مصدرها وسحبها بشكل كامل من الأسواق والمنشآت الغذائية في مناطق المملكة كافة.
بالطبع هذا الاهتمام من اعلى سلطة في البلاد، إشارة واضحة، الى ان ما تبذله الدولة من جهود وتُسخّره من إمكانيات لضمان السلامة والصحة العامة لكل مواطن ومقيم على أراضيها. كما انها منحت الثقة لقطاع اقتصادي مهم وهو قطاع الأطعمة والمشروبات والذي يساهم في الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 9.5 في المائة وتبلغ مساهمته بأكثر من 94 مليار ريال، وكان سيتأثر وتنعدم الثقة فيه، اذا بقي هكذا دون تحقيق من اعلى المستويات.
واستنادا الى بيانات معاملات نقاط البيع الصادرة عن البنك المركزي السعودي، اظهر قطاع المطاعم والمقاهي نموا ملحوظا مع زيادة المبيعات على أساس سنوي بنحو 14 في المائة، بالطبع يشير معدل النمو هذا الى ارتفاع في انفاق المستهلكين ضمن هذا القطاع، ويتوقع ان تواصل مطاعم الوجبات السريعة في الاستحواذ على الحصة الأكبر من سوق المطاعم والمقاهي في السعودية وإمكانية ارتفاعها الى 36.6 في المائة حتى عام 2025، أي ما يعادل اكثر من 3 مليارات ريال، وستظل المقاهي تحتل المرتبة الثانية من حيث الحصة السوقية بنسبة 29 في المائة من اجمالي السوق، أي ما يعادل اكثر من 27 مليار ريال عام 2025.
لطالما كان المايونيز جزءًا لا يتجزأ من المطبخ العالمي، مضيفًا نكهة غنية وملمسًا كريميًا للعديد من الأطباق. ومع ذلك، فإن الأحداث الأخيرة في الرياض قد ألقت بظلال من الشك على هذا المكون الشهير. حيث أدى ظهور بكتيريا “كلوستريديوم بوتولينوم” في عينة من المايونيز إلى حالات تسمم غذائي، مما أجبر السلطات على اتخاذ إجراءات صارمة لضمان سلامة الجمهور.
بالتأكيد مع النمو المتسارع في استهلاك المايونيز عالميا، والذي بلغ نحو 13 مليار دولار، ومن المرجح ان يصل الى 16 مليار دولار، ونمو سنوي متوقع نحو 5 في المائة، ودفع الطلب عليه بعدما ساهمت عدة عوامل بما في ذلك الابتكارات في تعبئة المنتجات، وفي منطقة الشرق الأوسط ساهمت المطابخ الدولية والشعبية المتزايدة لبرامج الطهي على مواقع التواصل على انتشاره.
اعتقد ان هذه الحادثة ستنعكس من الناحية الاقتصادية على القطاع، فهذه الازمة بمثابة ضربة قوية للمصانع والمطاعم والمنشآت الغذائية التي تعتمد على المايونيز كمكون أساسي في منتجاتها، إيقاف توزيع المنتج وسحبه من الأسواق ليس فقط يؤدي الى خسائر مالية فورية، بل يؤثر أيضا على سمعة العلامات التجارية ويثير الشكوك حول معايير السلامة الغذائية، خاصة ان الامن الغذائي هو أساس الثقة بين المستهلكين والمنتجين، عندما يتم تقويض هذه الثقة، يصبح من الضروري إعادة بنائها من خلال الشفافية والمساءلة، كما ان الإجراءات التي اتخذتها السلطات السعودية تظهر التزاما بالحفاظ على معايير السلامة العالية وحماية المستهلكين.
من المهم الان أكثر من أي وقت مضى ان تتخذ الشركات المصنعة خطوات استباقية لضمان جودة منتجاتها، يجب ان تكون الاختبارات المخبرية والرقابة الصحية جزءا لا يتجزأ من عملية الإنتاج، وأيضا ان تكون الشفافية هي القاعدة وليس الاستثناء.
يمكننا القول إن أزمة المايونيز في الرياض قد ألقت الضوء على أهمية الأمن الغذائي والحاجة إلى معايير صارمة للسلامة الغذائية. ومع استمرار السلطات في جهودها للسيطرة على الوضع وضمان سلامة الغذاء، يجب على المستهلكين أيضًا أن يكونوا يقظين وأن يستقوا معلوماتهم من مصادر موثوقة. فالوعي والمسؤولية المشتركة بين جميع الأطراف هي الخطوة الأولى نحو ضمان مستقبل أكثر أمانًا للغذاء الذي نستهلكه.
كما يجب التأكيد على أهمية الدور الذي تلعبه المطاعم في الحفاظ على سلامة الغذاء. وواقعة الرياض الأخيرة تعد بمثابة جرس إنذار لجميع المنشآت الغذائية لتكون أكثر يقظة وحرصًا. يتوجب على المطاعم التي تستخدم المايونيز التأكد من صلاحية المنتج وتخزينه بالشكل الصحيح، مع الالتزام بأعلى معايير النظافة والسلامة. مع التأكيد انه لن يفلت من العقوبة، كل من يتهاونن وهذا الحدث لن يمضي دون محاسبة كل من يثبت تقصيره أو إهماله أو تهاونه بالسلامة أو الصحة العامة أو قيامه بعمل يُقصد به تضليل إجراءات التقصي والتحقيق من وصولها إلى الحقائق المتعلقة بمسببات التسمم.
وبكل حزم اشارت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، الى أن التحقيقات الأولية التي أجرتها قد أظهرت وجود محاولات لإخفاء أو إتلاف أدلة، وأنه قد يكون هناك تواطؤ من قِلّةٍ من ضعاف النفوس من مراقبي ومفتشي المنشآت الغذائية ممن سعوا لتحقيق مكاسب شخصية غير مبالين بالسلامة والصحة العامة، كما صدرت التوجيهات الكريمة بمساءلة ومحاسبة كل مسؤول، أيًّا كان منصبه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال