3666 144 055
[email protected]
هبوط أسعار النفط الأخير كان مفاجأة للجميع، وقد سار نحو الهبوط بخطى متسارعة لم يكن أحد يتوقعها، ولعله من نافلة القول أن نذكر أن الأسعار كانت قد ارتفعت إلى ما فوق 155 دولارا للبرميل قبل الهبوط بأيام قليلة دون أي مبرر ظاهر لذلك الصعود، وهو ما شجع بعض الدول التي كان لديها فائض إنتاج لزيادة إنتاجها، رغم عدم ضرورة ذلك.
وتزامن الوضع مع ارتفاع سعر الدولار، ومن المعروف وجود كميات كبيرة من المخزون النفطي، غير الاستراتيجي، في بطون الناقلات العملاقة وفي أماكن أخرى قريبة من بعض دول الاستهلاك، هذا إضافة إلى توقف عدد من معامل التكرير من أجل الصيانة الدورية، وهو ما ساهم في خفض الطلب.
كما أنه، وفي الوقت نفسه، ارتفع الإنتاج الليبي إلى ما يقارب 800 ألف برميل، بإضافة 300 ألف برميل، فتجمعت كل هذه العوامل وأشعرت المشترين بأن هناك كميات فائضة من النفط تزيد على متطلبات الاستهلاك العام، فتهاوت الأسعار، وهي نتيجة طبيعية لمثل تلك الظروف.
ومن المؤسف أن الدول المنتِجة، ومن ضمنها دول الأوبك، لم تلق لذلك بالا وتسارع إلى تخفيض الإنتاج لحماية الأسعار، حتى أن دول الأوبك تنتظر الآن حتى يحين موعد اجتماعها المقبل في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، لتقرر ما إذا كان هناك حاجة إلى تخفيض الإنتاج أو ترك الأمور على ما هي عليه اليوم.
والمنطق والمصالح العامة لدول الإنتاج يتطلبان اتخاذ إجراءات عاجلة نحو تخفيض ولو نسبة قليلة من مستوى الإنتاج الحالي بأسرع ما يمكن، خصوصا أن بعض دول الأوبك تنتِج كميات أكبر مما هي بحاجة إليه.
ومن صالح مستقبل الأجيال أن ينخفض الإنتاج في أقرب مناسبة، ولا هناك ما يقيد هذه الدول بسقف الإنتاج، فهي أصلا لم تتقيد به ولكل دولة حرية الإنتاج عند المستوى الذي تريده.
ونظرا لعدم اتخاذ قرارات حاسمة حتى الآن، فمن المرجح أن يستمر الهبوط حتى يمتص السوق جزءا من الفائض، ثم تعود الأمور إلى سابق عهدها. قد يكون ذلك قبل نهاية العام الحالي أو في أوائل العام المقبل.
والاتجاه العام للأسعار منذ أكثر من 15 عاما الصعود المتدرج، ومهما حصل من معوقات آنية فلن يتغير الاتجاه لأن الدافع الرئيس هو ارتفاع الطلب، وسيحل على الساحة عامل جديد، ربما خلال السنوات العشر المقبلة، وهو بدء نضوب النفط التقليدي الذي يمد العالم حاليا بما يزيد على 70 في المائة من الإنتاج العالمي.
وهناك حديث حول تأثير النفط الصخري في الأسعار، وهو غير دقيق، نعم، أضاف الصخري إلى الإنتاج العالمي ما يزيد قليلا على ثلاثة ملايين برميل خلال السنوات الخمس الماضية، ولا يزال يضيف سنويا بضع مئات.
لكن إنتاج الصخري أصبح جزءا من الإنتاج العالمي الذي يبلغ قرابة 92 مليون برميل يوميا، مع العلم بأن الطلب العالمي البالغ حول هذا المستوى يزيد سنويا بمقدار مليون برميل، ويقابله هبوط روتيني في الإنتاج نتيجة للنضوب الطبيعي للحقول النفطية.
لذلك فلا يمكن أن نعزو أي جزء من هبوط الأسعار إلى الإنتاج الصخري، ومعروف أن تكلفة معظم الإنتاج الصخري بين 70 و90 دولارا للبرميل، وسيكون الصخري أول ضحايا نزول الأسعار لو وصل الهبوط إلى 80 دولارا للبرميل.
وتوقف بعض الإنتاج الصخري سوف يكون له عواقب تتعدى نزول كمية الإنتاج، إذ من المؤكد أن أي نزول في إنتاج الصخري سوف يتسبب في تسريح مئات الألوف من العاملين في هذا المجال، وهذا آخر شيء تتمنى الحكومة الفيدرالية والحكومات المحلية في أمريكا حدوثه.
وبعد أن تتعافى الأسعار وتعود إلى مستواها السابق، فمن المرجح أن تظل تراوح مكانها لبضع سنوات. أما على المدى المتوسط، عشر سنوات، والبعيد، 20 سنة فما بعد، فمن المؤكد أن الأسعار سوف ترتفع تدريجيا إلى مستويات قياسية.
والسبب احتمال حدوث نقص حاد في الإمدادات النفطية، نظرا لتقدم عمر نسبة كبير من الحقول المنتِجة، والأمل ضعيف في وجود حقول جديدة من النوع التقليدي الرخيص، فمعظم الاكتشافات المستقبلية سوف تكون في أماكن نائية، إما مناطق جليدية أو في أعالي البحار.
وهناك مصادر النفط الصخري والصخر النفطي والرمال النفطية والثقيلة، وأغلبها لا يمكن إنتاجها اقتصاديا في الوقت الحاضر، وتنتظر أسعار ما بين 150 و200 دولار للبرميل، وإنتاجها بطبيعته متدن إلى درجة كبيرة.
ومن الآن فصاعدا، متوقع أن تلعب المصادر المتجددة، وعلى وجه الخصوص الطاقة الشمسية، دورا متميزا كأحد مصادر توليد الطاقة في جميع أنحاء العالم، وهي الطاقة المتيسرة للجميع، ومن حسن المصادفة أنها المصدر الوحيد بين مصادر الطاقة التي تنخفض تكاليفها سنويا منذ أكثر من 30 عاما، وهي طاقة مستديمة ونظيفة وآمنة.
التراجع السعري عند مستواه الحالي، لن يكون له تأثير كبير في الدول المنتِجة، ونقصد بذلك الدول الخليجية، وذلك لعدة أسباب: منها أن تلك الدول لديها فوائض مالية كبيرة نتيجة لحجم إنتاجها خلال السنوات الماضية، يلي ذلك كون الأسعار خلال معظم أشهر السنة الحالية كانت مرتفعة، ولو انخفضت الأسعار إلى درجة متدنية، فسوف يتوقف قسم كبير من “الصخري” وتعود الأسعار إلى الارتفاع مرة أخرى،
إنتاج “الصخري” أكثر حساسية لمستوى الأسعار، من بين المصادر الأخرى، فحتى عندما كان السعر قريبا من 100 دولار، لم تكن شركات إنتاج الصخري تسترد كامل مصروفاتها، أي أنها كانت تعاني نقصا في السيولة المالية.
ومعروف أن الرابح من عمليات إنتاج الصخري هي شركات الحفر وخدمات الآبار، وبطبيعة الحال الموظفين والعمال، وسوف تنتعش أرباح شركات الإنتاج عندما يتعدى السعر 115 دولارا فما فوق.
وإنتاج الصخري في وقتنا الحاضر هي خاصية أمريكية لأسباب كثيرة، لعل أهمها، توفر أجهزة الحفر والمعدات الأخرى والأيدي العاملة المدربة وسهولة حفر الآبار، إلى جانب تغاضي الحكومة عن تأثير إنتاج الصخري في البيئة، ولذلك فإنتاج النفط الصخري خارج أمريكا يحتاج إلى سعر أعلى من 150 دولارا للبرميل، ليكون اقتصاديا.
ارتفاع إنتاجنا خلال الأشهر القليلة الماضية كان من ضمن الأسباب التي أدت إلى هبوط الأسعار، مع العوامل الأخرى التي جاء ذكرها آنفا.
ليس سرا أن إنتاجنا هو من مصدر ناضب، وأننا نعتمد عليه في جميع شؤون حياتنا، وهذا أمر خطير للغاية، فأمامنا مستقبل مجهول، ويعني أننا لن نترك لأجيالنا ما يعينهم على الحياة فوق هذه الأرض الصحراوية.
نحن نحاول منذ أكثر من 40 عاما تنويع دخلنا وإيجاد مصادر مستقلة عن المداخيل النفطية، لكن دون جدوى، ربما بسبب ضخامة حجم الدخل النفطي الذي يغطي جميع احتياجاتنا.
لذلك نود لو أن إنتاجنا يكون مرتبطا بمصالحنا المباشرة وليس تبعا لمتطلبات السوق النفطية، كما هي عليه الحال اليوم، فمستقبلنا أولى بالعناية من الاهتمام بالاقتصاد العالمي على حساب مصالحنا.
الإنتاج النفطي هو مصدر دخل مرحلي، وله عمر محدود، وكلما عظم الاستنزاف قل عمر النفط، ونحن لم نأل جهدا في استنزافه قدر المستطاع، وهذا مقلق لنا ولمصير أجيالنا، فأعدادنا فوق رمال الصحراء تنمو نموا سريعا ودخلنا مقبل على مرحلة الهبوط الذي سوف يستمر حتى نهايته.
سوف يتناسب عدد السكان، بعد فترة من الزمن، عكسيا مع مستوى الدخل، وهو حدث خطير سوف ينقل حياة أحفادنا إلى العوز والفقر وقلة ذات اليد، فقد وصلنا اليوم إلى مستوى من الرفاه القاتل للطموح، وهو ما سوف ينعكس على تربية أولادنا. وهذا واضح من استقدامنا ملايين العمالة الوافدة التي تؤدي عنا جميع الأعمال والواجبات وتنهك اقتصادنا.
الطريق الأمثل الذي يلبي طموحنا ويعطينا الأمل في استمرار العيش في بلاد خالية من جميع مقومات الحياة، هو استدراك الأمر وتخفيض الإنتاج النفطي إلى مستوى أدنى من متطلبات وجودنا.
وعلينا أن نعمل دون مساندة من عمالة وافدة ونصبح شعوبا منتِجة تعيش من عرق جبينها، أسوة بجميع أمم الأرض، وهذا يتطلب أيضا التحول التدريجي إلى نوع من التقشف المحمود في المعيشة والحياة، هذا إذا أردنا أن نوجد أجيالا تعتمد على ذاتها في معيشتها واستقرارها.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734