3666 144 055
[email protected]
انخفض سعر برميل النفط المرجعي برنت آي سي إي نهاية الأسبوع الماضي إلى قرابة 69 دولارا للبرميل، وهذا أدنى سعر منذ 2010. والاحتمال وارد أن تشهد الأسعار مزيد انخفاض بنحو بضعة دولارات في الأسابيع أو الشهور القادمة.
الانخفاض الحالي متزامن مع أوضاع الاقتصاد الدولي الحالية. الاقتصاد العالمي، وكما أكدت تقارير صندوق النقد الدولي المقدمة إلى لقاءات مجموعة العشرين، يتعرض لمخاطر ناتجة عن أزمات كثيرة ولدتها الأزمة المالية العالمية، وخاصة في دول ذات تأثير واضح في مجريات الاقتصاد الدولي. وستمر سنوات قبل أن يستعيد الاقتصاد العالمي عافيته.
وهناك عوامل أخرى كتوسع الإنتاج من النفط الصخري. بل ينظر إلى الانخفاض الحالي في أسعار النفط كما لو أنه حرب غير معلنة بين النفطين التقليدي والصخري.
لو بقيت أسعار النفط على مستوياتها الحالية أو أقل سنوات، فهذا مؤذن بانتهاء طفرتنا الحالية.
لماذا؟ كانت الميزانية تتوازن عند سعر 25 دولارا للبرميل قبل نحو عشر سنوات. وقتها كان الإنفاق الحكومي قرابة 250 مليار ريال. أما الآن، فإن السعر المطلوب لتوازن الميزانية هو في حدود 85 – 90 دولارا للبرميل، لأن الإنفاق الحكومي للعام الجاري لا يقل عن 800 مليار ريال. وهو إنفاق لا يدخل فيه ما خصص من الفائض لمشروعات بعينها كالنقل العام.
من العام القادم، من المتوقع أن تبدأ الميزانية العامة في الدخول في دائرة العجز، وسيرتفع هذا العجز بالتدريج. كيف يعالج هذا العجز؟ غالبا بالسحب من الاحتياطي المتكون من فائض الميزانية في سنوات الرخاء. وإذا انخفض بوضوح، ستلجأ الحكومة إلى التقشف في الإنفاق وفي التوظيف. التقشف يؤدي غالبا إلى التوقف عن تنفيذ المشاريع وتوسيع البنية التحتية. وكل هذا يترجم عادة إلى ركود أو ما يشبه الركود الاقتصادي.
لن يكفي التقشف، ومن ثم قد تلجأ الدولة إلى الاقتراض.
صورة مغايرة لما شهدناه في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت أسعار النفط فزادت الإيرادات بنحو خمس مرات، وتبعها توسع الإنفاق الحكومي وطفرة في المشاريع وفوائض وسيولة تملأ المصارف ومعدلات تضخم عالية نسبيا.
التجربة السابقة ليست بجديدة علينا. فقد مررنا بطفرة في السبعينات من القرن الميلادي الماضي، تلتها فترة ركود فانكماش منذ أواسط الثمانينات.
جر ارتفاع الدخل في تلك الطفرة إلى كثرة الأوهام حول ثراء البلد، وبنيت عليها مطالبات ومطالبات، ونسي المتوهمون أن يفكروا لأبعد من يومهم.
تتكرر الأوهام عن أوضاعنا المالية، حيث ساد عند كثيرين وهم أن المال وفير جدا متاح لتحقيق كل ما تتمناه النفوس، وحل كل المشكلات التي تواجه المجتمع. وترى الرؤية المباشرة أو غير المباشرة خلال الطفرة الحالية وعند كثرة من أفراد المجتمع أن أسعار وإيرادات النفط ستبقى مرتفعة ومجزية لتأمين مستوى معيشي مرتفع لعامة الشعب، ونظر إلى النفط كما لو أنه مورد غير ناضب.
ساد ولا يزال النمط الاستهلاكي وجزء كبير منه غير مدعوم بقاعدة إنتاجية تحميه.
تكلم متكلمون مطالبين بالترشيد في الصرف وحسن الإنفاق، وبعد النظر بالتحسب للمستقبل. وقفوا ضد المطالبات بزيادة الإنفاق والتي رفعها كثيرون باسم تحسين مستوى المعيشة دون أن يواكبها مطالبات برفع الإنتاجية الداعمة لزيادة الإنفاق. ولكن هذه النصائح قوبلت بانتقادات واتهامات كثيرين. قالوا إن النظرة السوداء سيطرت على عقول الناصحين، ورموا بأنهم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله. وتسمع عبارات “الرازق في السماء والحاسد في الأرض”.
يتزامن مع ارتفاع أسعار النفط الغلاء، ويتوسع الإنفاق الحكومي وتكثر المشاريع، وتتوسع الخدمات والإعانات الحكومية، ويكبر حجم الاقتصاد. ويزداد أهل الثراء ثراء. ويزيد الفساد.
أما في حال تدهور الأسعار واستمرارها فيشد مئزر الإنفاق الحكومي شدا.
وشد مئزر الإنفاق الحكومي يعني تقلص الاقتصاد. وعندما يتقلص الاقتصاد يتقلص دخل الجميع.
فهل من متعظ؟.
كيف الاتعاظ؟ سؤال إجابته مطلوبة بكل جدية من الجميع وتهم الجميع.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734