الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هل حدث وأن زرت مؤسسة ما -في قطاع عام أو خاص- لإنجاز معاملة واستوقفك بداخل أحد مكاتبها أثناء انتظارك، مشهداً أثار تساؤلك؟.. لماذا شخص واحد يعمل وبقية الموظفين يمضون بقية اليوم بلا عمل؟! بل أنه قد يثير استغرابك أنك لماذا شعرت مباشرةً وكأنهم جاؤا ليتسلوا فقط داخل هذه المؤسسة! هل خمنت غياب المدير عن هذه المؤسسة فبدى لك وكأن الجميع يأخذ قسطاً من الراحة في فترة غيابه؟
في الواقع الإقتصادي والإداري سنرى تخمينك خاطيء ياعزيزي الفرد المستفيد من هذه المؤسسة والذي يشاهد بيئة العمل عن بعد. ولكن لاتقلق.. سوف نُدخلك معنا في عمق هذه المسألة وسنخبرك أيضاً بواقع عملي لم يخطر لك بالبال.
هل تعلم أن المدير يعلم تماماً بما يفعل هولاء الذين وُظّفُوا أصلاً لكي لا يعملـون؟ هل تعلم إنهم مجرد أعداد تحتاج لها المؤسسة.. وليس هناك أي حاجة فعليه لجهودهم؟ وأن هذا الموظف الذي رأيته يعمل وينتج، والموظفين الذين رأيتهم لايشاركونه بشي ولا ينتجون.. جميعهم بلا استثناء في نهاية الشهر يتقاضون نفس الراتب الشهري.. بل ونفس التقييم الوظيفي أيضاً!
إن الوضع المريح الذي رأيته والذي لايتطلب من الموظف جهداً في تلك المؤسسة.. بلا شك جعلك تغبط بالنظرة الأولى وضع الموظفين المتسكعين على الموظف المجتهد، يسمى هذاالوضع بـ”البطالة المقنعة”، فما هي البطالة المقنعة؟؟
تُخلَق البطالة المقنعة بعلم رؤساء ومدير المؤسسة، وتُعرّف على أنها هي الحالة التي يتكدس فيها عدد كبير من العاملين بشكل يفوق الحالة الفعلية للعمل، مما يعني وجود عمالة زائدة لا تنتج شيئا تقريباً، وتتقاضى أجراً أكبر بكثير من الجهد الذي تؤديه.
وللبطالة المقنعة عدة أشكال ولها دهاليز ومخارج كثيرة، ففي مؤسسة يُعامل فيها المدير موظفيه بناءً على العلاقات الشخصية كأن يقوم المدير بمنع كافة المهام والتكاليف عن موظف ما.. لأنه لايحبه، أو لأن أحد معارفه الشخصيين أولى بالظهور على ساحة الجهد والإنجاز والحوافز من الجميع فيكلفه بكمٍ من المهام مع تعطيل مقصود لبقية الموظفين، ليصبح هولاء الموظفين بالإجبار خاضعين لتبعات البطالة المقنعة وكأنهم عاطلين لافائدة منهم ولكن بفرق أنه يتقاضون راتباً شهرياً.
وفي مجال عمل آخر.. قد يُوظف فرد ليس ذو خبرة كقائد أو رئيس قسم، فيجلس على كرسيه مشيراً لبقية الموظفين بعمل واجباته ومهامه بينما هو يقضي وقته يشاهد برنامجاً مسلياً ويحتسي فنجان قهوة!
أما النوع الذي يتكرر دائماً من أشكال البطالة المقنعة.. وكمثال حي من بيئة عمل إدارية، توظيف شخص من مجال صحي في مجال إداري بحت!! فتكثر أخطاء هذا الموظف الذي لم يدرس حرفاً واحدا من فنون الإدارة، فيصبح بحاجة للتدريب كل وقت وكل حين وكلما استجد قرار، و كحَل أمثل لتخفيف حدة أخطاءه سيطلب المدير دائماً وأبداً من الجميع مساعدته دون التفكير في تغيير موقعه والقضاء على أحد مسببات البطالة المقنعة والتي جعلت منه متفرجاً على العمل فقط! فمن مقتضيات العمل بهدف الإنتاج أنه يجب وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
في موضوع “البطالة المقنعة” لن نلقي باللوم على المدير فقط، فعلى الرغم من سوئها.. فإن بعض الموظفين يشعرون بالرضا لكونهم خاضعين لتبعاتها، وسيعجبهم دوماً ماهم عليه من قلة عمل، أو إنعدام عمل، ولن يعجبهم أبداً أن يناط بهم لمهمة تتطلب جهداً ووقتاً، وهكذا سيصبح المتضرر الأول من هذا الأمر هي المؤسسة والمدير في حال لو اضطر إليهم وهم لايملكون بفعل التعطيل المقصود أي خبرة!
الملفت إن مساويء البطالة المقنعة تعدت هدر المال وهدر الطاقة البشرية بلا هدف، بل أصبح هناك هدر للوقت الذي سوف يمس الموظفين أيضاً امتداداً مع سنوات عمرهم الوظيفي، والذي كان يمكن للموظفين فيه أن ينتجوا ويتعلموا ويتدربوا ويخرجوا بخبرة ممتازة من هذه المؤسسة في المستقبل.
وبشكل مختلف.. قد تساهم قوانين وزارة العمل أحياناً في ولادة البطالة المقنعة دون قصد، ففي المملكة في فترةٍ سابقة.. نشأ برنامج (نطاقات) عبر وزارة العمل السعودية للحد من العمالة الأجنبيه في القطاعات الخاصة على حساب السعودة، حينها اضطرت الشركات والمؤسسات رغماً عنها إلى توظيف أكبر عدد من السعوديين وإيهامهم بعد قبولهم بالوظيفة برواتب لاتتعدى ثلاث آلآف ريال.. أنهم في فترة تدريب، ولإقناعهم قاموا بالفعل بارسالهم لمراكز تدريب رخيصة، وكل ذلك حصل ليتمكن أصحاب الشركات والمؤسسات من استخراج فيز للعمالة الأجنبية التي سيسمح النظام بإستخراجها بعد مشاهدة عدد الموظفين السعوديين في تلك الشركات والمؤسسات دون وعي من الوزارة أنهم مجرد اسماء كالوهم تتقاضى أجراً وأنهم مُعطلين وظيفياً.
هذه البطالة المقنعة الناشئة من تكدس السعوديين في هذه الشركات بلا عمل مع وجود عائد مادي شهري، أضاف عبءً آخر على هذه الشركة التي لاتستفيد منهم ومع ذلك تدفع لهم رواتب شهرية!
إن أقرب مايمكن أن يقال عن الموظفين تحت ظل البطالة المقنعة أنهم موظفين عاطلين!
وبرأيي كفرد يشاهد الكمية العظمى من أشكال البطالة المقنعة في مجال عمله.. إن البطالة الطبيعية الناتجة عن قلة توفر الوظائف مقبولة اقتصادياً ونفسياً على الأفراد أكثر من البطالة المقنعة والتي يعتبر نشؤها حيلة يحتال بها أصحاب الشركات والمؤسسات على القوانين التي تطلقها الدولة بشأن العمل، فالبطالة المقنعه إن وقعت لن تكون معطله للإنتاج وحسب، بل إنها ستعبـث دوماً بنفوس العاطلين والعاملين معاً.
الرويلي
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال