الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في مقالات قديمة وأيضا سلسلة من خمسة مقالات تحدثت فيها بإسهاب عن مشكلة العمل في المملكة، وكنت أقول وما زلت مصرا على أن الحل لا يمكن أن يكون بقوة النظام وهيبة الدولة فقط، لن يقدم هذا أو يؤخر شيئا في عجلة العمل لدينا، ومسألة العمل والعمال قضية هائلة جدا، ويجب التعامل معها وفق ما أسسته التجارب الإنسانية على مدى عصور، يجب علينا ألا ندخل مغامرات بل علينا فقط أن نوطن النظريات الاقتصادية المستقرة، التي بناها هذا العلم منذ أكثر من أربعة قرون. في تقرير أوردته “الاقتصادية” يوم الخميس الماضي جاءت فيه أرقام مخيفة فعلا عن اتجاهات سوق العمل في المملكة فقد بلغ عدد العاملين في القطاع الخاص في السعودية خلال 2014، نحو عشرة ملايين عامل، 15.5 في المائة منهم سعوديون (1.55 مليون عامل)، فيما شكل الأجانب 84.5 في المائة بعدد 8.47 مليون عامل. في المقابل ارتفعت رواتب السعوديين في القطاع الخاص بنحو 5 في المائة، بعد أن كان المتوسط 4748 ريالا في 2013، بينما تراجع متوسط رواتب الأجانب بنحو 2 في المائة، حيث كان 1176 ريالا. أي اقتصادي في العالم ولو مبتدئ سيعرف أن هناك خطأ ما في هذا البيانات لا يعقل أن يرتفع عدد العاملين في السوق السعودية ثم ترتفع الرواتب للسعوديين فقط وتنخفض للأجانب. كان يجب أن تنخفض على الطرفين معا لزيادة حجم المعروض مع خدمات العمل أو تزيد للطرفين معا إذا كان عدد العمال لا يفي بمتطلبات النمو الاقتصادي، لكن وبعد كل الضغوط الإعلامية لدعم نطاقات أقولها بكل صراحة إنه لم يحقق المرجو منه، ويجب إيقافه.
فنحن ما زلنا نعاني مشكلة وجود مستويين للعرض في سوق العمل، وللسلعة نفسها، وهي قوة العمل البحتة غير المعقدة. والسؤال الكبير ما هو الذي أجبر رجل الأعمال أو القطاع الخاص برمته أن يدفع قريبا من خمسة آلاف ريال لعامل وهو يعرف أنه يستطيع أن يحصل على الخدمة نفسها بل أفضل منها وبألف ريال فقط؟ إنها قوة النظام الذي أتى بها نطاقات، وهذه لن تنفع وحدها لأنها بعد أن فقدت رصيدها من التبرير الاقتصادي فقد أوجدت سوقا سوداء وهي السعودة الوهمية. وفي السعودة الوهمية يتفق الطرفان على تقديم خدمة ليست “العمل” بل “تغطية وتأمين” ضد مخاطر السعودة. لأن رجل الأعمال ناضج اقتصاديا فهو يفضل أن يدفع 1100 ريال للعامل الأجنبي إضافة إلى 1500 ريال للتأمين ضد نطاقات (عقد سعودة وهمي) أي يكون المبلغ الإجمالي للعمالة الأجنبية هو 2700 ريال بينما أقرب راتب حقيقي للموظف السعودي وحسب الإحصائية هو خمسة آلاف ريال. إذا كل ما فعله نطاقات هو رفع تكاليف العمل على رجال الأعمال دون أن يصلح من هيكل السوق.
لقد خضنا في الشهور الماضية تجربة مميزة جدا في سوق العمل وهي تستحق النقاش، فمع ضغوط السعودة وضغوط وزارة الداخلية على العمالة الأجنبية فقد كان أجر العمالة الأجنبية مرتفعا نوعا ما، هذا ما لمسته شخصيا من نقاشات خاصة مع عدد من رجال الأعمال، ثم لما قررت الدولة أن تصحح وضع العمالة اليمنية في المملكة، خاصة تلك التي ليست لديها أوراق نظامية للعمل ارتفع عدد العمال الأجانب في المملكة النظاميين بصورة واضحة جدا وهذا أدى ببساطة إلى انخفاض ملحوظ في سعر وحدة العمل لكل عامل أجنبي، فالشاهد هنا أن ضغوط وزارة العمل ووزارة الداخلية على السوق لم تفلح في تصحيح حالة السوق بل ارتفعت تكاليف العمل على المواطنين فقط وكان العمال غير النظاميين في السوق يحصلون على عوائد كبيرة بسبب هذه الضغوط بينما يدفع المواطنون جميع هذه التكاليف (وهذا اقتصاديا صحيح، فالمواطن الذي يحتاج إلى خدمات العمال عليه دفع التكاليف المترتبة كافة على ذلك). لكن عندما تم تصحيح وضع العمال تراجعت الأجور قليلا نظرا لأن تكلفة الخدمات تخلصت من عبء المراقبة الحكومية.
إذا المسألة كما قلت وسأعود للقول إنها قضية اقتصادية بحتة ويجب أن يتم التعامل معها على هذا الإطار، لأن الشيء بالشيء يذكر، فإن تصحيح سوق العقار لن يحدث ما لم يتم تصحيح الخلل في سوق العقار وذلك بإجبار الناس على تداول الأراضي بدلا من خزنها، ولكن هذا الإجبار جاء بفكر اقتصادي بحت وهو رفع تكلفة التخزين وتم دعمهم بقرار نظامي وهو لائحة رسوم الأراضي البيضاء. هكذا تسير الأمور، الحل الاقتصادي أولا ثم دعمه بمنظومة من القرارات الحكومية، لكن نحن نرفض الحل الاقتصادي، الذي طرحته كثيرا وفي أكثر من مقال وأكثر من سلسلة ولهذا لا يحدث سوى هذا التقرير المزعج جدا والخطير على سوق العمل السعودي في المملكة. فراتب العمال السعوديين يزيد والوظائف لهم تقل، والعمالة الأجنبية هي المنتفع النهائي حيث تزيد ووظائفهم وتزيد رواتبهم أيضا، فهل هذا هو الحل المنشود؟
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال