نسمع بارتفاع مرتبات الوظائف المؤقتة في المطاعم ومحال التجزئة ونقول عنها إنها أخبار ممتازة، فهذه الوظائف تعد محطات انطلاق للتعامل مع الجمهور وخدمة العملاء والتعرف على بعض جوانب بيئة العمل وتعد خيارا ممتازا للطلبة أو من يريد زيادة دخله من الموظفين. ولكن نسمع أيضا عن انتظار بعض المؤهلين والأكفاء لعدة شهور ـــ وربما أكثر ـــ حتى يجد وظيفة مناسبة له، ما يثير الاستغراب، هل الوضع يتحسن أم أنه يزداد ترديا؟ نتساءل: كيف ترتبط هذه المؤشرات بالأوضاع الحالية الاقتصادية والاجتماعية وماذا يفعل الشخص وخصوصا الباحث عن عمل تجاهها؟
تؤثر الظروف الاقتصادية بشكل مباشر في توافر الوظائف كما وكيفا، وتحديدا، تقل أو تزيد فرص بعض الشباب بشكل كبير في الانتقال إلى وظائف أفضل أو الحصول على وظيفة مقبولة من الأساس تبعا للحالة الاقتصادية العامة وتأثرا بالفرص التي تطرح أو تتلاشى من سوق العمل. وأنا لا أطالب بأن يسيطر الباحث عن عمل، أو من يريد أن يحسن من وضعه الوظيفي، على جميع ديناميكيات سوق العمل ويلم بكل البرامج التي تحفز طرح الوظائف في مجال معين وأن يقوم بتفسير الظروف الاقتصادية بدقة ويتنبأ بها ويغيرها. كلا، كل ما هو مطلوب منه هو أن يصمم استراتيجيته في البحث عن وظيفة بطريقة منطقية ذكية تراعي الأوضاع الحالية.
تحديدا، على الباحث عن عمل ألا يعيش في عزلة عما يحصل حوله، عليه أن يفهم جيدا أن هناك أبوابا تغلق وأخرى تفتح كل يوم، وأن ما خطط له في أول أيام دراسته قد لا يكون ملائما في آخرها. بل من الضروري أن تخضع خطته الوظيفية للتغيير حتى أثناء فترة بحثه عن العمل، سواء باستهداف قطاعات معينة أو وظائف لم يفكر فيها مسبقا.
من المستحيل أن يعي الباحث عن العمل كل تفاصيل السوق وتقلباته ومكامنه، فالسوق المحلي متنوع جغرافيا وقطاعيا وكما ونوعا. ومن التعجل أن يشعر بالعجز أو يعبر عن سخطه أو أن يؤكد كما يفعل كثير من الشباب أنه “تقدم لكل مكان” ولكنه لم يجد ما يستحق بعد. هناك دائما شركات ضخمة لا يعرفها الجميع، ومشاريع جديدة لم تعلن بعد، ومقدمو خدمات يبحثون عمن يساندهم.
يذكر المختصون أن البحث عن الفرص الوظيفية في الأوقات الاقتصادية الصعبة أو المتغيرة لا يخلو من بعض الحلول أو الخطوات التي تستحق التركيز في تلك الفترات بالذات. يعمل بعض هذه النقاط كالسحر، ولكنه بالطبع يفقد كل بريقه متى ما فقد الشخص إيمانه بقدرته على إيجاد الحلول. لذا، أولا، لا بد أن يحذر الشباب من الإحباط، وأن يتذكروا أن معظم الطرق المسدودة تسد أساسا بأيديهم عند نقص المعرفة أو ضعف الحافز.
من المهم أن يكتسب الباحث عن عمل بعض مهارات البحث عن المعلومة وأن يصل إليها دون تكلفة عالية، خصوصا التكلفة الزمنية. يجب أن يركز جهوده ويتجنب استنفاد وقته بالتقدم بطريقة عشوائية على مئات المواقع بالطريقة نفسها وبلا تركيز، من الأفضل أن يستهدف جهات محددة بتركيز عال جدا وخطة جيدة، بل من الأفضل أن تكون له سيرة ذاتية منفردة ومخصصة لكل جهة عمل يتقدم لها، ليبرز فيها ما يحوز من سمات وخصائص هو يعلم ـــ بعد استقصائه وبحثه ــــ أنها تحتوي على ما يبحثون عنه في ذلك المكان تحديدا.
تصبح الأعمال الجانبية وتأسيس المشاريع الصغيرة حلا أفضل مع مرور الوقت، ويعمل هذا الحل في معظم الأوضاع الاقتصادية؛ المشاريع التقليدية من أفضل الأمثلة على ذلك، كالمخابز التي لا يمكن الاستغناء عنها بسهولة. مهارات التواصل وبناء العلاقات وفنون التشبيك networking كما يطلق عليها أحيانا، هي البديل الرئيس لمشكلة الواسطات التي على أقل تقدير تضمن لنا إضعاف حاجتنا إلى الواسطة ومساوئها.
كذلك، يدعو كثيرون إلى الاهتمام بالمظهر وأسلوب عرض الملف الشخصي والتسويق الذاتي. الخجل والعشوائية أكثر ما يقف في طريق الشباب الباحثين عن عمل، الجرأة والتخطيط لها ـــ الجرأة المدروسة ـــ من أهم ما يمكن أن يقلب الموازين عندما تتاح تلك الفرص النادرة والقليلة أو التي لا يمكن تكرارها بسهولة، وهذا تماما ما يحصل أثناء الظروف الاقتصادية المتغيرة.
مما لا يتحدث عنه البعض أن تغير تكلفة بعض عناصر المعيشة لا يؤثر في تكلفة ما نشتري فقط، بل له دور كبير في تغيير نماذج الأعمال كذلك، وهو يؤثر أيضا في الجهات الحكومية إذ إنها تتطور بتطور القطاع الخاص وتحسين أسلوب رقابتها ومؤشرات أدائها. تغيير هوامش التكلفة على مستوى الدولة يخضع معظم الجهات إلى مراجعة إداراتها للموارد والقيمة التي تضيفها في نهاية الأمر، والوظيفة من أهم العناصر التي تخضع للتغيير في مثل هذه الحالات، لتتغير التوقعات ويتركز البحث عن مواصفات محددة قد يكون من الممكن التخطيط لها واستهدافها.
نقلا عن الاقتصادية