الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
صدر مؤخراً نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الجديد ، وقد إستبشر الكثيرون وأنا منهم بصدور هذا النظام ، والذي سيشكل نقطة تحول في العمل الخيري ، وقد شمل النظام العديد من التعديلات التي من المؤمل أن يكون لها أثر إيجابي كبير على العمل الخيري والإجتماعي في الداخل . القطاع الخيري يطلق عليه القطاع الثالث ، لأهميته ومقارعته للقطاعين الحكومي والخاص ، فالجمعيات الخيرية مناط بها عمل جليل وكبير ، وفي دول كثيرة تقوم بدور مساند للمؤسسات الحكومية في مجالات عديدة اجتماعياً وثقافياً وتعليمياً وتوعوياً ودينياً ، وعمل الخير فطرة لدى البشر فكيف وهو لدينا في شريعتنا (فرض) كالزكاة ، و(أمر) كالصدقة ، وحق طبيعي لكل إنسان بكفالة الله له . “السعودية” ينظر لها العالم الإسلامي أجمع على أنها مهبط الوحي ومنبع الرسالة وحاضنة الحرمين وقبلة المسلمين ، ولا يمكن فصل هذا كله عن دورها الخيري الرسمي والشعبي في العالم أجمع ، ولا عن توقعات المسلمين من هذا البلد الكريم ملكاً وحكومة وشعباً ، وقد قامت المملكة على الخيرية وشعارها “شهادة التوحيد” ولقب ملكها “خادم الحرمين الشريفين” ، لذلك فممارسة دورها الطبيعي الخيري كأغنى دول العالم الإسلامي متوقع ومطلوب ، ودور القطاع الثالث فيها مرتقب من جميع دول العالم ، مع التأكيد على الضبط اللازم الذي يحمي الدولة والمجتمع من أي شر قد يحدث جراء استغلال ذلك من قبل الأشرار . جدير بالذكر أنه في خضم ما يسمى “الحرب على الإرهاب” كانت المؤسسات الخيرية السعودية التي تعمل في الخارج هدفاً صريحاً وواضحاً ، كأحد الأهداف الإستراتيجية للقضاء على الإرهاب (زعموا) ، وبعد مرور أكثر من ١٠ سنوات على الحادي عشر من سبتمبر ، تم تبرئة جميع المؤسسات الخيرية السعودية في الخارج التي تم اتهامها بدعم الإرهاب ، وبدلاً من تجفيف منابع الإرهاب تم تجفيف منابع العمل الخيري في الخارج . العمل الخيري للسعودية في الخارج واحد من الواجهات المشرقة للإنسان السعودي مما يجعل من إيقاف أو تعليق التصريح للمؤسسات الخيرية الجديدة التي تعمل في الخارج لا مبرر له ، فضلاً عن التضييق على المؤسسات القائمة والمرخصة وإغلاقها . ومما لا يُمكن تصديق حدوثه في مملكة الإنسانية ؛ أن يكون بذل الخير لإخواننا في الدين والإنسانية خارج المملكة غير متاح أو جريمة أو حتى شبهة ، قد يعاقب فاعلها . بل والأدهى والأمر وهذا ملاحظ الآن ؛ بأن فعل الخير أصبح “فوبيا” عند البعض ،يخافون حتى من الحديث عنه فضلاً عن فعله ، وفاعله متهم حتى تثبت براءته ، فأصبح العمل الخيري منبوذاً عند كثير من الناس خوفاً من إصبع يتهم هنا أو وصمة بالإرهاب هناك . خلال هذه السنوات ونتيجة لتوقف عمل المؤسسات الخيرية السعودية في الخارج ، فقدنا كسعوديين حكومة وشعباً مواقع عديدة في جميع أنحاء العالم ، كانت بمثابة نبضات قلب ومنارات للعلم والعبادة وبذل الخير والعطاء ، هذه المجتمعات كانت تتعاطف مع السعودية في مواقفها وتقف معها قلباً وقالباً ، بعض هذه المواقع بعد تخلي السعوديين عنها (تنفيذاً للتعليمات) تم إختطافها من قبل مؤسسات ودول وجماعات وفرق ضالة ، هذه الجهات والفرق استثمرت تقاعسنا وابتعادنا وعجزنا عن دعمها ، فتولت إدارتها وسيطرت عليها ، كثير من هذه الجهات للأسف تعمل ضد كل ما هو سعودي ، أبرزها مؤسسات إيرانية تعمل وبدعم كامل وغير محدود من حكومتها وسفاراتها في جميع أنحاء العالم ، فتصدرت إيران المشهد الخيري في ضل غياب شبه كامل للمنافس الأول وهو السعودية ومؤسساتها التطوعية الخيرية . خلال هذه السنوات التي توقفت فيها العشرات من مؤسساتنا الخيرية في الخارج ، لم نفقد تلك المواقع فحسب ، بل وخسرنا مواقعنا ومكتسباتنا الدعوية وعمقنا المجتمعي في الكثير من الدول لابتعادنا القسري عنها ، وبهذا فقدنا أيضاً أحد أبرز قوى الضغط على الحكومات والتعاطف مع المجتمعات في السياسة الخارجية ، وقد يفسر هذا سر ضعف قدرتنا على التأثير على كثير من الشعوب في قضايانا ومواجهاتنا مع أعدائنا الإقليميين الذي يلبسون الحق بالباطل ، ويدسون السم في العسل . خلال سنوات معدودة تم إغلاق أكثر المؤسسات العاملة في الخارج إن لم يكن كلها ، ولو أردت اليوم تأسيس مؤسسة خيرية سعودية تعمل وتنشط في عمل الخير في الخارج ، فلن تستطيع بحجج كثيرة ، أكثرها تقع في باب سد الذرائع . في المقابل والحقيقة المعلومة أنه لن يستطيع كائناً من كان أن يمنع فعل الخير ؛ قد لا نراه ، أو لا نعلم عنه ، ولكنه بالتأكيد يحدث ، كما لا يستطيع أحد عملياً أن يفرض الوصاية بالقوة على فاعل الخير بكيفية توجيه صدقاته ، ما دامت عملاً مشروعاً وجائزاً في الأوجه الشرعية . عند التضييق على العمل الخيري خارج المملكة ومنع ممارسته في النور ، قد يتوجه البعض تلقائياً إلى البدائل التي قد تؤدي الى المحظور ، وبدلاً من أن يكون العمل الخيري في الفضاء الرحب ، تتوجه كثير من الأموال كتبرعات في الغرف الخلفية ، والتي قد يكون بعضها مظلماً ، وبالتالي فقدت الدولة أهم سبل الرقابة وهي المؤسسات المسجلة رسمياً والتي تمارس عملها بشفافية تحت الشمس معتمدة على المستند والإثبات والرسمية ، فأهم وسائل الرقابة على العمل الخيري هو في فتح المجال على مصراعيه للمؤسسات الخيرية تأسيساً ونشاطاً لتعمل في الخارج كما هي تعمل في الداخل ، وتخضع للرقابة والمراجعة والتفتيش المطلق . وقد يكون من المهم والمنطقي تأسيس هيئة عامة للعمل الخيري في الخارج ، هذه الهيئة لا تمارس العمل بنفسها نهائياً ، وإنما تكون مسئولة عن التراخيص والرقابة والإشراف والتنسيق لهذا القطاع ، عمل هذه الهيئة المقترحة سيكون مماثلاً لما تطبقة مؤسسة النقد بإشرافها على القطاع المصرفي والتمويل وقطاع التأمين ، أو هيئة السوق المالية بإشرافها على سوق المال والشركات الإستثمارية ، فهي لا تمارس عملهم ، ولكنها تمنح التراخيص وتخضع المرخصين للأنظمة ، وتفتش وتوجه لفعل الصواب وتعاقب عند الخطأ . أخيراً .. هي فرصة لأناس يستطيعون أن يكونوا بوابات للخير فيغرفون من أجر العمل الخيري غرفاً ، وجل ما هو مطلوب منهم إقتراح نظام ، أو توصية لتعديل سياسة أو تسهيل إجراء ، أو تقديم مقترح ، أو شفاعة حسنة ، فهم يتاجرون مع الله بجاههم ، وهي فرصة أكبر لمسئولين إستعملهم الله فشرّفهم بمسئولية وسلطة لفتح الأبواب المغلقة ، وهو باب من وفقه الله إلى فتحه فسيحصد من هذا الخير الى يوم الدين ، ومن أغلقه فقد أغلق على نفسه وعلى الناس باب أجر وخير تحمل هو ومن آزره وزره الى يوم يبعثون . فهد
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال