الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يغلب على اقتصاد المملكة الطبيعة التوزيعية وهذه لها نتائج وتداعيات إما ظاهرة أو كامنة ولكنها دائما موجودة في التصرفات الفردية والجماعية. من التداعيات قلة وضعف التعاون بين الأجهزة الحكومية بل أحيانا حتى الأفراد والأقسام في الجهاز نفسه تعاني ضعف التعاون. امتدت هذه الظاهرة إلى الأجهزة شبة الحكومية والخاصة. إحدى أهم هذه الظواهر ما أسميه التفكير “الصومعي” ـــ Silos ـــ التفكير من خلال قوالب راسية شخصية مستقلة. النزعة الأقرب إلى ممارستها الإدارية ليس التعاون والبحث عن أفضل الطرق لإنجاز مهام الجهاز، ولكن التمركز السلطوي والشخصي مما يعوق الحراك الجمعي وخاصة في النواحي الإدارية والاقتصادية. هذه فزعة إدارية تمارس كثيرا وبدرجات مختلفة حسب الحالة. ولذلك تكثر الإسقاطات أن هذا الشخص أو ذاك كفؤ ومؤهل بينما الجهاز لم يتقدم كثيرا.
هناك تداخل بين الهيكلي “الاستحقاقات التوزيعية وقلة المساءلة” والعارض “اختلاف الأشخاص وسياسة المكاتب” خاصة أن السياسة “ألاعيب المكاتب” دائما حاضرة في كل المجتمعات تزداد وتنقص طبقا لمدى فعالية وإنتاجية المجتمع ولكنها تزداد في الاقتصاديات التوزيعية لأن الوظيفة والشخص أحيانا أهم من العمل أحيانا والرغبة في ارتقاء سلم الجودة. الاقتصاد التوزيعي غالبا لا يطالب بعمل جمعي، ولذلك سرعان ما يكتشف الشخص “القوي” أن الاستقلال واحتكار المعلومة وتقليل المنافسة الداخلية أكثر منطقية ـــ فهو يصبح أكثر فائدة لمن هو أعلى منه ويضغط نحو الخصوصية والتفرد على من هو أقل منه وبالتالي تصبح “الصومعة” أكثر تصلبا وتزداد المسافات مع الآخرين. تصبح بيئة العمل غير صحية على أكثر من صعيد.
حين تتصلب الصوامع يصبح العمل ناقصا، ينقصه روح العمل الجمعي والمشاركة ويدب فيه الشك والأسوأ فينا، يقابل ذلك النزعة الأفقية بالمشاركة والتعاون والبحث الحقيقي عن الأفكار والتكافؤ في الفرص وتشجيع القيادات الواعدة. “التصومع” مكلف إداريا واقتصاديا ولكن لأن المنظار لدينا مالي، حيث يغفل عن التكاليف الاقتصادية غير المنظورة تجد أن الاهتمام بالصومعة من ناحية إصلاحية محدود. امتدت هذه الظاهرة إلى الشركات الخاصة وأصبح “التصومع” بديل عن الحوكمة، هناك سباق محموم نحو الحوكمة الشكلية من خلال العمل الورقي ولكن الحوكمة الفعلية يقودها التفكير الصومعي، ولذلك تجدها قوية في الشكل ولكنها ضعيفة في المضمون. من تداعيات الصومعة أن الشهادة والخريطة الاجتماعية تصبح ذات أهمية على حساب الجدارة والمنافسة الشريفة بما تحمل من مخاطر مجتمعية. التفكير “الصومعي” يعزز البيئة التسلطية ويصبح طاردا وبالتالي تتعمق وتتصلب الصومعة إلى حد القطيعة. طبعا تستمر اللجان والمحاضر وكأن الصومعة غير موجودة خوفا على المصالح الشخصية الضيقة. أحد تداعياتها تزايد الاستشاريين الأجانب لتخفيف الاحتكاكات بين المتصومعين والتدوين السطحي لكيلا تخدش الصومعة الراسية التي تزداد حساسية مع الوقت.
“الصومعة” نمط لا يتناسب مع حراك اقتصادي متفاعل مع الأعمال الإنتاجية أو القيمة المضافة والمرونة المطلوبة في الاقتصاد الحديث. كلما تزيد الصومعة تقل الإنتاجية. قبول “المعرفة” والمرونة لن يجد توافقا مع النمط الصومعي من التفكير. يتحرك الاقتصاد العالمي نحو المرونة والمعرفة، فطبقا لدراسة عن التجارية العالمية أن الحركة التجارية “الرقمية ـــ المعلوماتية” بلغت 2.8 تريليون دولار مقابل 2.7 تريليون في تجارة البضائع في 2014 كأول سنة تتغير فيها المعادلة بين تجارة البضائع والتجارة الرقمية. النمط الصومعي لن يستطيع التكيف مع هذا الحراك مهما حاولنا تسويغه. ليس هناك حلول سهلة ولكن في نظري أولها أن نطالب الأجهزة الحكومية، كما ذكر رئيس مجلس الاقتصاد والتنمية الأمير محمد بن سلمان، بأداء أكثر وتفاعل مع المواطن.لابد أيضا من تصغير حجم الجهاز الحكومي ودفع الغالبية نحو القطاع الخاص وتقليل الوافدين.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال