الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
مرت أمامي منذ فترة تغريدة لأحد المغردين الكبار جدا من حيث عدد المتابعين وكان فيها معلومة اقتصادية خاطئة. كانت التغريدة معاد تغريدها مئات المرات، فقدّرت أنه من الواجب لفت النظر بأن المعلومة ليس صحيحة. كتبت ردا ديبلوماسيا لكني وضحت المعلومة الصحيحة. ما حدث بعد ذلك جعلني أندم أشد الندم على قيامي بالرد. في البداية جاوبني المغرد بتكرار معلومته كما هي ثم تلته جحافل المتابعين بالرد عليّ انتصارا للمغرد الكبير. أثارني الموضوع فقررت البحث فيه. ما الذي يجعل مئات الآلاف من الناس تتابع شخصا وتصدقه في أي شيء يقوله؟
قمت بمراقبة عدة حسابات مشابهة من حيث نوعية التغريدات والمواضيع التي تتناولها. في المحصلة وجدت الأساس تقريبا نفسه والأسلوب واحد وهو لا يختلف عن ما هو موجود أصلا في الحياة العامة لكن أثره أكبر بكثير في وسائل التواصل لسهولة الوصول إلى غالبية شرائح المجتمع بشكل تفاعلي. هناك نماذج مشابهة من الكتاب الصحفيين على سبيل المثال إلا أن عدد قراء الصحف لا يساوي شيئا أمام مرتادي وسائل التواصل بالإضافة الى عدم إمكانية التفاعل لإظهار الشعبية وعدد المتابعين الذي يعني بطريقة ما مصداقية أكبر.
الأسلوب يعتمد على التلاعب بالعواطف بالعزف على أوتار تثير الناس في حياتها اليومية. انتقاد مستمر وتشكيك مع اتهامات مبطنة لجهات مختلفة بأنها ضد مصلحة الناس. كل ذلك يقدم بطريقة مدروسة عن طريق عرض أرقام ودراسات والإشارة إلى تقارير معينة، وهي ما قد لا يقرأها المتابع لكن وجودها يكفي لطمأنته بأن المغرد الكبير خبير في كل شيء.
أهم الضحايا عادة هم التجار الذين يُتهمون بأن جشعهم هو ما يؤدي لضعف الاقتصاد وزيادة البطالة وتراجع النمو لأنهم يبحثون فقط عن مصلحتهم ومصالح شركاتهم وهم أيضا يتحملون مسؤولية غلاء الأسعار وعدم توظيف الخريجين. اذا كان الحديث عن سوق الأسهم فالمتهمون هم كبار المستثمرين الذين يضللون الصغار ويتلاعبون بهم. يمتد الاتهام في العادة الى الحكومات والهيئات الرقابية التي تقف موقف المتفرج على التجار بدلا من أن تكبح جماحهم وتوقفهم عند حدهم.
كل ذلك يستقبله الباحث عن الوظيفة أو محدود الدخل ويؤمن به لأنه في حالة تجعله يبحث عن السبب الذي يمنعه من أن يتطور وأن يعيش حياة أفضل. من السهل جدا على العاطل عن العمل أن يلقي باللوم على صاحب شركة لم يوظفه. كما هو معتاد أن نسمع موظفا ينتقد المدير الذي لم يعطه زيادة في راتبه وغير ذلك من فئات المجتمع الباحثة عن من تلقي عليه اللوم. لذلك، فإنهم عندما يجدون من يقدم كل ذلك لهم معلبا بطريقة جميلة وجذابة فإنهم يعتبرونه المعبر عن ما في صدورهم من ألم.
في الاقتصاد وعالم الأعمال، دور الحكومة هو الرقابة والمحافظة على البيئة التنافسية منعا للاحتكار والإشراف على تطبيق الاستراتيجيات لتوفير الأنظمة والقوانين والبنى التحتية كي يقوم القطاع الخاص بدوره. القطاع الخاص يعني التجار والمستثمرين الذين يعملون ويستثمرون أموالهم ويخاطروا بها من أجل تحقيق الأرباح. كل البلدان التي يأتي منها المغردين الكبار بتقاريرهم تعتمد هذا المبدأ. في تلك البلدان المتقدمة نجد من يطالب بمحاربة الاحتكار، لكننا لا نجد من يطالب بكبح جماح التجار كي لا يحققوا أرباحا أكثر. سنجد هناك مطالبات بتطوير الأنظمة لمحاربة الفساد والغش بدون اتهام من يعمل بشكل صحيح بأنه سيّء لمجرد أنه يحقق ربحا من خلال شركاته.
لا يخلو الأمر في أي مكان من وجود ممارسات خاطئة، لكننا يجب أن لا نعممها. القطاع الخاص أساس أي اقتصاد يريد أن يتطور ويحقق النمو ويخفض من نسب البطالة ويدفع العجلة الاقتصادية إلى الأمام. محاربة القطاع الخاص وتأليب الرأي العام عليه يؤدي الى العكس تماما. المشكلة أصبحت اختلاط الانتقاد البناء للمنظومة بأسلوب التلاعب بالعواطف مما جعل التفريق بينهما صعبا جدا.
في رأيي أن رجال الأعمال عليهم التواجد بفعالية أكبر في وسائل التواصل الاجتماعي كي لا تبقى الساحة خالية وأيضا ليقوموا بإكمال الصورة عند المتابعين وهو ما بدأ البعض يفعله مؤخرا لكنهم بحاجة إلى تفاعل أقوى. عليهم أن يدركوا أن وسائل التواصل ليست فقط منصة لتبادل الكلام بل موقعا أساسيا لتكوين الرأي العام وردات فعله.
المفارقة في أحيان كثيرة أن بعض أولئك المغردين هم من القطاع الخاص، أي أنهم بشكل أو بآخر يهاجمون أنفسهم. لذلك فعلى ما يبدو أن الشهرة هي فقط الهدف من وراء استخدام الأسلوب المذكور ولا شيء آخر.
البحث عن الشهرة بدون هدف آخر قد يكون مضرا للمجتمع بلا أي فائدة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال