الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أكاديمي متخصص في المحاسبة
Yasseralnaf@gmail.com
تابعت كغيري من أفراد المجتمع اللغط الذي حدث ازاء حال المتقاعد بعد أن أتت التلميحات التي تفيد تقاعس المتقاعد او بطالته بصورة او باخرى وضرورة التضييق عليه حتى يهب من سباته وتدب فيه روح النشاط من جديد او يكون عبرة لغيرة من الشباب حتى يحجموا عن التقاعس والدلع!! طبعا حتى نكون أمينين في نقاشنا لموضوع التقاعد ومنصفين لكل الجهات المتصلة بموضوع التقاعد، لابد وأن نحلل تلك الإلماحات بنوع من التفصيل.
من هو المتقاعد ؟؟ المتقاعد وفق المعنى الذي يتبادر الى الذهن مباشرة هو أي شخص انهى خدمته من عمل معين، وهو أيضا وفق الانظمة المعدة من قبل مؤسسة التقاعد ” هو كل موظف ( مدنى/ عسكري) انتهت مدة خدمته، وخصص له بموجب أنظمة التقاعد معاشاً تقاعدياً عن الفترة التي قضاها” وكما ترى ان التعريف الذي تمتلكه لا يختلف عن المعنى الموجود في الانظمة الرسمية سوى ان الانظمة الرسمية اهتمت بأهلية ذلك المتقاعد لمعاش التقاعد (الذي قد يكون احد اهم المتعلقات بموضوع التقاعد). لماذا أمر المعاش هام جدا؟ لأنه لا يخلوا الحديث عن حال المتقاعد ونشاطه من عدمه من التعريض صراحة او إلماحا الى حجم الانفاق والمعاشات المقدمة للمتقاعدين ومدى قدرة المؤسسات المسئولة عن صندوق التقاعد على تأمين معاشات التقاعد لمن انطبقت عليه الشروط وساهم في برنامج منافع معاشات التقاعد.
وبما اننا تحدثنا عن ماهية المتقاعد و عرفنا انه من انهى خدمته،، يجب هنا ان نعرف متى عادة سينهي الموظف خدمته؟؟ خصوصا بعد ان ساهم في برنامج معاشات التقاعد؟ وفق الانظمة المتعلقة بمعاشات التقاعد لا يستحق الموظف المتقاعد والمشترك المعاش التقاعدي الا بعد ان يكون قد اتم فترة محددة من العمل داخل القطاعات المشتركة والمعتمدة من قبل المؤسسة الخاصة بالتقاعد. فمثلا وفق انظمة مؤسسة التقاعد الموظف المدني يجب ان يكون قد اكمل كحد أدنى 20 سنة عمل حتى يستحق المعاش التقاعدي، وبالجانب الاخر الموظف العسكري يكون قد انهى تقريبا 15 سنة عمل كحد أدنى ليكون مؤهل للحصول على منافع المعاش التقاعدي. اذا هنا نعرف ان الموظف يحتاج ان يقضي فترة ليست بيسيرة ليتسنى له اتخاذ قرار التقاعد ولا يخسر مساهمته في البرنامج.
وفق البيانات الاحصائية المنشورة من قبل مؤسسة التقاعد، أعداد المتقاعدين في المملكة تتزايد من سنة إلى أخرى (اخذين في الاعتبار تزايد التعداد السكاني وتزايد اعداد الموظفين)، فقد كان عدد المتقاعدين في عام 2005 حوالي 19702 متقاعد بينما وصل عدد المتقاعدين في عام 2014 الى 43292 متقاعد. ونلحظ هنا ان الاعداد السنوية للمتقاعدين تزايدت بشكل واضح بمتوسط نسبة ارتقاع قدرها 9% سنويا لمدة 10 سنوات. ولو حاولنا ان نتعرف على ما اذا كان هناك علاقة بين انتهاء مدة الخدمة و عمر المتقاعد، لوجدنا من خلال البيانات الاحصائية لعام 2014 ان هناك ما نسبته 55% من المتقاعدين اعمارهم في المدى (من 50 سنة إلى ما هو اكبر من 64 سنة). وبشكل محدد أكثر نجد أن من أعمارهم في المدى( 50-54 سنة) يمثلون ما نسبته 23% من اجمالي المتقاعدين في 2014م ومن أعمارهم في المدى (60-64 سنة) يمثلون ما نسبته 20%. فأهم مدلول تقدمه لنا هذه البيانات الاحصائية هو أن النسبة الغالبة لمن يقبلون على التقاعد هم من أعمارهم جاوزت الخمسين سنة، وهذا بلا شك يدل على أنهم أشخاص تجاوزا مرحلة النشاط والحيوية. وقد يكون من المقبول ان يقول قائل ان ما نسبته 45% من المتقاعدين في 2014 م هم ممن اعمارهم دون 50 سنة وبالتي لازالوا في سن الحيوية والنشاط، لكن هذا النقاش العقلاني سيحيلنا الى سؤال هام، هل نهاية مدة الخدمة تعني نهاية العمل او الحيوية والنشاط؟ لا بطبيعة الحال ولكن الأمر يحتاج الى دراسة توضح ما إذا كان الاشخاص يقفون عن الانتاجية بمجرد التقاعد و ايضا ما هو مدى توافر الفرص الوظيفية أساسا للمتقاعدين في ظل معدلات مرتفعة للبطالة وهذا التحليل لابد وان يُدخِل عامل العمر في الحسبان فلا نعتقد ان من تجاوز عمره مثلا 55 سنة يتساوى مع انتاجية من عمره 45 سنة وأدنى.
هل نفقات معاشات التقاعد هاجس يؤرق توجهات الجهات المسئولة؟؟ قبل ان نجيب على هذا السؤال يجب ان نفهم العلاقة الثلاثية في ما يسمى ببرنامج منافع معاشات التقاعد. برنامج معاشات التقاعد المقدم من قبل مؤسسة التقاعد ينطوي على العلاقة بين ثلاثة جهات: 1- الجهة المقدمة للخدمة وهي مؤسسة التقاعد 2- المشترك في الخدمة وهو الموظف المدني او العسكري 3- الجهة الحكومية (المدنية او العسكرية) التي ينتمي لها الموظف. بموجب هذا البرنامج تقدم مؤسسة التقاعد وعدا للمشترك في البرنامج بأن تقدم له معاش تقاعدي بمعدل معين وفق مدة الخدمة ومعدل الراتب الاساسي بعد ان ينهي خدمته من العمل على أن يساهم الموظف المدني او العسكري طيلة فترة عمله الوظيفي بجزء من مرتبه الشهري (9%) في البرنامج حيث تقوم المؤسسة التي يعمل لصالحها باستقطاع ذلك المبلغ وايداعه لصالح مؤسسة التقاعد الجهة الادارية للبرنامج، وبذلك تقوم مؤسسة التقاعد بالاستفادة من تلك المساهمات واستثمارها وتنميتها لتكون نهاية قادرة على الوفاء بما وعدت به من منافع.
لكن تزايد اعداد المتقاعدين وخصوصا التقاعد المبكر بات أمرا مقلقا لمؤسسة التقاعد لما يؤدي اليه من زيادة الالتزامات على المؤسسة ازاء المشتركين وهذا الامر يظهر واضحا من خلال خشية عدد من المسئولين بمؤسسة التقاعد ( وايضا مؤسسة التأمينات الاجتماعية المختصة بموظفي القطاع الخاص) من تأزم قدرة المؤسسة المالية في المستقبل على الوفاء بالتزاماتها اتجاه المشتركين مما قد يؤدي الى تأثر المستفيدين من البرنامج. وهذا الامر حدى بعدد من المسئولين والمهتمين الى المناداة بضرورة اصلاح اشتراطات الحصول على منافع معاشات التقاعد وقد ركزوا كثيرا على تقييد عملية التقاعد المبكر محاولة منهم في الحد من الارتفاع السنوي لمعدل الانفاق ومنهم من طالب بتعديل المزايا المقدمة للمتقاعدين وغيرها من الحلول لأجل تخفيف اثر العجز المالي المتوقع في صندوق التقاعد بالاضافة الى ضرورة تعزيز قوى صندوق التقاعد الاستثمارية. إلا ان الامر الذي يتعارض مع التنبؤات بعجز مالي مستقبلي والبحث عن حلول هو اهداف وزارة الخدمة المدنية الاستيراتجية في برنامج التحول والتي توجهت نحو تعزيز فكرة التقاعد المبكر وتقليل نسبة التعيين من اجل تخفيض حجم الانفاق الحكومي على رواتب الموظفين. ومن وجهة نظر صندوق التقاعد تقليل نسبة التعيين تعني تقليل نسة المشتركين و تعزيز فكرة التقاعد المبكر تعني زيادة نسبة الانفاق السنوي لمعاشات التقاعد ، وبالتالي زيادة في نسبة الانفاق السنوي وتخفيض في حجم الاشتراكات (الايرادات) على الاقل في السنوات الأولى من هذا التوجه!!
هل يمكن طرح تخفيض مزايا معاشات التقاعد او زيادة نسبة الاقتطاع كأحد الحلول العاجلة لتغطية احتياطية لاي احتمالات للعجز المستقبلي؟ أعتقد أن مثل هذا الطرح يحتوي نوع من المساومة على معيشة افراد الطبقة المتوسطة والمتدنية. ففي ظل مؤشرات التضخم وتراجع اسعار النفط واهتزاز المؤشرات المالية لا يعتبر ابدا هذا الخيار جيدا خصوصا في نظر الفرد البسيط. فاعتقد ان الحلول يجب ان تبدأ بزيادة كفاءة ادارة صناديق الاستثمار للتقاعد وتعزيزها لرفع مداخيلها بالاضافة الى اخذ مؤشرات التضخم في الاعتبار عند الحديث عن مدى ارتفاع او انخفاض المزايا المقدمة. ولا نعرف ارقاما حقيقية ولا دراسات دقيقة تفيد ان المتقاعدين يكفون عن الانتاجية رغم قدرتهم على ذلك؟؟ والظريف في الأمر هو تصوير ضعف مزايا معاشات التقاعد او محاولة تخفيضها بأنه امر لا يستحق الامتعاض لانه نتيجة لخيارات الموظف الذي اختار في بداية حياته الوظيفية القطاع الحكومي على القطاع الخاص (مفترضين توفر الفرص المميزة في القطاع الخاص!!).
التقاعد ينظر اليه في الغالب على انه مرحلة ما بعد الخدمة حين يكون الانسان اقل قدرة على العطاء واكثر حاجة للاسترخاء، وايضا تكون المؤسسات والقطاعات المختلفة اكثر حاجة لشباب اكفاء يجددون من النمط الفكري والاداري ويحملون اعلى مؤشرات الانتاجية، لذا لا ادري من اين اتت فكرة كسل المتقاعد وعدم انتاجيته او دلعه!!
خاتمة: قمة الاحترام واعلى مراتب الذات العليا هو (احب لأخيك ما تحب لنفسك)
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال