الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
fahadalthenyan@
عضو معتمد لدى معهد المحاسبين الإداريين الأمريكي
عالمياً، يستهلك قطاع الزراعة 70% من استهلاك المياه بالمتوسط مقارنة بـ 20% و 10% استهلاك القطاع الصناعي والاستخدامات الأخرى تباعاً بينما يمثل استهلالك قطاع الصناعة ما يفوق نصف إجمالي الاستهلاك في الدول الصناعية عطفاً على التقدم الصناعي الذي مرت به هذه الدول.
يقارب استهلاك الماء السنوي 10,800 مليون مليون لتر بينما لا تتوفر مياه الشرب لما يفوق ال 600 مليون إنسان ويتوفى طفل كل 17 ثانية بسبب أمراض متعلقة بعدم وفرة مياه الشرب الصالحة للاستخدام البشري. وغيرها من الأرقام المتوفرة على شبكة البيانات العنكبوتية والتي لا حاجة لسردها لبيان أهمية هذا الموضوع، ولكن لغرض التقديم لا غير.
التحديات بشأن الماء لا تتعلق بمجرد الأثر المباشر للنمو السكاني في ظل محدودية هذا المورد الحيوي “الماء” والتي بذاتها ليست مسألة جودة وتوفر مصادر طبيعية للماء الصالح للشرب مقارنة بمياه البحار التي تحتاج للتحلية بتكاليف مرتفعة، بل بالكميات المتوفرة من الماء عامةً وشاملةً للمياه الصالحة للشرب وغير الصالحة للشرب. جاء في القرآن الكريم في وصف السماء بأنها } ذات الرجع { حيث ترجع ما تأخذ عن طريق التبخر في صورة أمطار وثلوج بلا زيادة ولا نقص وبالتالي تبقى كمية الماء المتوفرة على وجه الأرض كما هي دائماً وهذا مصداق للحديث النبوي } ما من عام بأقل مطراً من عام، ولكن الله يُصرّفه حيث يشاء {، وهذا ما أثبته العلم الحديث إذ يتبخر 380,000 متر مكعب سنوياً من الماء وتعود نفس الكمية في شكل أمطار و ثلوج أو الندى والضباب وإن كان بنسبة أقل. وبالتالي فإن الندرة النسبية هنا ليست ندرة مياه الشرب فقط بل هي الندرة النسبية للمتوفر من المياه عموماً وبمختلف حالاته سواء كان صالحاً للشرب أم لا.
وعوداً على ذي بدء فإن الثورة الصناعية بالتأكيد لم تساهم في تغيير الأنماط الاجتماعية بل والأنماط الاستهلاكية فلم تعد الأولويات اليوم هي نفس الأولويات وإن اتفقنا على أن هناك ضروريات لا يمكن للإنسان العيش بدونها؛ فالماء الذي كان يستخدم في أغراض أساسية كالشرب والسقي والغسيل تأثرت استخداماته حجماً وكيفاً بالتحولات الكبيرة في مجال الطاقة الحيوية لأن النباتات لم تعد النظرة إليها كما كانت فهي اليوم مادة خام لإنتاج الوقود حيث ساهم النمو الكبير في إنتاج الوقود الحيوي (المصنوع من النباتات كالذرة) في ارتفاع الطلب على المياه حيث يتطلب إنتاج اللتر الواحد من أصناف الوقود الحيوي ما يتراوح بين 1,000 و 4,000 لتر من الماء خاصة في ظل توجه وسعي دول مثل البرازيل إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه النوعية من الوقود ما ضاعف استهلاك الماء لأغراض الري. وازدهرت صناعة النفط فتزايدت الحاجة للماء والمزيد منه للضخ في أعماق الأرض واستخراج الذهب الأسود حيث يتطلب إنتاج برميل النفط الواحد في المتوسط قرابة ال 5 براميل من المياه وفقاً لأحد تقارير مكتب المساءلة الحكومية الأمريكي. وكانت المحصلة نمو استهلاك المياه المحلاة بثلاثة أضعاف خلال السنوات الخمسين الماضية حيث ينمو بمعدل 64 بليون متر مكعب سنوياً (المتر المعكب = 1,000 لتر).
وفي السعودية تحديداً يصل استهلاك الماء لأغراض الزراعة ما يقارب 88% بينما لا يتجاوز استهلاك قطاع الصناعة 3% من إجمالي الاستهلاك! وتتمثل مصادر المياه المستهلكة في المياه الجوفية (90%) والمياه المحلاة والمعاد معالجتها (5%) والمياه السطحية (5%). وبالتالي فإن متطلبات المرحلة تستلزم اتخاذ الإجراءات والتدابير الجذرية لترشيد استهلاك المياه ومن ثم توفيرها أو تحويلها نحو القطاع الصناعي عوضاً عن القطاع الزراعي الذي يستنزف ما يفوق المتوسط العالمي بمعدلات قياسية. والتنازل عن القناعات التي قد تقف عائقاً أمام مركبة التغيير المنشود سيكون إثباتاً حقيقياً لإرادة المجتمع وصدق رغبته في التغيير للأفضل، واللعب على وتر عاطفة تحقيق الأمن الغذائي الذي يمارسه البعض يجب أن يتوقف لأن استمرار سلوكيات الاستهلاك الجائر للماء سيدفع ثمنه غالياً أجيال لا ذنب لها إلا أن كنا نحن آباؤهم وأجدادهم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال